تعد قبيلة الفاجلو أحد قبائل جنوب السودان التي يبهر أبناؤها الأنظار بقاماتهم الطويلة وجمال أجسامهم, ولونهم هو أقرب إلي السمرة, ولايوجد علي وجوههم علامات مميزة كما يبدو لدي القبائل الأخري في السودان, ويقيمون بولاية شرق الاستوائية بإقليم بحر الجبل, ويتحدث أبناء الفاجلو لغة البارية إضافة إلي الإنجليزية وعربي جوبا, واللغة الأخيرة هي العربية السائدة في الجنوب والتي أدخلت عليها بعض التعديلات وهي تكاد تكون لغة التواصل بين جميع سكان الجنوب. ويتميز أبناء الفاجلو بالبسالة والوعي والطيبة, ومازالوا يعيشون في ذات القري والمناطق التي عاش فيها أجدادهم الأوائل منذ آلاف السنين, متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم, ويرجع أصل الفاجلو كما يري الباحث السوداني لوفينقا لويور إلي القبائل الحامية الإفريقية التي نشأت في وسط وشرق القارة الإفريقية, حيث لم تتأثر بالهجرات الاستعمارية داخل القارة الإفريقية, وهذه الرواية قد تنفي الرأي الذي يقول أن أصل الفاجلو يعود إلي قبائل الزولو الذين يعيشون بجنوب إفريقيا. وتعيش القبيلة في مناطق تقدر بحوالي ستين ميلا مربعا تطل علي الجزء الأوسط من نهر ياي الذي يقع جنوب غرب محافظة شرق الاستوائية, ويحكم هذه المنطقة سلطان من أبنائها يعاونه نواب, ويقوم السلطان بمهمة البت في الخلافات التي تنشب بين أفراد القبيلة في مجلس أومحكمة تعرف ب'لووكيكو', وهو المكان الذي يمارس فيه سلطان القبيلة سلطته علي رعيته في المنطقة التي تقع تحت نفوذه, وبرغم من أن المناطق تقع تحت نفوذه تتمتع بشبه استقلالية في السلطة إلا أنها ترتبط مع بعضها البعض بروابط النسب والعلاقات المتبادلة ثم التزامات القبيلة, والقرية عند الفاجلو هي عبارة عن مجموعة من الأقارب, وتتميز بدقة التنظيم. النشاط الاقتصادي تعتمد قبيلة الفاجلو في اقتصادها علي الزراعة والصيد البري والتجارة عبر المقايضة بين الأفراد والعشائر داخل القبيلة أو بين القبائل الأخري المجاورة لها أو مع تلك القبائل التي تجاورها من خارج الحدود السودانية حيث تقع دولة زائير من جهة الشمال الغربي, وكذلك توجد بعض الصناعات اليدوية المتمثلة في صناعة الفخار والحدادة وصناعة الأواني الفخارية وغيرها. الزراعة وتعتمد قبيلة الفاجلو علي الزراعة المطرية الموسمية التقليدية, حيث تزرع محصولات أساسية تعتمد عليها القبيلة في غذائها كالغلال وبعض البقوليات والخضراوات مثل الملوخية, وتعتمد القبيلة في غذائها علي الذرة بأنواعها المختلفة والفول السوداني والسمسم كمصدر للزيوت. الصيد البري تمارس قبيلة الفاجلو الصيد البري علي نطاق واسع كمصدر أساسي للحوم والجلود, وقديما كانت تصنع من الجلود النعال والأحذية, وكذلك تستخدم الجلود بعد دبغها كفراش تجلس عليها أو كشرائح في عمل الكراسي والأسرة. والحيوانات التي تعتمد عليها قبيلة الفاجلو كمصدر للبروتينات, هي تلك التي تصيدها مثل الغزال وغيره من الحيوانات البرية, كما تقوم القبيلة بتربية بعض الحيوانات الأليفة كمصدر للحوم والألبان ومنها الأغنام والماعز والأبقار, بالإضافة إلي الدواجن التي تستخدم في ضيافة أي زائر حينما يصل إلي أي بيت من بيوت قبيلة الفاجلو. وتستخدم هذه الحيوانات الأليفة كجزء أساسي من المهر, وكهدايا تقدم في مناسبات مختلفة, وكذلك تذبح هذه الحيوانات