من واحة سيوة فى أقصى صحراء مصر الغربية على حدودها مع ليبيا إلى جزر الكنارى الجزائر الخالدات فى المحيط الأطلسى بحر الظلمات كما أطلق عليه قديما ومن ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى موريتانيا جنوبا تنتشر منذ قديم الأزل وحتى اليوم مجموعة من القبائل البدوية الصحراوية تسمى «قبائل البربر»، وقد أطلقت الإمبراطورية الرومانية عليها هذا الاسم العنصرى الاستعلائى Barbarous، الذى كانت تطلقه على الشعوب الخارجة عن نطاق وسيطرة الحضارة الرومانية، وذلك لكون هذه القبائل استعصت على الحكم الرومانى، وقاومته بشراسة فلم تخضع له ولم تدخل فى طاعته كباقى الأمم، وهو الاسم، الذى ظل يلازمهم حتى اليوم خاصة أن المسلمين الفاتحين انتقلوا به من المعنى الرومانى السلبى إلى معنى أكثر إيجابية يرتبط بنطقهم للغة الأمازيغية، التى يتحدثون بها والتى تحوى رطانة أعجمية غير مفهومة لدى العرب فسموها بربرة من بربر الأسد أى زأر بأصوات غير مفهومة. أما عن الأصول العرقية لقبائل البربر، فلم يختلف علماء الإنثربولوجى فى أصول شعب كما اختفلوا بالنسبة للبربر باعتبارهم السكان الأصليين لمساحة شاسعة من الأراضى، التى يطلق عليها «المغرب الكبير»، وربما أدى التطور الكبير فى الدراسات الجينية إلى حد قاطع لهذه الإشكالية، لكننا بدون الانحراف عن سياقنا الرئيسى وفى محاولة منا فقط لكى نستكمل الإطار، الذى ستدور بداخله الأحداث فإننا سنستبعد فى عرضنا هذا الأساطير والروايات المرسلة، التى قيلت فى أصول البربر اكتفاء بالإشارة السريعة إلى الآراء الرئيسية الموثقة: * فالعديد من الباحثين خاصة الأوروبيين منهم يرون أن الأصول البربرية ترجع إلى الدول الإسكندنافية شمال أوروبا، التى هاجرت إليها من منطقة القوقاز قبل الميلاد مجموعة من القبائل الهمجية تسمى بقبائل الفاندال ثم اجتاحت أوروبا، واستقر بعضها فى فرنسا وإسبانيا، بينما عبر البعض الآخر البحر المتوسط جنوبا حتى استقر فى صحراء المغرب، وهم يدللون على ذلك بالتقارب الشكلى بين البربر وسكان شمال أوروبا، الذى يتمثل فى البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الأشقر إضافة إلى وجود تشابه مهم بين اللغات الجرمانية، التى يتحدثها الفاندال واللغات الأمازيغية، التى يتحدث بها البربر، ومما يؤدى هذا الرأى أيضا أن قدماء المصريين أبرزوا فى رسومهم البربر خاصة من قبل الليبو التى اجتاحت مصر قادمة من الصحراء الليبية واحتلتها خلال فترة من فترات التاريخ، وكذلك الذين استعان بهم رمسيس الثانى كجنود فى جيشه بملامح أوروبية مميزة عن الملامح المصرية السمراء. * بينما يرى عدد من الباحثين خاصة من النسابة العرب أن للبربر أصولا عربية ثم اختلفوا فى ذلك: فالبعض قال إنهم من الكنعانيين، الذين طردوا من فلسطين بعدما قتل النبى داوود ملكهم طالوت، وهو الرأى الذى انحاز إليه ابن خلدون، وذهب آخرون إلى أن أصل البربر من اليمن، الذين تفرقوا بعد سيل العرم واختلطوا بالقبط المصريين أثناء هجرتهم غربا. * أما الشعوبيون من أصحاب النزعة الأمازيغية فيرون أن أصل البربر هو الشعوب القديمة، التى سكنت الصحراء الغربية منذ فجر البشرية وأنهم لم يهاجروا إليها لا من الشمال ولا من الشرق. والحقيقة أنه قد يبدو منطقيا اعتماد ما ذهب إليه بعض الباحثين من التوفيق بين كل ما سبق: إذ يمكننا القول إن شعوبا قديمة سكنت صحراء شمال أفريقيا الكبرى وانضمت إليها قبائل الفاندال القادمة من شمال أوروبا وكنعانيون من أرض فلسطين وعرب من اليمن ثم اختلطوا بشعوب السودان جنوب الصحراء، وهذه التركيبة العرقية يظهرها لنا حتى اليوم اختلاف ألوانهم، الذى يتراوح بين اللون الأشقر خصوصا فى الجزائر والمغرب وبين الحنطى الضارب إلى الحمرة أو الأسمر الضارب إلى السواد مع ملامح أوروبية منمنمة، وهو ما يبدو فى طوارق موريتانيا والعشائر البربرية فى صحراء مصر وليبيا. وينقسم البربر إلى مجموعتين كبيرتين تضم كل منهما عددا من القبائل وفروعها: (1) البرانس: ومنها قبائل صنهاجة وكتامة وجزولة، وأكثرهم أهل حضارة واستقرار إذ يعيشون على الزراعة فى الواحات والسهول والجبال الخصبة، لكن هذا لا يمنع أن أكبر وأعظم قبائلهم، وهى صنهاجة تعيش عيشة البداوة فى الصحراء وتعمل أساسا بالرعى حتى سميت «صنهاجة الصحراء»، وترجع تسميتهم بالبرانس إلى ارتدائهم «البرنس»، وهو ذلك الرداء المعروف ذى غطاء الرأس المخروطى، الذى ما زال يعد حتى اليوم اللباس الوطنى المغربى. (2) البتر: ومنها قبائل أداسة ونفوسة وبنو لوا التى تنحدر منها نفزاوة، وهى قبيلة طارق بن زياد فاتح الأندلس، وأكثر البتر من الرعاة سكان الصحراء وإن كان بعضهم كالتلمسان يعيشون عيشة استقرار وحضارة، وترجع تسميتهم البتر إلى ارتدائهم رداء يشبه البرنس بدون غطاء للرأس فأطلق عليهم العرب هذا الاسم دلالة على أنهم يرتدون رداء مبتورا أى ناقصا. وبعض البربر يعمل فى الزراعة وذلك فى المناطق الخصبة والواحات، وأهم غلالهم التمر والزيتون والكروم، وبعضهم يعمل فى استخراج الملح الصخرى من مناجمه الصحراوية والتجارة به بين الشمال والجنوب، أما النشاط الرئيسى لهم فهو الرعى، وهم ينقسمون فى ذلك إلى رعاة الشاة أو «الرعاة الصغار» ويطلق عليهم فى الجزائر حتى اليوم «الشاوية» ورعاة الإبل أو «الجمالة الكبار» وأماكن تركزهم على حافة الصحراء، حيث يندر الماء والطعام، وهم البدو الرحل بكل معنى الكلمة، الذين يجوبون البلاد طولا وعرضا يقودون قطعانهم من الإبل بحثا عن الماء والعشب وينقلون فى تجوالهم هذا الثقافة والحضارة بين الشعوب، كما أنهم يتميزون بقوة الأجساد والجلد على الشدائد والأنفة والكبرياء إضافة إلى مجموعة أخرى من الخصائص التى تميز الجمالة الكبار، والتى سيكون لها تأثيرها على الأحداث كما سنرى.