كلما ذكرت كأس العالم بتاريخها الطويل إلا وكان الفخر يملأ شعب أوروجواي عبر كل الأجيال، بعدما كانت بلادهم مسرحاً لانطلاق أولى بطولات المونديال الكبير. ذلك الشعور لن يفهمه أحد خارج أوروجواي إلا إذا كان سعودياً عايش إنطلاقة بطولة كأس القارات قبل 22 عاماً، حين أعطيت شارة البدء للبطولة في العام 1992. فكرة سعودية بدأت بسيطة، كان هدفها تجمع أبطال القارات للتنافس فيما بينهم. صحيح أن النسخة الأولى شهدت مشاركة أربعة منتخبات فقط، إلاّ أن الإصرار لحفظ هذا الإرث العالمي الكبير، أدى لنجاح السعوديين في مواصلة إقامتها مرة ثانية عام 1995 بمشاركة ستة منتخبات هذه المرة. وبعد عامين أخذ FIFAهذه الفكرة على محمل الجد، ليقوم بتبنيها رسمياً ويعتمدها في أجندة بطولاته وتستمر فيما بعد. توهجت البطولة في النسخة الثالثة على الأراضي السعودية عام 1997، حين تم تمثيل جميع القارات فيها، لتكتسب بطولة كأس القارات المزيد من الشهرة، حتى باتت مع النسخ التالية حدثاً كبيراً ينتظره الملايين حول العالم، خصوصاً وأنه بات ما يشبه "البروفة" الأخيرة قبيل استضافة كأس العالم في السنة التالية لها بدءاً من نسخة 2001 التي عهدت إلى كوريا الجنوبية/اليابان لتهيئة كل الظروف قبل استضافتهما التاريخية لمونديال 2002. حضور فاعل للأخضر: لم يكن الحضور السعودي في البطولة منضوياً تحت لواء "الضيافة" بل كان الأخضر صاحب "حق" نظراً لكونه بطلاً للقارة الآسيوية، في نسخة 1988 التي أقيمت في قطر. وخلال البطولة الأولى تقرر أن يواجه صاحب الأرض نظيره الأمريكي ليحقق فوزاً كبيراً مشفوعاً بعرض باهر، ومدعوماً بحضور جماهيري فاق التوقعات. ثلاثية كاملة منحت السعودية الفرصة لمواجهة نجوم الأرجنتين في النهائي الأول. لم يكن أحد ليأسف على الخسارة أمام نجوم "لا ألبيسيليستي" بطل أمريكا الجنوبية ووصيف كأس العالم 1990 وهم من زاملوا مارادونا لسنوات. في البطولة الثانية كان السعودي وصيفاً لآسيا وصاحب الضيافة طبعاً، لكن لم يأت الظهور كما كانت التوقعات بل أدنى منها، إذ تعرض لخسارتين مماثلتين أمام المكسيك بطل CONCACAFوالمتمرس على البطولات الكبيرة، ثم الدنمارك التي أبهرت أوروبا 1992 والمتوجة لاحقاً بلقب النسخة الثانية من البطولة. مع النسخة الثالثة تحت لواء FIFAوانضمام منتخبات أكثر، جاءت السعودية بثوب بطل آسيا من جديد، وقد أوقعتها القرعة إلى جانب البرازيل، والمكسيك وأستراليا. مرة أخرى كانت الخبرات في ذلك الوقت تميل بالتأكيد لمصلحة المنافسين الأقوياء، فمع البرازيل كانت الخسارة بثلاثية منطقية مع ثلة النجوم التي حضر بها "السيليساو" وتوج فيما بعد باللقب دون عناء. وأمام المكسيك كانت الهزيمة أكبر وبخماسية، وقبل وداع البطولة جاء الفوز على أستراليا التي تقدمت فيما بعد لمواجهة البرازيل في النهائي. ظهور طيب للإمارات: مع النسخة الثالثة بدأ الحضور العربي بالتوسع، حيث شاركت الإمارات