ها نحن نلج شهر ربيع الأول، فيه جاء رسول الله، نموذجا كاملا للفطرة، انسانا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، يميزه عن غيره من البشر أنه تلقي كلاما، يحمل بين سطوره تأكيد مصدره، ومصدره هو الله، ومن حكمة الإله أنه جعل ذهن الرسول مفرغا للمهمة، أي كان الرسول أميا، فإذا تلقي القرآن استقر وحده في ذهنه، أي دون أن يخالطه شيء آخر، وحفظ الذهن النبوي الكلام الإلهي، ثم أبلغه إلي الناس، فتلقوه بتصديق يتوافق مع سمات الرسول، فقد عرفوه صادقا أمينا، وكان الرسول يجتهد في دعوة الناس للإيمان بالله، فطمأنه الله بأن المطلوب منه الإبلاغ فقط، وعندما يصل كلام الله إلي عباد الله فستكون المهمة النبوية انتهت، وتبقي أسرار الألوهية في آيات القرآن، فيعيش القرآن بهذه الأسرار إلي أن تقوم الساعة، فما أسرار الألوهية؟! من بين أسرار الألوهية أن الله تأذن بحفظ القرآن «إِنا نحنُ نَزلنَا الذِكرَ وإِنا لهُ لَحافِظُون»، وقد حاول بلهاء العبث في آيات القرآن، فغيروا بعض الكلمات، ويطبعون مصحفا به الكلمات الدخيلة، لكن الله يكشف عملهم، وقد تركهم سبحانه وتعالي يطبعون ألوف المصاحف ذات الكلمات الخطأ، ثم يكشفهم بعد إتمام عملهم، وكأنما يقول أنه تركهم ليتأكدوا أن الله غالب علي أمره، وأنه سيحفظ القرآن رغم مكرهم السيئ. من بين أسرار الألوهية، ما تضمنته الآيات من تفاصيل عن الكون، عن خلق السموات السبع ومن الأرض مثلهن، عن خلق الإنسان والكائنات، وتركها الله سبحانه وتعالي أسرارًا، وتركها لزمان التقدم العلمي، وكلما تقدم الباحثون في الكشف عن أسرار الخلق، يتبين أن جانبا منها قابعٌ بين ثنايا الآيات، وعندما نطمئن أن القرآن قد صدق نؤمن بالإله الذي خلق، فتكون معجزة النبي هي القرآن الكريم، ولم يشأ الله أن يجعل للرسول الكريم معجزة تخضع لها الرقاب، لأنه رسول الفطرة، أي الأمور الطبيعية، أما الإسراء والمعراج فمعجزة قدمها الله إلي النبي لتثبيت فؤاده، بخلاف المعجزات التي قدمها الله إلي النبيين من قبله، أنظر إلي معجزة سيدنا إبراهيم عندما ألقوه في النيران، وعندما خمدت فوجئوا أنه مازال حيًا!!، وشاهدوا المعجزة بأنفسهم، كذلك معجزات سيدنا موسي، ومعجزات سيدنا عيسي، في خلقه بدون أب، بل بروح الله وبكلمته، ثم كلم الناس في المهد رضيعًا، ليثبت براءة الطاهرة مريم، وليخبرهم برسالة السماء، ثم يُبرئ الأكمه ويشفي المريض ويحيي الميت بإذن الله، وكذلك قدم الرسل معجزات تؤكد ارتباطهم بالله. المعجزة الحقيقية للرسول النهائي هي الكلام النهائي، القرآن الكريم.