التغير الذي طرأ علي سياسة أمريكا في عهد أوباما هو مرحلة تحول استراتيجي تستهدف بها الولاياتالمتحدة تغيير لعبة الديمقراطية التي ثبت ضعفها علي مدار الست سنوات الماضية بعد اختفاء اتفاقية الجات من علي الخريطة الاقتصادية العالمية بدافع خوف أمريكا والاتحاد الأوروبي من تنامي النفوذ الاقتصادي للصين. لذلك فإن نموذج الديمقراطيات وحقوق الإنسان سوف يختفي إلي حد كبير من أولوية الإدارة الأمريكية الحالية خصوصاً أنها كانت بنداً أساسياً في استراتيجية الضغط الأمريكي والتي تتسق مع نموذج العولمة الذي أرادته الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن في عالم ما بعد الأزمة المالية العالمية فإن اللعبة اختلفت، وفي ظل تنامي دور بعض القوي الإقيليمية، فإن علي أوباما أن يدير الأمور بشكل مختلف فهو الرجل الأسود الذي صعد إلي قمة السلطة في بلد أغلبيته من البيض، وكان ذلك ملهماً بشكل كاف للمخطط الاستراتيجي الأمريكي الذي وضع نصب عينيه أبواب إفريقيا المفتوحة لابن جلدتها، وهو نفسه في تناوله لسياسته الجديدة بدأ يخطط للمشروع الأمريكي الذي اعتمد علي الطائفية بدلا ً من الديمقراطية، والعرقية مقابل حقوق الإنسان، وتلك هي أدوات أمريكا في تفكيك المشهد العالمي وإعادة تركيبه وفقاً لرؤية تحقق بديلاً واضحاً ومستقبلياً، ويتضح لنا ذلك في تنامي الخطاب العرقي وصعود نبرة الأقليات من المنابر الأمريكية إلي العالم كله، وظهر ذلك بوضوح أثناء أزمة المسلمين في الصين وكيف أن المنابر الأمريكية التي كانت تتحدث باسم حقوق الإنسان والديمقراطية وهي من وجهت خطاباً عالمياً جديداً يستهدف تأجيج الفتن وإحياء الصراعات الاقليمية. إذ ان منطقتنا تشهد عملية انقلاب في الاستراتيجيات التي انتهجها الاستعمار القديم طوال القرن العشرين، لنري بعيوننا حالة من الصراع المركب يستهدف إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط ، وحقائق التاريخ تفرض نفسها علينا اليوم. الحقيقة الأولي هي أن منطقة الشرق الأوسط إذا شهدت حالة فراغ استراتيجي وإذا فشلت القوي الاقليمية في ملء هذا الفراغ باتت المنطقة برمتها حالة رخوة قابلة لسيطرة الصراعات الدولية عليها، والتاريخ القريب يذكرنا كيف لعبت مصر دور حائط الصد أمام لعبة السيطرة علي المنطقة ومقدراتها في لعبة التوازنات الاستراتيجية العالمية في المنطقة، . الحقيقة الثانية اننا أمام حالة استهداف للمنطقة بشكل مختلف عن ذي قبل، إذ إن المنطقة عاشت حالة الاحتلال المباشر بقوة السلاح قديماً ليحكم المحتل بشكل مباشر، ثم مرت المنطقة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بنشر النموذج السياسي الديمقراطي وفق النموذج التجريبي في القاهرة ما قبل 1952 وفي طهران وقت حكم الشاه ، وهي حالة قائمة علي السيطرة غير المباشرة علي النخب وتشكيل مجموعات من جماعات المصالح المالية والاقتصادية التي تحيط بمفاصل الدولة بشكل يجعل قدرة القرار معدومة، وقد كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تدرك أن هذه الحالة لابد أن تتعمق خلالها المشاعر الوطنية والمذهبية مع اقامة صراع بين مفهومي الوطنية والدين، وكذلك عملية تشويه اهداف الأمن القومي لدي الدول حتي لا تستطيع دول المنطقة توحيد رؤيتها لقضايا أمنها الاقليمي وأبعاده الاستراتيجية. الحالة الجديدة اليوم التي نعيشها علي المستوي الدولي وفي نطاق الشرق الاوسط بالتحديد هي حالة مركبة ومعقدة ... تتجه فيها أمريكا الي تفكيك أجهزة الدول وفق حالتين الأولي باردة والثانية ساخنة بهدف واحد هو تفكيك الدول القومية إلي كيانات عرقية ومذهبية تحكمها حركات التمرد المسلحة. الحالة الأولي " الباردة" يسير هذا النمط علي مرحلتين أولاً النمط الأوروبي ونموذج الثورة البرتقالية وتحويله إلي النمط الباكستاني بالتزامن مع صناعة ايدلوجية سياسية للنخب تخدم الخطة، إلي جانب تفجير جيب من النيران مع إحداث نزاع مسلح بالتوازي مع حالة الارتباك السياسي الذي يصاحب عمليات تأسيس النظم السياسية ... " تصلح تلك الحالة مع أجهزة الدول الضخمة والتي تمتلك القدرة علي انتاج مفاهيم أمنها القومي وممارسته بالوسائل بالمختلفة ... مصر وايران مثالان" الحالة الثانية " الساخنة" يتم فيها عملياً كسر جهاز الدولة بطريقة الانهاك والسيطرة وكذلك تحويل المجتمع إلي حالة الاقتتال الطائفي، بحيث يتم تدمير اجهزة الدول وتحطيم أسس القيام الاجتماعي إلي جانب إنهاء أي لحمة وتحويل الدين إلي مادة صراع، ويتم هذا في الدول التي تحمل أبعاداً عرقية متعددة وتأتي سوريا كنموذج، تريد له الولاياتالمتحدة أن يتفجر علي أساس طائفي ليحدث تلاحماً مع الصراع مع العراق شرقاً ولبنان شمالاً. أخيراً فارق كبير بين الوعي بالهدف الاستراتيجي للخصم، وبين فهم ادواته التكتيكية للوصول إلي هدفه، فالفارق قد يكون كبيراً بين الهدف الاستراتيجي ونمط إدارة الصراع، والمطلوب ألا ننجرف مع نمط إدارة الصراع وننسي أن للخصم هدفاً استراتيجياً لم يتغير إلي الآن.