الأليفة في المناسبات الخاصة, مثل الزواج أو الاحتفال بالمولود الجديد أو بمناسبة موت أحد أعضاء القبيلة. نظام الإدارة قبيلة الفاجلو لاتزال تعيش في القري التي عاشوا فيها جدودهم الأوائل, وكل عشيرة عند الفاجلو يرأسها نائب للسلطان منتخب من قبل أفراد القبيلة, ولاختيار أي شخص من أبناء القبيلة لتولي منصب السلطان لابد أن تتوافر فيه بعض الصفات الأساسية منها الحكمة والشجاعة وحسن المظهر والسمعة الجيدة, وأن يكون منتميا للعائلة الحاكمة, ويتم انتقال السلطة عند قبيلة الفاجلو داخل الأسرة أو العائلة الحاكمة, وإذا تعذر ذلك يتم نقل السلطة عن طريق انتخاب الفرد من مجموعة الأسر غير الحاكمة, ويشترط أن يتمتع بالصفات المطلوبة بغض النظر عن إنتمائه للسلطة الحاكمة, وكل ذلك يتم بموافقة ومباركة من كبار السن في العشائر بعد مشاورات تدوم فترة طويلة قد تمتد إلي عام أو عامين. ثقافة القبيلة اتسمت قبيلة الفاجلو شأنها شأن سائر القبائل الإفريقية بالإعتماد علي الأسلوب الشفاهي في نقل عاداتها وتقاليدها وتراثها وثقافتها من جيل إلي جيل بسبب عدم وجود وسائل لتسجيل الأحداث المهمة التي مرت بها القبيلة علي مر العصور, و يقول الباحث السوداني لوفينقا لويور تعرضت ثقافة القبيلة شأنها أيضا شأن غالبية القبائل في القارة إلي تأثيرات الحضارات الأخري الوافدة وتدخلها في صياغة النسق الفكري لها وتأثيرها في حياتها, وأخيرا شهدت قبيلة الفاجلو عودة واهتمام بإحياء ثقافتها الأصيلة وتراثها وهويتها الإفريقية التقليدية, مما جعلها تستخدم لغتها المحلية كأداة فاعلة للتعبير الواضح الدقيق عن المشاعر والوجدان والأفكارالأصيلة في المجتمع والثقافة, والتي كانت تنقل عن طريق الرواية, ويضيف لوفينقا لويور إن عودة قبيلة الفاجلو إلي الاعتناء بثقافتها ليس ترفا, ولامجرد متعة جمالية, ولكنها جملة من الحلول التي وجدها الإنسان لما تطرحه عليه بيئته من مشكلات, مؤكدا أن ثقافة الفاجلو ثقافة عريقة أصيلة وقديمة ويجب أن تستمر, مشيرا إلي أسلوبها الخاص في النظر إلي الحياة والأفكار والكون, موضحا أن الموقع الجغرافي لمنطقة الفاجلو في وسط مركز نهر ياي لعب دورا في بلورة أفكار أبناء القبيلة وبناء روحهم التسامحية تجاه الثقافات الأخري من قبائل التماس والتداخل والجوار معها, ويؤكد أنه وفقا لهذا المفهوم فإن الثقافة لعبت دورا في توحيد قبيلة الفاجلو, وجمعت حولها أيضا العديد من القبائل الأخري التي تقيم معها علاقات طيبة وتميل إليها, مما ميز القبيلة وثقافتها بالوحدة والتنوع في آن واحد, لأنها تضم في حناياها العديد من الثقافات المحلية التي تعبر عن نفسها في أشكال متعددة من الفنون, أما اللغة والعادات والتقاليد فهي التي تعزز وحدة القبيلة وتماسكها. العادات والتقاليد كسائر القبائل في السودان تمتاز قبيلة الفاجلو بالعديد من العادات والتقاليد التي تتباين خلال المناسبات الهامة كالزواج والطلاق والمآتم والوفاة, ثم المناسبات الأخري الأخري التي تمر بها القبيلة كالاحتفالات بالحصاد والصيد البري. الزواج لايوجد زواج بين الأقارب عند الفاجلو, سواء كانوا من نسب الأب أو الأم, ويعتبر زواج الأقارب عارا, ويعتقدون أنه يمكن أن يعود بالنحس علي الأسرة, ويفضلون دائما الزواج من غير الأقارب داخل القبيلة أو خارجها, والولد أو البنت عندهم مطلقا الحرية