ونستأنف وإياكم التجوال بربوع وطننا العربي الغالي الكبير ، مكانة ورفعة ومساحة .. ونطل على (الجماهيرية الليبية )على ليبيا التاريخ والحضارة .. ليبيا الإسلام والمجد والعروبة.. وبعيدا عن التحيز وبكثير من الشفافية ، نقول عن ليبيا بلد الأمن والأمان ، بلد كل العرب والأفارقة ، ومصدر رزق العديد منهم ، بل اغلبهم ، الواقفة دوما وبصلابة مع قضية العرب الأولى فلسطين وقدسنا المغتصب.. الداعمة سرا وعلانية لكل حركات التحرر في العالم ، بما فيها المقاومة العراقية الشريفة الباسلة بالعراق الجريح المحتل، ولا يمكننا ان ننسى ابدآ وقفة العز التي وقفتها الجماهيرية الليبية قيادة وشعبا من كارثة إعدام الشهيد البطل صدام حسين المجيد باول أيام عيد الأضحى المبارك ، إذا إنها الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي أعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام على روح شهيد الأمة وذبيح العرب وأسدها المغوار( صدام حسين ) رحمه الله ورحم كل شرفاء الأمة..
ولا يخفى على احد المشاركة الفعالة للشعب العربي الليبي ودعمه اللامحدود لشقيقه الشعب الجزائري بحرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي ، وكذلك مواقفه المشرفه مع الشعب الفلسطيني منذ عام( 1948 ) وحتى تاريخ اليوم ، حيث شارك العديد من الشباب الليبي في حرب ال48 وضحوا بأرواحهم ودمائهم من اجل القدس وشرف الأمة العربية ، وإصرار قيادته السياسية على ضرورة فتح تحقيق دولي في عمالية اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، والدور البناء في قيام الوحدة اليمنية ، ودعم صمود سوريا ماديا ومعنويا حتى تبقى قلعة صامدة في وجه العدو الصهيوني، والدور البطولي الفذ بحرب العبور في عام(1973 ) بدعمها المالي والمادي والمعنوي اللا محدود لتلك الحرب التي ما كانت لتصمد طويلا وتحقق ما حققته لولا طائرات الميراج الفرنسية والتي دفعت ليبيا ثمنها بالكامل وأرسلتها على الفور للمشاركة بحرب ( رمضان ) أكتوبر ، الأمر الذي تسبب في تدهور العلاقات الليبية الفرنسية ، بالإضافة لثمن الزوارق المطاطية التي عبر الجنود المصريين قناة السويس على متنها.. الخ الخ الخ ..
هكذا هي ليبيا دائما ، وهكذا هو حال الجاحدون الحاقدون دائما.. فلا ليبيا تكف عن التضحية والعطاء .. ولا الجاحدون يعجبهم العجب ويثنيهم الخجل عن الشتم والسب .. على آية حال كان لابد من هذه المقدمة ردا على بعض التعليقات التي وردت على الجزء الأول لهذا المقال ..أما عن الحديث عن ليبيا فيمكن القول بان ليبيا عبارة عن مجتمع بدوي يشكل فيها العرب البدو ما نسبته (85 %) من عدد السكان البالغ عددهم حوالي ( 5 ) مليون نسمة ، يمكن توزيعهم جغرافيا بحسب التوزيع الديمغرافي للسكن بخمسينيات القرن الماضي وما قبلها.. الساحل الليبي بالشمال خاصة بالساحل الغربي والشرقي منه ، توجد به بعض القبائل ذات الأصول العربية ومنها، الحرارت بمدينة الزاوية الغربية التواجير بمنطقة تاجوراء الاحامد بمدينة الخمس وضواحيها والعمائم أولاد غيث الفواتير البراهمة وأولاد الشيخ بمنطقة زليتن ..
ثم( الكرغلية) الممتدين عبر الساحل من الزاوية غربا وحتى مصراتة ، ومن اجدابيا شرقا حتى مدينة درنة ، وهولاء ليسوا بالأصل من أصول عربية ، وقد دخلوا ليبيا في عام ( 1551 ) ميلادي ، مع الأتراك العثمانيين وكانوا يطلقون عليهم( الانكشاريين) وهم خليط من عدة أجناس من دول آسيوية وأوروبية سيطرت عليها الدولة العثمانية باسم الفتوحات الإسلامية وجندت منهم أعداد كبيرة ساهمت بهم ومن خلالهم في احتلال باقي المناطق العربية ومن بينها ليبيا ، وكان هولاء الانكشاريون لا ، ولاء لهم إلا للسلطان العثماني ، وحينما ضعفت الدولة العثمانية ، اختلط العديد من عناصر الانكشارية بالأهالي وتصاهروا معهم وبقوا بالبلاد رغم خروج الأتراك منها وبذلك أصبحوا مواطنين ليبيين بالمصاهرة والنسب والهوية..