فيها بصفتها وصيفة القارة الآسيوية، فقبل عام من الحدث الكبير، كانت قد خسرت لقب القارة على أرضها لمصلحة السعودية. جاءت الإمارات بنوايا إثبات الذات، وخاضت مواجهات كبيرة، حيث خسرت أمام أوروجواي بطلة أمريكا الجنوبية بهدفين، قبل أن تفوز على جنوب أفريقيا بهدف، ثم تودع البطولة أمام التشيك (مفاجأة أوروبا 1996) بنصف دزينة لقاء هدف. تأهل سعودي وتواجد مصري: حافظت السعودية على وجودها في البطولة للمرة الرابعة على التوالي، وشاركت مصر بطلة أفريقيا للمرة الأولى في نسخة المكسيك 1999. شاءت الظروف أن يتواجها بنفس المجموعة، حيث تعادلت مصر مع بوليفيا بهدفين، وخسرت السعودية من جديد أمام المكسيك بهدف لخمسة، ثم تعادلت مصر مرة ثانية أمام المكسيك بهدفين، والسعودية مع بوليفيا بدون أهداف، وفي الجولة الأخيرة من الدور الأول كانت تلك المواجهة التاريخية حيث تفوقت فيها السعودية على مصر 5-1، ليضمن "الأخضر" تأهله للدور نصف النهائي بعد طول انتظار، وهناك كانت المواجهة "الأقسى" حيث تواجه من جديد مع البرازيل، لكنه تعرض لخسارة كبيرة 2-8، وفي مباراة المركز الثالث خسر أمام أمريكا 0-2 لينتهي في المركز الرابع. تحليق نسور قرطاج: بعد غياب عن نسختين متتاليتين (2001، 2003) حمل منتخب تونس على عاتقه تمثيل العرب منفرداً في بطولة المانيا 2005. قبل عام من الحدث قدّم "نسور قرطاج" عروضاً طيبة في الطريق للفوز بكأس أفريقيا 2004، ولم يخرج الفريق عن الدرب، بل وحضر كما وأنه "الحصان الأسود" حيث عذّب الأرجنتين قبل أن يخسر أمامها 1-2، ثم قاوم أصحاب الأرض ألمانيا طويلاً قبل أن يخسر بثلاثية في الربع الأخير من اللقاء. ثم أبى أن يترك البطولة دون وضع "بصمته" فحقق فوزه الأول على أستراليا 2-0. بصمة مؤثرة للعراق ومصر: شهدت النسخة الأخيرة في جنوب أفريقيا 2009، أفضل حضور عربي من حيث الأداء مقارنة بالتطور الكبير الذي طرأ على مستوى التنافس واهتمام المنتخبات الكبيرة للفوز باللقب. شارك منتخبا العراق بطل آسيا 2007 ومصر بطلة أفريقيا 2008، ليتركا بصمة مؤثرة ستبقى حاضرة في التاريخ الطويل للبطولة. مصر التي فرضت سيطرتها على الساحة الأفريقية، أتت لإثبات قوة وتطورة الكرة العربية والأفريقية في آن واحد. لم يحيد "الفراعنة" عن الهدف، حيث قدموا عرضاً رائعاً أمام البرازيل فخسروا المواجهة الأولى بفضل ركلة جزاء في الزفير الأخير 3-4، ثم برهنوا على علو كعبهم بفوز تاريخي لم يسبق له مثيل على إيطاليا بطل كأس العالم 2006 وأحد القوى العظمى، وبهدف وحيد قرّبهم من التأهل. لكن الخسارة أمام أمريكا 0-3 قضت على أحلام المصريين في التواجد بالمربع الذهبي. أمّا العراق، فلم يختلف حضوره عن ذلك، حيث نجح هو الآخر في انتزاع نقطتين بتعادلين سلبيين أمام جنوب أفريقيا ونيوزيلندا، فيما خسر أمام أسبانيا (بطلة أوروبا 2008 والمتوجة بعد عام بكاس العالم 2010 بنفس التشكيلة) وبهدف وحيد.