تقوم المرأة في المجتمعات الشعبية بوظائف عدة، اجتماعية وثقافية واقتصادية، من خلال الأدوار التي تمارسها، وتشمل مختلف أوجه الحياة، سواء داخل المنزل أو خارجه. إن المرأة -في حقيقة الأمر- هي المبدعة لمعظم أشكال المأثورات الشعبية والحافظة لها أيضًا، وحياتها زاخرة بأشكال متنوعة من الإبداع سواء علي صعيد السلوك أو علي صعيد الإبداع الفني الذي عبرت من خلاله عن مشاعرها ورؤيتها لنفسها ولدورها في الحياة من خلال الحواديت التي كانت، وما تزال، تحكيها لأبنائها وأحفادها، وكذلك الأغاني التي صاحبت بها دورة الحياة، ومناسبات التحول المختلفة التي يمر بها الإنسان في حياته. والمرأة هي التي عبرت وحافظت، وما تزال، علي قيم جمالية متعددة فيما تبدع من فنون كما يتبدي ذلك في الغزل، والنسيج، وأشغال الإبرة، والتطريز، والسجاد، والكليم، والخرز، والزي، والزينة .. الخ، سواء فعلت ذلك لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك. وهي بما حافظت عليه من الحرف والصناعات التي برعت فيها، لم تكن تفعل ذلك لتسلي نفسها، بل رأت أنها من خلال هذا الذي تقوم به - إلي جانب أنشطة أخري- قد أدت دورًا اقتصاديًا في تحمل أعباء الحياة، بما يمكن أن تبيعه عندما تنسج مثلاً سجادة أو كليمًا، أو بما توفره من نفقات كان ينبغي أن تتحملها عائلتها في إعداد مفروشات وثياب بناتها للعرس (علي سبيل المثال) محققة بذلك قيمة هامة تعبر عنها الفنون والحرف الشعبية، عامة هي الربط بين الجميل والنافع، والمعنوي والمادي. كما أنه بما حكته، وغنته، وتمثلت به، وما تزال، قامت - وتقوم- بدور أساسي في تكوين الطفل، رجل الغد. فهي بمحفوظها الثري من هذه الأشكال التي يمتزج فيها كل ما في الحياة من خير وشر، لم تكن تقدمه وتحافظ عليه لتسلية الصغار والترفيه عنهم فحسب، بل لتأصيل قيم معينة، وتوجيه غير مباشر للحث علي التمسك بالأخلاق الحميدة، والعادات المرجوة، من خلال نماذج الشخصيات والمواقف والمضامين الأخلاقية والسلوكية، التي تحتاجها الحياة السوية. وهي بهذا الذي قامت به، ساعدت، وما تزال، الأطفال، والصبية، والشباب الذين ينتمون إليها علي إعطاء معني لحياتهم، وأن تفتح أمام مخيلتهم آفاقًا غير محدودة، قد يعجزون بمفردهم، ودون معونتها، عن ارتيادها أو إدراكها. وتقدم لهم في الوقت ذاته حلولاً للمشاكل والصعوبات التي قد يواجهونها في حياتهم، باعتبارها حتمًا لا مفر منه، وربما سيلاحظ المتأمل لدور المرأة في هذا المجال أنه يؤكد بشكل فني علي مواجهة تلك المشاكل والصعوبات والعوائق غير المتوقعة، والتصدي لها بدلاً من الهرب منها. إننا عندما نمعن النظر في هذه المأثورات نري أن المرأة الشعبية قد عبرت بها ومن خلالها، وما تزال، عن المعني الحقيقي لحياتها، وأدركت أن تحقيق هذا المعني يستوجب القدرة علي تجاوز الحدود الضيقة لوجود يتمحور حول الأنا أو الذات الخاصة، مؤمنة بقدرتها وقدرة من حولها ممن تحكي أو تغني أو تصنع لهم - ربما في مرحلة متقدمة من حياتهم- علي إضفاء شيء من المعني علي الحياة التي يعيشونها أو نعيشها نحن جميعًا. وأنها اكتشفت، ربما بتراكم الخبرات والتجارب أن هذا الشعور ضروري للفرد، إذا أراد أن يكون راضيًا عن نفسه، وبالتأكيد فإن مما يصدق علي الفرد، يصدق علي الجماعة أيضًا. لقد حفرت شهر زاد - علي سبيل المثال- اسمها في مخيلة الناس شرقا وغربا، نموذجا ايجابيا، استحدث التوازن المفقود في مجتمع كان لا يري للمرأة دورًا إلاّ المتعة الحسية، فهي امرأة حرة، تتصف بالجمال ورجاحة العقل وحسن الفطنة والثقة بالنفس تقف رمزًا لتوق المرأة إلي الكمال، وهزيمة عوامل القصور التي وصم بها مجتمعها المرأة،وتمثل أيضا العقل والروح في مقابل شهريار الذي يمثل الشهوة والدم. وبالطبع فإن الذي ينتصر في النهاية هو العقل والروح باعتبارهما أسمي ما يتميز به الإنسان.. والعقل الشعبي الذي جعل شهر زاد صانعة الحكي كان علي وعي كامل بدور المرأة في صنع الحياة، فقد أعادت شهر زاد صياغة شهريار، بإعادته إلي إنسانيته كما ينبغي لها أن تكون، من خلال حكيها وسلوكها.. ومن خلال وعيها بدورها إنسانا مكتمل الإنسانية. وتعيش بلدي وأهل بلدي ..