لا شيء يحدث بشكل واقعي في مصر. كلام في كلام وخطط وبرامج ومشروعات علي الورق لا تعرف علي الإطلاق الطريق إلي حيز التنفيذ. عشرات اللجان تم تشكيلها لتقصي حقائق وتحديد مواقف ودراسة اقتراحات ذهبت كلها مع الريح ولم تصل إلي نتيجة رغم مرور فترات طويلة, ومن تلك اللجان ما يتعلق بحوادث قطارات وما يرتبط بحرائق أشهرها حريق المواد البترولية بالسويس وحريق محطة التبين وآخرها حريق سوق ليبيا بمطروح. وهناك لجان تتعلق بتحديد أولويات المشروعات الاستثمارية وحل مشكلات العديد من الشركات وتوفير آلاف الوظائف وإعداد تقرير بحسم التصالح مع رموز الفساد وتعديل مسارات الأوضاع المتردية في كثير من القطاعات وحسم موقف كادر المعلمين أو الأطباء أو غيرها. ولأن مسئولي الدولة يتكلمون بإبداع أو بدون إبداع ولا يفكرون في كيفية تنفيذ ما يتكلمون فيه فإن مرمي الحكومة يخسر كثيرا في مواجهة الهجمات المرتدة التي تفرض عليها التراجع في القرارات وكان أبرزها قرار إغلاق المحلات في العاشرة مساء, ذلك القرار الذي كانت كل جهات الدولة تتبناه وبمجرد إعلان التجار غضبهم أصبح بدون أب شرعي. وهذا يقودنا إلي أن واحدا من الأخطار الحقيقية التي تهدد مصر الآن أن المسئولين يتعاملون مع سبل تقديم تلك الخدمات والنهوض بها كتعاملهم مع السياسة التي تحولت إلي مكلمة بين القوي السياسية حول الدستور والتوافق والاتفاق والاستقطاب والتخوين واتيان الشيء وضده في وقت واحد ولذلك كان رد الناس علي مسئولي حكومة الطبلة والمزمار: يا خيبتك يا بنت الويل صوتك يلعلع صبح وليل. ويدفع الناس ثمنا باهظا لهذا الإدمان الحكومي الخطير للكلام المغلف بالضحك علي الذقون ويفاجأ كل باحث عن تحديث في الشارع أو تطوير في مصلحة أو تغيير في التعامل مع المواطن بأن كل شيء يسير من سيء إلي أسوأ وكأنه لم يكن في الإمكان أفضل مما كان وعلي الشعب الذي ثار بحثا عن الأفضل أن يهرب إلي كوكب ثان لأن الحكام الجدد تخلوا عن اعترافهم بحق المواطن في الأفضل. وأري أن الحكومة الحالية لو تفرغت لتوظيف المتاح من التمويل وهو قليل لإرضاء المواطن وتوفير الحد الأدني من احتياجاته وخدماته بكرامة وعزة ودون إذلال لوجدت الشعب في ظهرها مدافعا بكل ما يملك من أسلحة, ولأن هذه الحكومة تتعامل مع قضايا المواطن كتعاملها مع السياسة فقد ضلت الطريق وأصبحت بلا هوية ولا وجود وتستحق عن جدارة المثل الشعبي زي الطبل صوته عالي وجوفه خالي. [email protected] رابط دائم :