«الإرهاب فكرة.. قبل أن يكون سيارة مفخخة في شبرا الخيمة» جميع المنظمات الإرهابية التي عرفها العالم في تاريخنا المعاصر.. بصرف النظر عن المكان والزمان.. أو الموقع الجغرافي.. قامت علي فكرة.. وعلي عقيدة.. وعلي شعارات.. تتسم بالترتيل والترنيم والتنغيم.. التي تجرد الإنسان من العقل.. وتصور له الاتصال بعالم روحاني.. وتثير في نفسه شهوة منازلة الحتوف وممارسة الأهوال.. من أجل أهداف عجيبة! والإرهاب.. فكرة مجنونة.. وليس مجرد عمل إجرامي طائش.. وبالتالي فإن «الفكرة» في حالة الإرهاب أخطر كثيرا من العمل الإرهابي في حد ذاته.. لأنها تنطوي علي خداع.. أشبه بالمرض الذي لا شفاء منه.. وينتقل المريض بين درجاته إلي أن يصل إلي درجة استحالة العلاج. في سبعينيات القرن الماضي.. حضرت بحكم عملي الصحفي في ألمانيا محاكمة أحد أعضاء جماعة إرهابية تطلق علي نفسها «تحيا ماريا».. وكانت من الجماعات الإرهابية الأكثر غموضا.. وأذكر أن قاعة المحكمة ضجت بالضحكات والقهقهات عندما قال المتهم: إن زعيم العصابة أقنعهم بأن الإيمان بهذه الأفكار سوف يجعلهم يرون وسط الظلام الدامس. وللألمان تجربة تستحق الإشارة السريعة.. بابتداع سياسة مقاومة الأفكارالتي تقود إلي الإرهاب اطلقوا عليها إعادة التثقيف Re-education.. بدأت بعرض أفلام للأطفال في دور الحضانة.. وانتهت ببرامج ثقافية وتنويرية بين شباب المعاهد والجامعات.. وكان الهدف في كل الأحوال هو تجفيف منابع «الأفكار» التي تدعو لارتكاب جرائم الإرهاب.. الموجهة ضد المجتمع ككل.. علي أساس أن هذه الأفكار هي الأصل في ارتكاب الجرائم التي تعود بالبلاد إلي عصور الهمجية. أريد أن أقول إن ألمانيا التي قضت علي الإرهاب خلال أقل من سنة.. لم تعتمد علي المحاكمات وإلقاء القبض علي المشتبه بهم ولا علي قوانين الإرهاب والعقوبات الرادعة.. وإنما قضت عليه من منابعه.. ومن «الأفكار» التي تؤدي بالشباب إلي السير في طريق الضلال.. وكانت السبب الرئيسي في عدم ظهور أجيال جديدة من الإرهابيين أو ما يطلق عليه «أجيال بلا آباء» Fatherless Generation. أجيال بلا آباء.. كانت الروشتة.. التي وضعها فريق من العلماء من أهل التخصص.. ووجهت رسائلها إلي المجتمع الذي استطاع أن يقضي علي ثقافة توريث الإرهاب.. بعد أن أكدت الدراسات ان جينات الإرهاب تنتقل من الآباء إلي الأبناء.. وأن الإرهابي ينجب إرهابيين بالوراثة.. عن طريق الجينات الوراثية! نحن إذن أمام العديد من التجارب.. التي لم تحصر توقيع العقوبة علي الإرهابي الذي يرتكب جريمة الإرهاب الموجهة في الأساس ضد المجتمع.. وإنما أقدمت إلي تجفيف منابع «الأفكار» التي تحض علي ارتكاب جرائم ضد أبرياء.. لا يعرفهم.. ولا توجد بينهم وبينه أي شكل من أشكال ألوان الخصومة. الإرهاب فكرة.. تبدأ بكلمات شاردة.. ثم تتحول بالعقلية الجماعية.. إلي عقيدة.. وإلي أنشطة إجرامية.. ولذلك فإن الحرب ضد الإرهاب.. تبدأ بالحرب ضد الأفكار.. وشاءت الأقدار أن تشهد القاهرة خلال اسبوع واحد صدور القانون رقم 94 لسنة 2015 لمكافحة الإرهاب.. الذي يقرر عقوبات رادعة علي الإرهابيين والجماعات الإرهابية.. ومنها عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكل من أنشأ أو أسس أو أدار جماعة إرهابية.. أو تولي زعامة قيادة فيها.. في الوقت الذي شهدت فيه القاهرة المؤتمر العالمي الذي نظمته دار الافتاء المصرية بمشاركة وفود من المفتين من 50 دولة.. لمواجهة الفتاوي الجامحة التي تحض علي الإرهاب.. وتحرم التحف والتماثيل والتكسب من التصوير.. وتدمير آثار ذات قيمة فنية.. باسم الإسلام. وأتصور أن المؤتمر العالمي الذي نظمته دار الافتاء المصرية بقصد مكافحة الفتاوي التي تتخذها جماعات الإرهاب أساسا لنشر أفكارها التكفيرية.. هو خطوة في الطريق الصحيح.. وهي خطوة لابد أن تتبعها العديد من الخطوات الأخري في نفس الاتجاه.. وأن تتحول هذه الخطوة إلي سياسة للدولة.. لا تقع مسئوليتها علي دار الافتاء وحدها.. وإنما تمتد إلي مراكز محو الأمية والمدارس والمعاهد والجماعات.. لسبب بسيط هو أن الإرهاب ليس قضية أمنية فحسب.. تقع في اختصاص وزارة الداخلية ومؤسسات الأمن القومي.. وإنما هي قضية «فكر».. وإلي أفكار تنتشر بين البسطاء الذين يبحثون عن طريق يقربهم في أبواب الجنة.. بلا تفكير. وعندما نتأمل الشعارات التي ترفعها جميع عصابات الإرهاب.. نلاحظ أنها تتفق في اعتمادها علي فتاوي وأفكار.. شغلت المسلمين في أخذ مكانتهم بين الأمم.. وأن معني هذه الفتاوي بنيت علي أعراف انتهت.. علي حد تعبير الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب. وأضاف فضيلته انه من حق المسلمين ان يجددوا النظر في هذه القضايا! وهنا تكمن القضية.. قضية مكافحة الإرهاب.. بثورة ثقافية شاملة تعيد الأمور لنصابها.. وتقضي علي مواسير الفتاوي والأفكار المتطرفة التي تنفجر في الشوارع وتلوث البيئة.. بما تصدره من روائح.. كل يوم وكل ساعة. وكان الشيخ شوقي علام مفتي الجمهورية علي حق عندما قال في حواره مع صحيفة «الأهرام» يوم الجمعة: «ان الفتوي أصبحت أداة لتبرير العنف وتشريع إراقة الدماء»..بما يعني أن عصابات الإرهاب استثمرت الفتاوي.. في ابتداع الأفكار والعقائد التي يلتف حولها السذج والبلهاء.. لسبب بسيط هو انه لا يمكن تجنيد عناصر الإرهاب.. إلا من خلال أفكار نري انها أشد فتكا من العمليات الإرهابية في حد ذاتها.. وبالتالي فإن قضية الإرهاب هي قضية ثقافية إلي جانب كونها قضية أمنية.. وإن كنا نري أن الجانب الثقافي.. هو الخطوة الأولي لمكافحة الإرهاب.. وتجفيف مستنقعاته. ويتعين علينا هنا الإشارة إلي الفتاوي الجامحة التي يستخدمها البعض في الحرب ضد الإسلام.. من باب تلويث العقيدة.. وهي المتعلقة بقضايا الآداب العامة.. وسلوكيات الإنسان المعاصر الذي يتعامل مع التليفون المحمول ويتابع مسلسلات رمضان.. ومباريات الأهلي والزمالك.. وبرنامج «لسه فاكر» بإذاعة الأغاني.. وبالتالي فإن هذه الفتاوي الجامحة هي أبشع أسلحة الحرب ضد الإسلام.. وهي التي أدت لانتشار ظاهرة التحرش بين المسلمين في أرجاء العالم. اختصار الكلام.. إن محاربة الإرهاب.. في حاجة إلي ثورة ثقافية.. تقضي علي الأفكار التي تأتي بها الفتاوي الجامحة.. لأن الإرهاب في حقيقته «فكرة» قبل أن يكون سيارة مفخخة تغتال المدنيين في شبرا الخيمة.