لا أجد مبررا أن يخرج علينا بين الحين والآخر مسئول تنفيذي أو قضائي أو رقابي ليقول إن أحدا من الرئاسة أو الحكومة أو أية جهة لا يتدخل في عمله وأنه لا يقبل ضغوطا مهما كان الثمن وكأنه أصبح من الطبيعي أن تكون هناك ضغوط. تابعت ذلك أمس مرتين, الأولي علي لسان اللواء محمد وهبي رئيس الرقابة الإدارية, الذي وقف أمام لجنة الأمن القومي بالشوري ليؤكد أن الرئيس ورئيس الوزراء لم يتدخلا في أعمال الهيئة, والثانية ما نقل عن المستشار عبد المنعم عبد الستار رئيس جنايات القاهرة الذي استبق حكمه ببراءة أحمد المغربي بقوله إن قضاء مصر سيظل شامخا ولن نخضع لضغوط, وفي كلتا الحالتين لم يكن كلاهما في حاجة للتأكيد علي أمر ينبغي أن يكون قائما ويفترض أنه حقيقة إلا إذا كان كلام المتقولين كما قال المستشار عبد المنعم دخانا لنيران خامدة لا نراها ولا نحسها. أقول ذلك بعد أن بات الاستقلال تحزبا, والحياد انحيازا لدي من يريدون ترجيح الكفة لمصلحتهم علي غير ما تنص به القوانين, فالقائلون والمتقولون بالإنصاف لا يريدونه إلا لأنفسهم, ويتمسكون بتطبيق القانون علي معارضيهم فقط رغم ما يتم الكشف عنه من انتهاكات صارخة واتصالات سرية لو صدقت معلوماتها لتغيرت كثير من أحوال المحروسة خاصة ما يتعلق بأموال الصناديق الخاصة, والموقف من منجم السكري, وقضية أحداث وادي النطرون, والاتصالات مع قادة حماس أثناء الثورة وبعدها, وفرض الوصاية السرية والعلنية علي دفة الاستثمارات, وتخصيص الأراضي, وتراخيص الفضائيات, وشركات الطيران المسجلة بأسماء لا علاقة لها بمالكيها, إضافة إلي الواردات التي تتحصن محتوياتها وحاوياتها ضد يد الرقيب, وقرارات التعيين الجائر والتنقلات التعسفية, وأسرار الاستقالات المفاجئة, وغيرها من القضايا والأمور التي تقف وراءها علامات استفهام لا إجابة لها إلا لدي المخططين لها ومقدمي الحصانة لأصحابها ومالكي الغطاء السياسي لمنفذيها. وما يردده مسئولون بشأن عدم وجود ضغوط علي متخذ القرار ومحرك السياسات قد يكون- نفسيا- أحد الصور التي تكرث وجود تلك الضغوط سواء تم الالتزام بها أو التصدي لها خصوصا إذا كان من في السلطة يقدم أسوأ ما فيها من حرص علي تزييف الوعي, وإيمان بشرعية الإدعاء, وابتعاد عن العدل, وتكريس للتملك, وإدمان القوة والعناد بلا حدود, وعدم استيعاب ما تفرضه تطورات الحياة, إضافة إلي التعامل مع من هم خارج نطاق السلطة بمفهوم الإقصاء والانتقام وما يوازيهما داخل نفسه من ميول إلي الأبدية خلف متاريس السلطة. وعلي من يقفون خلف الستار بالضغوط واصطياد بعض أصحاب النفوس الضعيفة والأيدي المرتعشة أن يدركوا أن الشعب يتمسك بالتغييرات الجذرية وأن الحواجز الأسطورية لضغوطهم لم تفد أصحابها في إيران وألمانيا الشرقية ورومانيا وبولندا وغيرها وأن تلك الضغوط ستدمر أصحابها الذين يفتقدون كل الأشياء إلا السلطة وأمراضها! [email protected] رابط دائم :