وثم الآسر( القريتلية ) ، نسبة لغريس وهم أيضا من أصول غير عربية و تعود أصولهم لليونان، وقد حلوا ضيوفا على ليبيا في أوائل القرن العشرين وعاشوا وتعايشوا مع الشعب الليبي وانصهروا تماما معه ، وموطنهم الحالي مدينة طلميتة ومدينة شحات..وثم قبيلة ( الشراكسه) المتواجدين بمدينة مصراتة ، وهم بالأصل مسلمين من منطقة بروسيا شمال أرمينيا تسمى القوقاز تقع بين البحر الأسود غربا وبحر قزوين شرقا، وقد هجروا بحوالي عام( 1877) ميلادي من مناطقهم الأصلية بعد حرب ابادة ضروس شنها عليهم القياصرة الروس ، فقامت الدولة العثمانية آنذاك ولكونها مركز الامبروطورية الإسلامية بترحيل العديد منهم لبعض الدول العربية ومن بينها ليبيا ..
بالإضافة إلى سكان منطقة زواره ويفرن والجبل الغربي ( الجبالية ) وقرى جبل نفوسة وغدامس واوجلة، والملقبين بالبربر، والذين تعود أصولهم لقبائل عربية يمنية قديمة جدا ربما من العرب البائدة ، وهم بالأصل من العرب القدامى المستوطنين في ليبيا قبل مجيء القبائل العربية الحديثة نسبيا مع الفتوحات الإسلامية، بل وقبل مجيء الرومان الذين احتلوا شمال ليبيا قبل ظهور الإسلام بمئات السنين واستوطنوا شمال غرب ليبيا في( لبدة ) بمدينة ( الخمس) حاليا وطرابلس القديمة وصبراتة ، والرومان هم من أطلق على العرب القاطنين في ليبيا بذلك الزمن تسمية البربر ، أي البريين أو الصحراويين وذلك لأنهم رفضوا التعايش مع الرومان وفضلوا العيش والبقاء بعيدا عنهم بالصحراء وبالجبال ، وكانوا يناصبونهم العداء ويشنون عليهم الغارات معتبرينهم غزاة محتلين لأرضهم ، لذلك أطلقوا عليهم الرومان تسمية البربر وكانوا يعنون بها الهمجيين الرافضين لحضارة الرومان آنذاك ، وبقوا على حالهم هذا حتى دخول العرب المسلمين فاتحين لشمال أفريقيا في القرن السادس الميلادي فحرروهم من بقايا الرومان البيزنطيين..
والجدير بالذكر والتذكير هنا، هو ان الزمن بمئات سنواته ، والإسلام بسماحته ، واللغة العربية، لغة القران الكريم باصالتها، والتراب الليبي بعزه وخيراته، أمورا قد ساهمت بشكل كبير جدا بوحدة الشعب الليبي ، بحيث أصبح سكان ليبيا، جسدا واحد ، تتألم وتسهر سائر أعضائه إذ ما تألم عضوا منه ، ولنا في التاريخ عبرة ، وذلك حينما غزت جحافل القوات الإيطالية ليبيا محاولة استعادة أمجاد روما والرومان ، ونسفت الشواطئ الليبية بالبوارج الحربية ودكت مدنها بالدبابات والطائرات ، دون أي تفرقة أو تمييز بين سكان ليبيا ، عندها هب الليبيون من كل القبائل هبت رجل واحد ، لمواجهة أعتى قوة عسكرية في تلك الحقبة التاريخية ، رأيتهم الله اكبر والجهاد ، وقلوبهم عامرة بالإيمان بالله ، وحب الوطن ، فاختلطت دمائهم الزكية الطاهرة دفاعا عن الوطن ، وارتوت بها ارض ليبيا الحرة ، فكان ذلك بمثابة الميثاق الوطني الشريف الذي أكد عروبة ووطنية وليبيت الجميع دون أي استثناء ، كما لا ننسى ذلك الحدث التاريخي الجلل الذي صادف الرابع عشر من شهر ابريل ( الطير ) عام ( 1986) عندما تسللت القاذفات والطائرات الأمريكية في جنح الظلام وقصفت مدينتي طرابلس وبنغازي في عدوانها الهمجي الذي لم تفرق فيه أبدا بين احد من الليبيين ، واعتبرهم المقبور ( ريغان ) رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية في ذلك الوقت وأذنابه ، كلهم أعداء(ليبيين عرب مسلمين )، وهم فعلا بالفعل كذلك ...
