هناك معجزات النظم القرآني حيث تصاغ الآية بشكل مذهل يتحمل المعارف المختلفة للإنسان عبر الزمان الإسلام دين رب العالمين الذي يتوجه لعبادته البشر بفطرتهم ويلجأون اليه سبحانه وتعالي في دعائهم، حتي لو انحرفوا بالاشراك معه آلهة أخري يعظمونها من دونه أو يعبدونها معه، فعند الضيق والشدة يدعونه سبحانه ولايجدون غيره. ارسل رب العالمين الرسل لهداية الخلق إلي الطريق القويم والصراط المستقيم بدءا من ابيهم اول البشر ادم عليه السلام وظل موكب الرسل يقوم بالهداية، يأتي كل قوم رسولهم الذي يخاطبهم بلسانهم وينزل الله معه اليهم كتابهم حتي ختم الموكب برسول الله محمد صلي الله عليه وسلم الذي بشر به كل رسول قومه وبشر به عيسي في بشارته »انجيله« وارسله الله إلي العالمين، وجعله الكلمة الاخيرة للبشرية كلها فدين الاسلام دين خاتم، ودين للعالمين، ودين رباني في موكب الرسل ولذلك ختمت به الرسالات، وتولي الله حفظ كتابه من التحريف والتغيير الذي نال كتبه السابقة علي يد من لايرجون الله، وحفظ الله حال نبيه وأيده بمعجزات الرسول ومعجزات الرسالة وكان ذلك كله ليتفق مع عالمية وخاتمية وربانية الرسالة المحمدية، وها نحن اليوم في مطلع القرن الحادي والعشرين وبعد مرور أربعة عشر قرنا علي بعثته صلي الله عليه وسلم نري حالة الاسلام في العالمين تؤكد كل ذلك وتؤيده. اولا: فالقرآن حفظ ولم يحرف، ونقل إلينا بشكل مبهر ولافت للنظر، وقاض كل علي شكل من اشكال الشك و الريب التي اكتنفت كل أنواع النقل عند الناس اجمعين. حفظ القرآن ليس في كلماته فقط ولا في حروفه فقط بل في طريقة الأداء الصوتي له، وأقام المسلمون علما سموه علم التجويد للحفاظ علي طريقة الأداء الصوتي للقرآن، وبيان كيف يتلوه القارئون قراءة صحيحة، ولقد كانت للغة العربية التي تستعمل التشكيل بالحركات الفتحة و الضمة والكسرة والسكون في النطق بكلماتها أكبر الأثر في تمكن الناس من حفظ كتاب الله. حفظ القرآن في الصدور، حيث يحفظه ملايين البشر، ويتلونه في كل الدنيا علي الغيب، ويقيمون به في صلواتهم جهارا ليلا ونهارا فليس هناك جزء سري منه، وليس هناك كهنوت حوله أو فيه بحيث لايجوز لبعض الناس ان يطلع عليه كما هو الحادث في بعض الديانات التي يتدين بها بعضهم حتي يومنا هذا، وهذه صفة وحالة واقعية حاصلة بالفعل تتوافق مع تلك الصفات التي للرسالة الخاتمة.. العالمية والربانية والخاتمية. حفظ القرآن في مصحف برسم للكلمة يطلق عليه الرسم العثماني نسبة إلي عثمان بن عفان الخليفة الثالث لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا الرسم يخالف رسم الكلمة التي درج عليها الناس، وكان سببا في الحفاظ علي القرآن حيث نقله المسلمون عبر التاريخ وعلي مر العصور من غير زيادة حرف أو نقصانه ليصبح شاهدا علي مدي حفظ الله لهذا الكتاب، ولقد حاول العلماء معرفة اسرار هذا الرسم وأسباب مخالفته فكشفوا عن حكم ولطائف في بعض المواضع ولم يصلوا حتي الآن إلي كل دلالاته، ولكن القدر الذي كشفوه ووفقهم الله اليه يدل بالجملة علي اعجاز هذا الرسم ، ويؤيد كلام العلماء حيث قالوا عن القرآن: انه معجز في رسمه كما انه معجز في نظمه. الأمم السابقة حفظ القرآن بالإسناد وهو علم اخترعه المسلمون من غير سابق تقليد لأحد من الأمم السابقة يقول فيه كل من تلقي القرآن أو الحديث حدثني أو اخبرني أو سمعت.. إلي آخره من الفاظ الأداء ويذكر شيخه الذي اخبره، اسمه ولقبه وعمن حدث ذلك الشيخ ايضا حتي يصل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وليست في العالم إلي يومنا هذا طريقة علمية للتوثيق أعلي من هذا، بل ليس في الناس من فعل هذا اصلا للحفاظ علي كلام احد من الناس، وفي القرن التاسع الهجري قال محمد بن الجزري في كتابه »النشر في القراءات العشر« إن القرآن نقل اليه بألف سند وإذا حصرنا اليوم اسانيد القرآن إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم لوجدنا آلاف الاسانيد، نعلم رجال كل سند »أو من فيه من النساء أيضا حيث نقلت المرأة القرآن للمسلمين كما نقله الرجال سواء بسواء« نعلم اسماءهم وبلدانهم ومتي ولدوا ومتي ماتوا وكيف كان حالهم في الحفظ والعلم بل في