جذبنى حديثهما المشوق.. كانا يجلسان فى الطاولة المجاورة لى يتحدثان عن مباريات الدورى العام.. وكان أحدهما يسأل الآخر عن رأيه فى المباريات، ولم يجد إجابة أبلغ من الجز على شفتيه وكأنه تناول طعاما مالحا، وقال: دورى إيه.. ماتشات مملة ومستوى ضعيف، فين الكورة الحلوة بتاعة زمان؟ دفعنى فضولى لمتابعة الحوار المثير، نظر أحدهما إلى صديقه وقال: أصعب حاجة إنك تشوف ماتش لريال مدريد ومانشستر يونايتد، وتانى يوم تشوف ماتش للأهلى وسموحة، حاجة كده عاملة زى الصدمات الكهربائية. علا صوت ضحكتى على هذا التشبيه، مما جعله ينظر إلى قائلا: أنت بتضحك يا أستاذ، تخيل حضرتك لما تشوف كريستيانو رونالدو لمدة 90 دقيقة حرفنة ولياقة بسم الله ما شاء الله واد إيه لاعيب ويمتعك طول الوقت، وتانى يوم تتفرج على السيد حمدى وهو بيلف حوالين الكورة والشورت مليان جير من الزحف عند راية الكورنال. ضحكت مرة أخرى، مما دفعه إلى دعوتى للجلوس معهما قائلا: انت قاعد بعيد ليه، تعالى اتفضل معانا. سحبت كرسى وجلست، ثم قلت له: ممكن اللاعبين يكونوا فاقدين الحماس بسبب عدم وجود الجماهير. قال: يعنى الفرق بينا وبينهم الجمهور فقط، أنا واثق أن لو ال85 مليون مصرى راحوا يشجعوا السيد حمدى فى الاستاد عمره ما هيبقى فى مستوى رونالدو، وواثق أن الفرق بينهم زى الفرق بين مادلين طبر وجنيفر لوبيز فى مهرجانات السيما، والشبه الوحيد بين الاتنين هى السجادة الحمرا. تدخل صديقه: بلاش نتكلم عن حد، خلينا فى الكورة. قلت: أنا عارف أن الفرق كبير، لكنى أحدثك فقط عن الحماس المفقود بسبب عدم وجود الجماهير. قال: أنا عندى الحل من أول ماتش، لكن مش لاقى الفرصة عشان أطلعه، الكورة لازم تدار زى أى حاجة فى البلد، يعنى لازم شوية "تسخين"، ولازم نربط بين تصريحات الحكومة والسلفيين والاحزاب السياسية وبين الماتشات. سألته مندهشا: هل لديك خبرة فى السياسة، وكيف ننفذ هذه التوليفة؟ قال: طبعا ياباشا ومين ملوش فى السياسة دلوقتى، لازم منظومة الكورة تتغير، ولازم الكورة متتغربش عن أى حاجة فى بلدنا، الكورة حتة مننا. طلبت منه أن يفسر فقال: خد عندك من العبد لله مثال بسيط لسيناريو يوم المباراة. أولا، الأستوديوهات التحليلية، سيبك من الشيخ طه إسماعيل والكابتن أيمن يونس والناس الهادية الخبيرة دى اللى بتتكلم فى الكورة وتحلل الماتشات، لازم الاستوديو يكون مختلف. قلت: الاثنين من أفضل محللى المباريات فى مصر. قال: على عينى وراسى، لكن دلوقتى الكل بيطالب بالتغيير، وأقترح أن يدير الأستديو التحليلى أحد مذيعى البرامج الساخنة، وأنا رأيى أن الأفضل فى المرحلة الحالية هى مدام لميس، هى اللى حاتقوم بالليلة كلها. تدخل صديقه: اشمعنى مدام لميس قال: هى دى مذيعة المرحلة، لأن أى فريق فى حالة الخسارة (ومش مهم هى مع مين طبعا.. دى آخر حاجة تفكر فيها)، الأهم محاولاتها المستميتة فى نصرة المغلوب من خلال الاستوديو ومن خلال وجهة نظرها، لأنها هتحمس كل جماهير الفريق الخاسر وتطالبهم