أما عن منطقة الساحل الليبي بالمنطقة الوسطى (خليج سرت ) فهي كانت ولازالت امتدادا للعرب البدو بحكم طبيعتها الصحراوية التي لم تكن تتناسب وسكان الساحل الغربي والشرقي للبلاد ... والعرب الليبيون البدو غالبا يعيشون بخط الوسط أي وسيط البلاد ، بالوديان والسهول والواحات ، وتتواجد به القبائل العربية التي جاءت معظمها لليبيا مع الفتوحات الإسلامية والهجرات العكسية من الغرب إلى الشرق بعد سقوط الأندلس واندحار العرب منها ، وتبداء من أقصى الغرب الصيعان العلالقة نالوت المشاشى الاصابعة قبائل المحاميد قبائل ورفله قبائل الزنتان أولاد بوسيف أولاد سليمان القذاذفة المقارحة الجماعات أرياح الشرفة( الأشراف) سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقبائل ترهونة الفرجان المعدان البركات ...
وقبائل وسط شمال المنطقة الشرقية المغاربة البراعصة العواقير الحاسة المسامير الدرسة العبيدات وصولا لقبائل أولاد علي ، بأقصى شرق شمال ليبيا، وهم موحدين الدولتين اجتماعيا، أي إنهم ليبيين إذ ما كانوا داخل ليبيا ، ومصريين إذا كانوا بمصر، وهذا بعلم ودراية من الدولتين، وغالبية قبائل وسط ليبيا تتشابه إلى حد كبير جدا في عاداتها وتقاليدها وطرق عيشها وسلوكياتها مع القبائل العربية البدوية المتواجدة في نجد والحجاز وبعض القبائل اليمنية والقبائل البدوية بالأردن وبدو سوريا والقبائل والعشائر العربية البدوية بالعراق وبالأمارات العربية المتحدة مما يؤكد أصالة هويتها العربية الخالصة ..
أما جنوب الوطن بأقصى الجنوب الغربي بمنطقة غات تتواجد قبائل الطوارق العربية وهي منتشرة مابين صحراء ليبيا والصحراء الجزائرية ومالي ، وهم قبائل رحل غير مستقرة يقضون معظم حياتهم على ظهور الجمال فوق الكثبان الرملية متنقلين دون أي قيود أو حواجز طبيعية أو اصطناعية ما بين ليبيا والجزائر إلى موريتانيا غربا وشمال مالي جنوبا...أما عن مدينة( سبها ) عاصمة الجنوب فهي كانت موطن الفزازنة نسبة لمنطقة( فزان ) والتي أصبحت اليوم مدينة كبيرة يقطنها خليط من عدة قبائل ليبية أما عن الجنوب الشرقي لليبيا بمنطقة الكفرة والمناطق المجاورة لها توجد قبائل المجابره وقبائل الزويه ، وبأقصى الجنوب الشرقي لليبيا المحادي لشمال تشاد فهو موطن قبائل ( التبو) وهي قبائل ذات أصول افريقية من تشاد والسودان والنيجر..