العمل والتقوي والاخلاق. قصص شكسبير والتوراة ليس له إسناد إلي موسي ولا يدري متي زيد فيه كل هذه الزيادات التي الحقت بالاسفار الخمسة حتي كونت العهد القديم والفيدا ليس له سند أصلا ولن يدعي الهندوك ذلك ولم يلتفتوا إليه. والأوبنشاد.. بل قصص شكسبير وغيره لم يحدث ان نقلت بأي سند كان. اليست هذه حالة فريدة تحتاج من البشر إلي التأمل، وأن ربهم قد ميز دين الاسلام بخصيصة الاسناد حتي تطمئن القلوب وتفر إلي ربها من غير ريب ولا شك ولا وهم ولا هوي. اليست هذه الحالة تثبت وجود النبي صلي الله عليه وسلم عند المؤرخين كافة وليس هناك مما يثبت وجود اي نبي سواه عن طريق أدواتهم ومناهج علمهم إلا أن يؤمنوا من غير برهان أو اساس اقتنعوا به من ادوات البحث. اليست هذه الحالة معجزة في الوفاء بما تعهد به الله سبحانه و هو أوفي من وفي بعهده حيث تعهد بحفظه فحفظه فعلا. اليست هذه الحالة جعلت القرآن في نصه العربي هو الحجة والمرجع الوحيد ومنعت من التحريف »المقصود وغير المقصود« عن طريق الترجمات، فلقد ترجم القرآن إلي نحو 031 لغة وترجم أكثر من مرة إلي اكثر من ستين لغة، وحدث ما حدث في تلك الترجمات. والقرآن ثابت نقي خال من التحريف والاختلاف لحفظه في صورة واحدة هي المرجع للكل، ومهما حاول الآخرون تحريفه أو لم تساعد اللغات علي تحمل معانيه كان ذلك جزءا من المعجزة التي هي الحفظ والمثل اليوناني القديم »إذا اردت ان تكون خائنا فكن مترجما« يبين صعوبة الترجمة، ومعروف أن الترجمة ليست مستحيلة و لكن هناك ما يسمي بالمعني الاصلي وهناك ما يسمي بالمعني التابع لسياق الكلام، فالترجمة غالبا ما تنقل المعني الاصلي، الا أنها غير قادرة علي نقل المعني التابع الذي قد يكون هو المقصود الاكبر والأهم من الآيات البينات. اليست هذه الحالة تبين لنا ان الامر موصول بسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن ما عنده من خير يسري عبر هذه السلسلة من الأسانيد وان كل حلقة فيها وكل شيخ منها يأخذ البركة عمن فوقه فيسري نور النبوة في علماء الأمة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم »العلماء ورثة الأنبياء«. هذه معجزة الحفظ فقط، والقرآن معجزة الرسالة الدائمة التي لم اطلع عليها الناس بعيدا عن التشويه والتشويش والضجيج الذي يمارسه كثير من المغرضين من بدء الرسالة المحمدية وإلي يومنا هذا لآمنوا بها نورا. معجزات النظم القرآني فهناك معجزات النظم القرآني حيث تصاغ الآية بشكل مذهل يتحمل المعارف المختلفة للإنسان عبر الزمان، فكلما زاد السقف المعرفي للإنسان كلما وجد الآية لا تعارضه، كيف يتأتي هذا إلا أن يكون ذلك القرآن من عند رب العالمين الذي يعلم السر وأخفي »ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير« انظر إلي قوله تعالي في سورة يس »والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم«. فقد كان العربي يري حركتها الظاهرية في السماء ويحمل علي ذلك معني الجريان ويجعل جهة الغروب مستقرا لها، وهذا صحيح مدرك بالحس يشترك في إدراكه كل ذي عينين، ثم يرتفع سقف المعرفة عند الانسان ويعلم ان للشمس جريانا آخر في نسيج الفضاء وأنها تتجه إلي نجم »فيجا« بسرعة مذهلة تتناسب مع كلمة تجري بما فيها من دلالات الانتقال السريع تصل إلي 12 كم/ث، واذا بنص الاية يتحمل ذلك المعني الآخر ولا يعارضه ولايمنعه، حتي صار مبحث الاعجاز العلمي في القرآن مبحثا مستقرا من كثرة ذلك المتوافق الذي لا يأتي إلا عن صدور ذلك القرآن من الله أمرا كما صدر ذلك الكون منه خلقا. وهناك الاعجاز التشريعي واللغوي وأن القرآن كما وصفه رسول الله صلي الله عليه وسلم »لا تنتهي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد« وهو اصغر كتاب في حجمه أكبر كتاب في معناه. ثانيا: فقد ارسل الله سبحانه وتعالي نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم إلي العالمين بدين الاسلام وأنزل عليه القرآن وجعله هدي وبركة وبشري للمسلمين وبين فيه هدف الخلق وانه عبادة الله قال تعالي » وما خلقت والجن الإنس إلا ليعبدون« 65 الذاريات وأوجب عليهم عمارة الارض من خلال هذه العبادة تنفيذ أوامره والبعد عن نواهيه.