العالم حتي الامس هو اخر كتب الكاتب جيرارد دايموند و في هذا الكتاب يتكلم دايموند عن مجتمع القبائل و يحكي لنا عن بعض من عاداته و تقاليده وطرق تفكير افراده و كيف ان الموقع الجغرافي و المناخ هما اللذين اثروا علي شخصية افراده. جيرارد دايموند هو عالم جغرافيا في جامعة كاليفورنيا و لوس انجلوس, و تعد كتبه الأكثر مبيعا في الاسواق, يقدم لنا في هذا الكتاب لنا في وصفا رائعا عن الموقع الجغرافي و البيئه و مدي تأثيرهم الكبير في تغيير امم كثيره. يحكي دايموند عن عادات مجتمع القبائل قائلا ان من عادات شعب هنود البيريا ان النساء عندما يلدون لا تتم مساعدتهم بل يتركوا بمفردهم حتي ينتهون من الولاده, و قد اكتشف هذا الامر عالم اللغه ستيف شيلدون عندما كان يمشي علي الشاطئ في يوم من الايام و وجد امرأه من البيريا تلد علي الشاطئ بينما افراد قبيلتها ينتظرون علي مقربه منها و قد لاحظ شيلدون ان الولاده تبدو عسيره لأن المرأه بدأت تبكي و تصرخ بحرقه و هي تقول ارجوكم ساعدوني الطفل لا يستطيع النزول عنما رأاها شيلدون هكذا هم لمساعدتها و لكن افراد القبيله منعوه علي الفور قائلين انها لا تحتاج لمساعدته و ان عليه الرحيل و تركها, و بالفعل رحل شيلدون بينما استمرت المرأه في الصراخ و في صباح اليوم التالي وجدت الام و طفلها كلاهما ميتان علي الشاطئ. كما يحكي دايموند عن قصه اخري لكنها عن هنود السيريونو من بوليفيا قائلا انه بينما كان العالم هولمبرج المتخصص في علوم الأنسان يرتحل مع افراد هذه القبيله مرضت امرأه من افراد القبيله بشده و رقدت غير قادره علي الحركه او الكلام وكان من عادات قبيلة السيريونو انه إذا مرض احد افراد القبيله خلال الارتحال فعليهم تركه لتكمل القبيله رحلتها بدون تأخير, و قد اخبر زوج المرأه هولمبرج ان القبيله ستكمل طريقها تاركه المرأه ورأها لتموت هنا, و بالفعل فقد تركت الفبيله المرأه مع بعض من الماء و شعلة نار و لكن بدون اي كلمة وداع حتي ان زوجها لم يودعها و تركها و ذهب معهم, و قد اخبرنا هولمبرج انه هو ايضا كان مريضا و لكنه استطاع الذهاب ليحصل علي دواء له و عندما عاد بعد ثلاثة اسابيع لم يجد اي اثر للمرأه و لكنه بعد ذلك وجد بقايا عظامها في معسكر التخييم التالي و قد اكلتها الحيوانات المفترسه و لم يتركوا منها سوي عظامها, و اضاف هولمبرج انها لابد من انها كانت تحاول اللحاق بقبيلتها و لكن لم تستطع, و بهذه الطريقه لقت المرأه نفس مصير كل افراد السيريونو الذين لم يعد لهم اي فائده لقبيلتهم. و لكن قبيلة السيريونو ليست القبيله الوحيده التي لا تعير أي أهميه لأرواح افرادها انما قبائل كثيره اخري لا يأبهون بالأفراد الذين ليس لديهم القدره علي مجاراتهم و اللحاق بهم و في كتاب العالم حتي الامس العديد من القصص التي تحكي عن مختلف انواع العادات في مجتمع القبائل و عن الاشياء التي يمكننا ان نتعلمها من هذه المجتمعات التقليديه. يعكس لنا دايموند في كتابه مجتمع القبائل كمرآه لحياتنا التي نعيشها حيث ان مجتمع القبائل ظهر منذ الاف السنين بمختلف انواعه و قد ترك اثر كبير من خلال تجاربه حول كيفية حل النزاعات الانسانيه, و يتسائل دايومند قائلا ماذا اكتشفوا هم ؟ و ما الذي يمكننا ان نتعلمه منهم ؟. و يحكي لنا عن الحروب في ذلك الوقت قائلا انها غالبا ما كانت تقوم بسبب الأراضي عالية الخصوبه لقيمتها الكبيره, كما قال ان النزاعات كانت في استمرار دائم بسبب الرغبه الدائمه في الأنتقام. و في مثال علي هذا الحرب التي قامت عام1961 بين قبيلتان في غينيا الجديده و قد قال دايموند ان بالرغم من ان حروبهم لم تكن كبيره مثل حروبنا ألا انها كانت اشد قسوه حيث ان افراد القبيلتان يتقاتلوا مع بعضهم البعض ما بين400 ل500 مقاتل عن طريق القاء السهام الناريه و الرماح علي بعضهم البعض بطريقه غير منسقه و لكن في اغلب الأحيان كانت تحدث مجازر للنساء و الأطفال و مع مرور الوقت تزداد الخسائر و يتراكم عدد المصابين فبين شهري ابريل و سبتمبر عام1961 لقي0.14% من إجمالي عدد سكان التحالف حتفهم محققين بذلك اكبر معدل إصابات و خسائر حرب و هو معدل اعلي من معدلات الإصابات التي عانت منها اليابان و الصين و امريكا في الحروب العالميه. و يقارن دايموند بين مجتمعنا و مجتمعهم قائلا ان نسبة معدلات الوفيات بشكل عام في المجتمعات الحديثه ليست سوي ثلث متوسط معدلات الوفيات في المجتمعات القبليه مما يجعل الحياه الحديثه افضل بمراحل من الحياه التقليديه, و لكن فيما يخص تربية الأطفال و العنايه بالمسنين و تسوية الخلافات يتوقف دايومند هنا قائلا ان المجتمعات التقليديه لديها الكثير لتعلمنا إياه. و ذلك لأننا نعيش في نظاميه غير شخصيه بينما هم عاشوا في مجتمعات غير نظاميه غير شخصيه للغايه فمثلا عندما يكون لدينا خلاف حول حادث سير نحاول تسوية الأمر عن طريق المحكمه او الشرطه بهدف التوصل الي بعض الحلول التي ترضي الطرفين استنادا الي درجة الخطأ و غيره و لكن عندما يتعرض الناس في المجتمعات التقليديه لحادث تعقد سلسله من الأجتماعات الشعائريه و جها لوجه و يكون الهدف منها ليس العثور علي الخطأ و صاحبه بل لمحاولة إصلاح العلاقه التي افسدت بسبب الحادثه. كما يقارن بيننا وبينهم قائلا اننا نجلس في عربات مترو الأنفاق تائهين في افكارنا و هواتفنا الذكيه بينما في المجتمعات التقليديه فهم يتحدثون بأستمرار ليتعلموا من بعضهم البعض مطورين في لغة التواصل بينهم, و يحكي لنا دايومند انه خلال بحثه الذي اجراه عن مجتمع القبائل في غينيا انه كان يصعب عليه النوم في كثير من الأحيان لأن الناس الذي كان يقيم معهم كانوا يستيقظوا في منتصف الليل ليستكملوا حديثهم الذي بدؤه منذ ساعات مضت. و يشير المؤلف إلي أنه من الأشياء المثيره للأهتمام في المجتمعات التقليديه العلاقه بين الأم و طفلها و هي علاقه تتصف بالبساطه لأن الأم تتعامل مع طفلها بالفطره و بشكل عفوي مما يقوي العلاقه بين الأم و طفلها و يقول دايومند ان اعتناء الأم الكبير بأطفالها هو احد الأسباب الرئيسيه لتطور مهارات اطفال المجتمعات القبليه اسرع من اطفال المجتمعات الحديثه. ويقول المؤلف أن الناس في مجتمع القبائل لا يعانوا من الوحده لقرب بعضهم من البعض و لا يعانوا من الملل لأن حياتهم أكثر حيوية من حياتنا التقليدية و يضيف دايومند قائلا أن العيش في غينيا الجديده كان بمثابة رؤية العالم بألوان حيه بينما بقية العالم هو كاللون الرمادي. و اخيرا يصف لنا دايموند ان أفراد هذه المجتمعات لا يرون الحياه كما نراها نحن فهم لا يحاولوا ان يحسنوا من حياتهم أو يغيروا مصائرهم او يحاولوا أن يصبحوا مثيرين للإعجاب او أفضل لأنهم لا يروا الحياه بهذه النظره الفردية و لأنهم لا يروا الحياه مثلنا كرحله بل يروها كدوره تتجدد و لا تنتهي فمن يموت يحيا محله شخص اخر و لذلك فهم يروا أن الحياة لا نهاية لها و يقول المؤلف أن هذا شئ لن نستطع أن نتعلمه من مجتمع القبائل.