في اختيار شريك الحياة, وعندما يتم اختيار الشريك المناسب أو المرغوب فيه يتم إخطار كبار السن في العائلة, حتي تتم الموافقة والمباركة لإتمام الزواج, ثم دفع المهر. المهر قديما كان المهر في القبيلة أشياء عينية يقدمها العريس لأسرة عروسته, وهي عبارة عن عدد متفق عليه من الأغنام والماعز وبعض الحراب والأقواس والسهام وسوار معدني, وهذا السوار المعدني أساسي في عملية إتمام الزواج عند قبيلة الفاجلو. أما في الوقت الراهن فكما يقول الباحث السوداني لوفينقا لويورفالمهر في الزواج لم يعد كما كان قديما, حيث دخلت عليه بعض التغييرات المهمة, حيث أصبح يستعاض عن جزء من المهر العيني بمبالغ مالية يتم الإتفاق عليها بين أسرتي العريس والعروس, بالإضافة إلي عدد رمزي من الأغنام والماعز ثم الحراب والأقواس من الذهب, وايضا ملابس للعروس وسلسلة معدنية, والهديتان الأخريتين ترمزان إلي توطيد العلاقة الزوجية, وبعد إتمام مراسم الزواج تنتقل العروس إلي بيتها بصحبة بعض أفراد اسرتها, حيث يحملون معهم بعض الهدايا العينية كرمز للرابطة بين العائلتين, وعندما ترزق هذه الأسرة الحديثة بمولود تجتمع أسرة العريس أو الزوج فقط لاختيار اسم مناسب للمولود, وتحتفل أسرة العريس بهذه المناسبة بطقوس خاصة كما يرقصون ابتهاجا بها, أما أسرة العروس أو الزوجةفعليها تقديم هدية عبارة عن بعض الزيت والدقيق واللوبيا واللحم المجفف وزبدة الفول السوداني, وتعرف هذه الهدايا المقدمة من أسرة العروس باسم أمونيا وتعني الملح, وهي رمز لتثبيت العلاقة الروحية والمحبة بين الأسرتين والاحترام المتبادل بينهما. الطلاق مثل أي مجتمع من مجتمعات القبائل السودانية فإن قبيلة الفاجلو تسلك نفس الطريق الذي تسلكه هذه القبائل لحل بعض المشاكل التي تنجم عن الخلافات بين الأفراد داخل القبيلة, وخاصة تلك الناجمة عن الخلافات الأسرية, ولذلك فعندما تحدث الخلافات العائلية في داخل الأسرة في الفاجلو فإن ذلك يتطلب اجتماع كبار السن في هذه الأسركما يوضح الباحث السوداني لوفينقا لويور للنظر في أمر تلك الخلافات, حيث تتم عملية الفصل والصلح بين أطراف الخلاف, وذلك بحسم الخلاف لصالح الطرف المتضرر, وعلي الطرف الآخر المضر القبول بهذا الحكم وقبوله دون شروط, وفي حالة عدم قبول الطرف المتضرر بنتائج الحكم يسمح للطرفين المتنازعين لاسيما إن كانا زوجين بفترة من الانفصال المؤقت حتي يعاد النظر في أمر الخلافات بينهما, وفي هذه الفترة تعود الزوجة إلي منزل أبيها ويبقي الزوج وحيدا في منزل الزوجية, وبهذا الانفصال المؤقت تكون هناك فرصة للطرفين لمراجعة مواقفهما واتخاذ القرار المناسب بعيدا عن أي مؤثرات فورية للخلاف. وبعد انتهاء الفترة المحددة لفراق الزوجين يجتمع كبار الأسرتين ثانية لإعادة النظر في خلافاتهما مجددا, وإذا تعذر حسم الخلافات بينهما هذه المرة فإن ذلك يؤدي إلي الطلاق النهائي بين الزوجين, وعندما يتم ذلك ينظر كبار السن في الأسرتين في حالة الزوجين ومالديهما من أطفال وممتلكات, وفي حالة وجود أطفال للزوجين فإن هؤلاء الأطفال يسمح لهم بحرية الإقامة والانتقال بين الوالدين إلي مابعد سن المراهقة, وبعد ذلك تحدد لهم إقامة دائمة مع والدهم, ولايمنعون أثناء ذلك من زيارة والدتهم. وأما إذا حدث الانفصال النهائي لظروف طبيعية كوفاة أحد الزوجين فله وضع