بالنزول فورا إلى الاستاد، لأن الهزيمة كانت ظلم، ومفيش حاجة فى الكورة اسمها مكسب وخسارة أهم حاجة أن (كرامة اللاعب تكمن فى نظافة شباكه).. وهوووب البلد كلها تبقى عند الاستاد. قلت: الأمر لا يحتمل سخرية، ولاداعى للهزار. قال: أرجوك سيبنى أكمل الكلام، لأن مبقاش فى حاجة اسمها فريق لعب أفضل من التانى، ومفيش وقت لوجع القلب بتاع تحليل الأداء والكلام ده. نظرت إلى ثالثنا ووجدته لايزال مندهشا فاتح فمه على مصراعيه، وعندما تنبه أننى اراقبه قال: يعنى الشيخ طه مش هيعلق ع الماتشات تانى؟ عاد صديقه إلى استكمال حديثه وقال: نيجى بقى للمتحدث الرسمى الخاص بكل فريق، لازم يكون مجهز كلام يقوله للمراسلين الإعلاميين فى حالة الخسارة، يعنى تبقى معاه قائمة مليانة اتهامات للحكم واتحاد الكورة ولاعيبة الفريق المنافس وقرايبهم كمان، ولابد أن يقحم كلمة الثورة فى أى جملة، مثلا يقول: "هى الثورة قامت ليه.. علشان نخسر"، ويحرك أيده اليمين بعصبية ويقول لازم التطهير، ومفيش مانع لو طلع زجاجة "ديتول" من بنطلونه. ابتسمت قائلا: ياسلام على الأفكار. ضحك وقال: نيجى لأهم حاجة وهى الرضاعة. تلفتت حولى ثم نظرت إليه قائلا: رضاعة ايه، ما علاقة الرضاعة بكرة القدم؟ قال: احنا لازم نوظف الرضاعة بشكل صح، أنا عارف أن اللاعيبة كبرت على الموضوع ده، رغم أن فيه ناس أفتت وحللت الرضاعة للكبار، لكن الرضاعة هنا لغرض التغذية ورفع معدل اللياقة البدنية. سألته متعجبا: كيف؟ كل فريق يشترى جاموسة تبقى دايما موجودة فى المباريات ومربوطة فى الحديد بتاع دكة البدلاء، وعندما يشعر أى لاعب بالعطش أو الإرهاق يطلع بره الملعب ياخد "شفطتين" من الجاموسة، ويرجع للملعب فايق، وكمان إدارة النادى تعين موظف خاص للجاموسة، علشان بعد اللاعب ما يخلص "شفط" الموظف يمسح الجاموسة كويس علشان اللاعيبة مايجيلهاش اسهال وتبقى مصيبة. عرفت ما يقصده من هذه العبارات، وقلت له ساخرا: انت بتتكلم فى السياسة، لكن زودتها حبتين، وياترى تحب فكرتك يتم تطبيقها فى كل ملاعب العالم؟ قال: أنت بتتريق على يا أستاذنا، أنا فعلا فكرت فى كده، لكن اكتشفت حاجة مهمة جدا، وهى أن مش معقول أن الكائن اللى هايرضع أحمد جعفر مثلا (مع احترامى ليه)، يكون نفس الكائن اللى هايرضع ميسى، علشان كده خلينا فى مصر. ضربت على الطاولة من فرط اندهاشى لمثل هذه الأفكار، وقلت له: أنت ذكى جدا، هل عندك أفكار أخرى؟ قال: طبعا.. نيجى بقى لآخر حاجة، وهى طريقة الاحتفال بالأهداف، لأن حكاية أن اللعب اللى يجيب جون يرقص أو يبوس الدبلة، دى بقت "دقة" قديمة جدا، كل ده لازم يتغير، مش بيقولك التغيير مطلوب. سألته: هل التغيير مطلوب فى الاحتفال بالهدف؟ قال: مطلوب فى كل حاجة، يعنى اشمعنى دى، وعلشان ما اطولش عليك فى الكلام، أنا أقترح أن أى لاعب يجيب جون، يجرى ناحية دكة الاحتياطى بتاعة الفريق المنافس ويقف قدامهم زى الوحش ويفتح رجليه ويكرمش وشه ويصرخ فى وش اللاعيبة الاحتياطيين ويقول: "هاتولى راجل".