كنت أشارك في قافلة تضم نخبة من كبار أساتذة علاج أمراض القلب في كفر الشيخ بقيادة صديقي الدكتور شريف عبد الهادي الذي كان عميدا لمعهد القلب في ذلك الوقت, ومساء اليوم الثاني للقافلة جلسنا نتحاور, وعندما جاء الدور علي إحدي الطبيبات فوجئ الجميع بها تبكي وقالت: بصراحة أنا مش عايزة اتكلم عن أمراض القلب في مصر وعايزة اتكلم عن حاجة هي أطفال الشوارع اللي تجيب كل أوجاع القلب. تحدث الكثيرون وتبادلنا الأفكار وبعد عامين التقيت الطبيبة الإنسانة وسألتها: يا تري عملتي إيه يا دكتورة في وجع قلب الشوارع المصرية ؟ وكانت المفاجأة في قولها إن ما قيل في اللقاء كان مجرد كلام, وأنها جهزت شقة تمتلكها واستقبلت فيها بالتنسيق مع إحدي الجمعيات10 فتيات وتعتبرهن أولادها وأسرتها ولا تستمتع بأي شئ في حياتها إلا إذا رأت ابتسامة الحياة في وجوههن يوميا. هذا ما فعلته الطبيبة الإنسانة التي ترفض الكشف عن اسمها رغم أن الكثيرون قد يتوصلون له; فأول حروفها الرحمة وثانيها الإحساس بالبشر وثالثها الصدق مع النفس ورابعها المشاركة والتواصل مع من يحتاجك, أما ما فعله الدكتور هشام قنديل فكان كمناقشات جلستنا في كفر الشيخ رؤي ومطالب واقتراحات وأحيانا حالة من التأثر دون قرار رغم أنه ممن يمتلكون سلطة القرار ولكن الرجل قدم الحل الوافي في الكلام الشافي بقوله:' أشد ما كان يؤلمني في جولاتي المفاجئة بميدان التحرير تواجد أطفال الشوارع' لا نتوقف أمام المغزي الياسي لكلام رئيس الوزراء فهو يشير إلي أن من يتواجدون في الميدان من أطفال الشوارع الذين يدلعهم ويمتعهم بإطلاق إسم' أطفال بلا مأوي' عليهم ولكنه كالذي سكت دهرا ونطق كفرا, إذ لم يقدم حلا لتلك المشكلة الكبري التي تعاني منها مصر كثيرا وتخلق بإهمال الحكومة لهؤلاء الأطفال واحدة من أسوأ الصور لمجتمع يريد أن يتغير ولكنه يعجز عن توفير رعاية إنسانية وحياة كريمة لأطفال بلا مأوي. المثير للدهشة أن الأرقام التي وصلت أذن الدكتور قنديل كانت مثل الرصاص منها أن الألآف من هؤلاء الأطفال يعيشون في أسوأ الظروف في حوالي1200 منطقة محرومة من الخدمات في مصر وأن ما يزيد علي130 ألف جمعية تتاجر بأسمائهم وتفتح صناديقها أمام الدعم المحلي والأجنبي دون أن تحرك ساكنا أو تحقق لهؤلاء الأطفال ما يخفف عنهم ذنبا لم يرتكبوه ولا جرما لم يقتربوا منه. يكتفي قنديل بالتأثر والمشاركة في الندوة وإطلاق المبادرات الورقية الوهمية دون أن يحقق شيئا مما قال وأقترح بعكس صديقتنا الدكتورة التي حققت لنفسها الشعور الحقيقي بالحب مع10 من الأطفال كانوا ينتظرون قلبها وليس تأثر رئيس الوزراء!