وكما أسلفنا فان هذا التوزيع الديمغرافي للسكن كان بخمسينيات القرن الماضي وما قبلها ، ولكن وبعد اكتشاف النفط في ليبيا، وتنامي اقتصاد البلاد اثر ذلك ، حصلت حركة تنقلات بين المناطق والمدن بحثا عن فرص العمل وطلب الرزق ، وازدادت تلك التنقلات شدة ووضوحا بعد قيام ثورة الفاتح من سبتمبر بعام( 1969) والتي أممت شركات النفط وكافة الشركات الأجنبية ، وأجلت القوات الأمريكية والبريطانية وطردت المستعمرين الطليان الذين كانوا مهيمنين على أهم الأراضي الزراعية والمحتكرين لأجمل الشواطئ وأفضل الأحياء السكنية بالمدن الساحلية ، التي آلت بعد ذلك لليبيين ، وتمكن الليبيون بعدها ولأول مرة ومنذ زمن طويل ، وربما جدا ، من التنقل والعيش معا أينما أرادوا ، والاستمتاع بشواطئهم الجميلة دون ان يعكر صفو حياتهم احد، وبذلك أصبحت مدن الساحل الليبي يقطنها خليطا من كافة القبائل الليبية ، ومن باب التنويه ليس إلا ، فان الثورة لم تقم بطرد اليهود المقيمين بليبيا كما يزعم البعض ، وإنما خرج اليهود من ليبيا بعد نكسة عام(1967) بعد تعرضهم للمضايقات من قبل العرب الليبيين كردة فعل طبيعية إزاء ما حدث من قبل اليهود الصهاينة في فلسطينالمحتلة واحتلالهم لبعض الأراضي العربية الأخرى ، وهو خطأ قاتل وقعت به العديد من الدول العربية التي كانت بها أقليات يهودية، فبهذا الخطأ هجروا الآلاف من يهود العرب بإمكانياتهم وقدراتهم وأموالهم لفلسطينالمحتلة وكانوا خير عون لإسرائيل ودعما وسندا قويا لها في حربها وصراعها الوجودي مع العرب..
وبالرغم من التعدد القبلي والذي تحتويه وتحتضنه ليبيا برقعتها الجغرافية الشاسعة ، إلا انه ومن محاسن الصدف لا يوجد في ليبيا أي طائفية أو مذهبية أو أي ديانة أو قومية أخرى ، فكافة أفراد الشعب الليبي مسلمون على مذهب واحد تقريبا وهو المذهب المالكي ، بالإضافة لقلة منهم على المذهب الاباضي ، والفكرة المذهبية لديهم أصلا تتعلق ببعض المسائل الفقهية والأحكام الشرعية دون ان تتعدى ذلك المفهوم ، كما ان ليبيا من الدول الإسلامية القليلة التي تأخذ محاكمها الشرعية بأيسر المذاهب عند نظرها للقضايا والأمور الشرعية دون النظر أو التركيز على اسم المذهب أو من يتبعه من المسلمين ، وهم كما أنهم لا يفرقون بين احد من رسل الله ، فأنهم لا يفرقون أيضا بين أي احد من صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولايتشيعون لأحد على حساب الآخرين ، ورغم تطور حياة القبائل الليبية اقتصاديا وعمرانيا وزراعيا وحتى صناعيا خلال الأربعين سنة الماضية، ورغم أنهم أصبحوا يسكنون المساكن الراقية ويركبون السيارات الفارهة ، ويأكلون ( الهمبرغر والكنتاكي ) إلا ان الطابع البدوي ما زال واضحا الملامح على حياة الليبيين وتصرفاتهم ، فهم جادون ، حادوا الطباع أحيانا، يسودهم العرف القبلي والاجتماعي وتدير شؤونهم العادات والتقاليد، والشعب الليبي كغيره من الشعوب العربية النفطية ، صار مجتمع استهلاكي ، اتكالي في كل شيء تقريبا ، إلى درجة ان بعض البدو صاروا يستعينون بالوافدين من العرب وغير العرب لجز صوف أغنامهم ، وحصد محاصيل أرضهم ، وجني ثمار أشجارهم ، الأمر الذي أصابهم بشئ من الكسل والخمول ، أدى إلى زيادة الإصابات بعديد أمراض العصر ، كما ساهم في تفشي أمراض العصر لديهم قلة ممارستهم للرياضة ،
مع أنهم شغوفين جدا برياضة كرة القدم ، ولكن فرجة وتشجيعا فقط ، وملايين الدولارات التي صرفت بالمصحات والعيادات الطبية الخاصة في كل من تونس والأردن ومصر تؤكد صحة ذلك .. بالنسبة للمرأة الليبية ومع أنها قد وصلت إلى أعلى مستويات التعلم والتعليم ، وتقلدت ارقي المناصب الإدارية والخدمية ، وقادة الطائرة والسيارة ، إلا أنه غالبا ما نجدها لا تختلف في تفكيرها وأرائها إزاء بعض الأمور الأسرية والاجتماعية ومسائل الزواج وإنجاب الأطفال وتربيتهم وحتى والطلاق ، عن تفكير وأراء جدتها التي ترعرعت وعاشت في كنف التقسيم الديمغرافي القديم للسكن ، ان لم تكن جدتها أفضل حالا منهافي ذلك ... ويستمر بنا التجوال ..