كل الشواهد والبيانات والوقائع علي الارض تؤكد أن الازمات التي تدهمنا إنما تستهدف تعطيل الحياة بالنسبة لنا فقير وغني. إنها في مجملها وليدة ضيق الافق السياسي وغياب المصداقية. كل ذلك يعود إلي تعاظم روافد القصور وعدم الادراك الذي انحصر وانشغل في ممارسة الاقصاء والتهميش والتورط في عمليات التمكين. هذا المخطط كان محوره الاستعانة باصحاب الحظوة من الأهل والعشيرة دون النظر الي الكفاءة والامكانات باعتبارهما من ضروريات الانجاز والتقدم وارساء دعائم الثقة التي يجب ان تسود. هذه الثقة المفقودة هي سبب كل المحن الحارقة التي عاشتها مصر والتي يكتوي بها شعبها الذي لم يعد يتحمل المزيد من الكوارث. أدت هذه الحالة إلي هروب الاستثمارات وأغلاق المصانع وخراب السياحة وبالتالي انهيار قنوات الموارد اللازمة لشراء الاحتياجات المعيشية الاساسية. إن كل التداعيات التي تواجه هذا الوطن سببها أنانية الفكر والسلوك المنحاز وليس الايمان بأن مصر وطن للجميع. هذا الطريق غير السوي قادنا إلي مستنقع هذا الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. من المؤكد أن بداية التحرك غير السليمة وغير البريئة التي اعقبت الثورة التي تعرضت لعملية سطو ممنهج كانت خاطئة وتتسم بعدم احترام متطلبات النهوض بهذا الوطن. كان من الممكن لو أننا سلكنا الطريق الصحيح القائم علي النزاهة والشفافية التي تتطلبها الوطنية الصحيحة ان يكون حالنا غير هذا الحال المأساوي الذي نعاني منه. كنا في غني تام عما جري لنا من انقسام وصراعات لو اتسمت قرارات وضع اساسات بناء دولة مصر ما بعد الثورة بالحكمة الوطنية وتطهرت من الانحياز الجائر لغير الصالح الوطني. لاشك اننا لم نضع أبدا في اعتبارنا تلك الروح التي كانت سائدة في ميدان التحرير في الايام الاولي للثورة. نسينا ما تم في هذه الأيام المجيدة من تجمع حول هذه الثورة والتوحد والانحياز لآمال وطموحات الشعب المتمثلة في »عيش - حرية - كرامة- عدالة اجتماعية«. مفاجأة نجاح الثورة كان حافزاً للقيام بعملية السطو عليها والانجراف بأهدافها وهو ما حدث بالفعل. هنا لابد ان نقول ان ايماننا بقدسية صندوق الانتخاب هو أمر مرهون بتحقيق مباديء الثورة المجيدة التي مهدت الطريق لجماعة الإخوان للجلوس علي كراسي الحكم. انهم لم يصونوا النعمة واكتفوا بممارسة الكذب ونكث الوعود والعهود. انستهم شهوة السلطة أن الارادة الشعبية هي مصدر السلطات وهي واقع يتطلب من الجميع الانصياع. في هذا الإطار لم يعد خافيا أن ما تشهده الساحة المصرية هو بكل المقاييس ثورة شعبية اندلعت علي انحراف الحكم الإخواني. الذي خالف تعاقده مع الشعب وانجرف عامدا متعمداً للاضرار بمصالح الدولة لصالح الجماعة. هذا المشهد ما هو الا تفعيل لقول شاعرنا العظيم ابوالقاسم الشابي: »اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر«.