آخر, فإذا توفي الزوج مثلا فإن الزوجة الأرملة لها الحق في أن تبقي في أسرة زوجها المتوفي معززة مكرمة, وبعد فترة الحداد تعطي لها حرية اختيار أحد أقرباء الزوج المتوفي ليكون زوجها خلفا للزوج الراحل, ويقوم الزوج الجديد الذي يقع عليه الاختيار برعاية أبناء أخيه المتوفي, وإذا تعذر ذلك يمكن للأرملة أن تترك أبناءها مع أسرة زوجها السابق المتوفي وترحل بمفردها لتتزوج أي شخص خارج محيط أسرة زوجها المتوفي. أما في حالة وفاة الزوجة فإن الأرمل من قبيلة الفاجلو يمكنه أن يتزوج من اي أسرة أخري, حيث إنه لايمكن أن تكون العروس من أسرة زوجته المتوفاة, لأنهم يعتبرونه في هذه الحالة كالأخ بالنسبة لبقية أفراد زوجته السابقة. آداب قبيلة الفاجلو يري الباحث السوداني لوفينقا لويور أن هناك أعمالا أدبية قيمة أبدعها أبناء قبيلة الفاجلو منذ سنوات طويلة بلغة الباري, ولكن الاستعمار في جنوب السودان كان له تأثير كبير في عدم ظهور هذه الأعمال, حيث أصبحت اللغتان الإنجليزية والعربية بعد ذلك تدرسان في جنوب السودان منذ العام1910 فاستطاعتا التقدم علي حساب اللغة المحلية لقبيلة الفاجلو' الباري' وغيرها من اللهجات واللغات المحلية بالجنوب, وبمرور الوقت أصبح كثير من أبناء القبيلة يجهلون لغتهم الأم وأصبحت العربية والإنجليزية هما الأداتين الوحيدتين في حوزتهمم للتعبير عما يكمن في أعماقهم, مخلفين وراءهم لغة الباري التي توصف بأنها تتسم بالأصالة والدقة. ويري الباحث السوداني لوفينقا لويور وهو أحد ابناء الفاجلو: أنه قد حان الوقت لكي يعبر أبناء الفاجلو عن أدبهم بلغتهم الأصلية, وان هذا التعبير سيساعدهم علي الارتباط بواقعهم ومجتمعهم وبالأصل الذي نشأوا فيه وأن يتعلموا تراث آبائهم وأجدادهم ويحافظوا عليه, ويري أن أدب الفاجلو يحمل في طياته طابع يشمل شعب الفاجلو بأكمله, ويساعده علي أن يدرك ذاته, ويقول الباحث إن أدب الفاجلو هو أدب إيضاح, يوضح الواقع القاسي الذي كان يسود في مجتمع الفاجلو منذ نشأته, كما أنه يعبر عن البهجة أو الألم, وكذلك الضعف الذين تشعر بهم هذه القبيلة, وهذا الأدم يتبلور ويتشكل وفقا للتطور ونمو حركة مجتمع الفاجلو, ويسجل كل خطواته, ويعبر عنها بطريقة الغناء والقصائد والأمثال الشعبية, التي تعبر عن معان عديدة. ويعتبر الغناء عند قبيلة الفاجلو تعبيرا عن المشاق والأحلام والصعوبات الحياتية التي تقابل أبناء هذه القبيلة في الحياة اليومية, مما جعل الوقائع الصعبة تبدو كأنها بسيطة في نظرهم, وتعدد الغناء والرقص عند الفاجلو مظهر من مظاهر الحياة العادية, كما أنها تعبر عن أراء وأحاسيس وشجاعة الشباب في هذه القبيلة, التي تعيش في شكل مجموعات من الأسر, تحمل كل مجموعة منها اسما مشتركا, والغناء والرقص عند كل مجموعة من هذه المجموعات يختلف عن المجموعة الأخري, ويغنون هذه الأغاني في مناسبات الزواج وبمناسبة المولود الجديد, بالإضافة إلي أغاني الرثاء التي يتم تأديتها في مناسبات الوفاة أو أثناء الإعداد للحرب أوفي مواجهة أعداء القبيلة, والغناء هو تعبير بالكلمات والتلحين عن الحياة الأولي التي مرت علي هذه القبيلة خلال الأزمنة الماضية سواء كانت أفراحا أم أتراحا, وهناك ايضا القصص التي تعبر عن الحياة الشعبية ووصف العادات في المزارع والصيد البري, ويقولون الشعر والنثر حول مواقد النيران.