بالتالي فإن اختيار الموعد الذي يعني تقديم الميعاد الذي تعودنا عليه معه وهو السابعة أو الثامنة مساء. يبدو إجراء غير موفق بمجرد أن أعلنت قناة سي بي سي ظهر الخميس الماضي عن أنه حدثت حالة توافق بين الأستاذ محمد حسنين هيكل وبين القناة علي عدم عرض الحلقة التي سجلها الأستاذ مع الإعلامية لميس الحديدي لكي تعرض الخامسة من بعد ظهر الجمعة الماضي. اتصل بي من بين الآلاف الذين كانوا بانتظار سماع كلمة هيكل ورأي هيكل ورؤيته لما يجري. هاتفني الصديق خالد عبد الهادي من عمَّان في الأردن. والصديقان عاصم الشيدي وأحمد الفلاحي من سلطنة عُمان. وأحمد إبني من كندا. يبدون دهشتهم للتأجيل المفاجئ. بعد أن كان الأستاذ قد انتهي من تسجيل حلقته. لست من المتابعين لما يكتب في الفضاء الإليكتروني علي الإنترنت. ولكن نقل إليَّ أن نهراً لا أول له ولا آخر من التعليقات بدأ يُنشر عن تأجيل الحلقة. وبعض التعليقات دخلت لصلب الموضوع وادعي أصحابها أنهم عرفوا مضمون الحلقة. وبالتالي فإن قرار التأجيل قد يبدو مفهوماً في ضوء ما كان سيقال. ورأي أحد الطرفين - هيكل أو القناة - حجبه عن الناس علي الأقل في ظروف المتابعة دقيقة بدقيقة لما يجري في اليمن. لديَّ يقين أن الحلقة سُجِّلت في الساعة الحادية عشرة من صباح الأربعاء الماضي. وأن الأستاذ هيكل كعادته قضي أيام الأسبوع السابقة علي التسجيل مشغولاً بما سيقوله. يعود إلي مراجع. يقرأ شهادات. يدرس. يتأمل. وكأن الرجل أمام امتحان الرأي العام الذي يحترمه ويجله ويعيد النظر في كل كلمة يقولها أمام محكمته. بمجرد أن علمت أن الحلقة ستذاع في الخامسة من بعد ظهر الجمعة. حتي هاتفت الأستاذ هيكل. لم يرد عليَّ فوراً. لكنه طلبني لاحقاً. وأبديت له تحفظي علي الموعد الجديد. وقلت له لا تنسي أنه يوم الجمعة. يوم التسوق. ونزول الأسر لقضاء حوائجها بعيداً عن بيوتها. وبالتالي فإن اختيار الموعد الذي يعني تقديم الميعاد الذي تعودنا عليه معه وهو السابعة أو الثامنة مساء. يبدو إجراء غير موفق. قال لي أنه كان متردداً في الموافقة علي الموعد الجديد. ولكن القناة لديها ظروف عمل لا بد من أخذها في الاعتبار. ففي هذا اليوم تعرض القناة بعض البرامج ذات الجماهيرية الكاسحة والإعلانات الكثيرة. قلت له - ولم أكن مجاملاً كما تعودت معه - أن المادة التي يقدمها والحديث الذي يقوله لا شئ يعلوه في الأهمية مهما كانت المواد الأخري. وأن جماهيره سواء من اتفقوا معه أو رفضوا ما يقوله. لديهم حرص حقيقي علي مشاهدة برامجه والاستماع إلي ما يقوله. ثم تكون لهم مواقفهم وهم أحرار فيها مما جاء علي لسانه. تعمدت بعد حجب الحلقة عن العرض ألا أتصل به. لكي لا أنقل عنه شيئا. وأترك له الطريقة التي يحب أن يطلع الجماهير بها علي ملابسات عدم عرض الحلقة. لست من مناصري نظرية المؤامرة في التاريخ. وقد لا يكون هناك أي ملابسات سوي أن الحدث الذي انطلق في الساعات الأولي من يوم الخميس الماضي عندما بدأت عملية عاصفة الحزم. وهو مسمي لم يعجبني. لأنه مستورد من عاصفة الصحراء التي أطلقتها أمريكا علي عملية تحرير الكويت. هذا الحدث ربما جعل كلام هيكل سابقاً علي ما جري. وبالتالي فإن التحليل والرؤية عندما تدخل في جدل مع ما يجري في أرض الواقع ويتطور بين كل لحظة وأخري. فإن الواقع تكون له الكلمة الأولي والأخيرة. مهما كانت دقة الرؤية وجماهيرية صاحبها. لكن لفت نظري فيما نشر وقيل عن أسباب تأجيل الحلقة ما نصه: - يضاف إلي الظواهر الطارئة أن الطيران الأمريكي يشارك صراحة في القتال. وتلك أحوال تدعو أغلب الظن إلي أن هناك ما دعي إلي المواجهة العسكرية في أقصي الجنوب في اليمن. علاوة علي أن الطوارئ سبقت الترتيبات. فمؤتمر القمة بشرم الشيخ كان المتصور أن التدخل العسكري يكون لاحقاً له ونتيجة لقراراته. خصوصاً أن أهم البنود الواردة في جدول أعماله كان بند إنشاء قوة عربية مشتركة. ومعني بداية العمليات قبل القمة أن عشر دول عربية قررت أنها لا تستطيع الانتظار ساعات. وتصرفت دون انتظار غطاء سياسي جامع يغطي هذا التصرف. باعتباره إرادة عربية موحدة. تاريخياً وإنسانياً وقومياً. فإن مشاركة الطيران الأمريكي فيما يجري في اليمن - إن ثبت صحة هذا ودقته - تتطلب إعادة النظر في الأمر برمته. التاريخ لا يذهب للزمن القديم. ففي ستينيات القرن الماضي كان الأهرام يباع بنداء: هيكل كتب بصراحة. وعندما يعتذر هيكل عن الكتابة. كان يباع بنداء: هيكل معتذر يا أهرام. وها هي الحلقة تثير اهتمامنا بعرضها. والاهتمام مضاعف آلاف المرات بعدم عرضها.