اعتاد صاحب متجر للمواد الغذائية إلقاء نفايات التغليف بجوار الباب الخلفى، بينما كان العمال يفتحون هذا الباب أحياناً للاستراحة والتدخين، وفى إحدى الاستراحات تسبب «عقب سيجارة» فى اشتعال المكان وحدثت أضرار جسيمة، وتكبد صاحب المتجر تكاليف باهظة نتيجة تلف المخزون. ما سبق ليست بعضًا من رواية خيالية، لكنها سطور من دراسة واقعية سطرتها منظمة العمل الدولية فى تقرير عن إجراءات السلامة من الحرائق، وحماية العاملين فى المصانع والشركات وأماكن العمل المختلفة. مؤخرًا شهدت مدينة المحلة الكبرى - إحدى قلاع صناعة الغزل والنسيج بمحافظة الغربية، مأساة تسبب فيها حريق بمصنع ومصبغة عقب انفجار إحدى الغلايات، وهو ما أسفر عن مصرع 11 وإصابة 35 شخصًا، وانهيار طوابق بالمبني. حريق المصنع ليس حدثًا استثنائيًا، وإنما هو جزء من مسلسل الحرائق المستمر فى ظل غياب آليات السلامة الأولية لمواجهة الحرائق فى المنشآت المختلفة. وأصدر وزير العمل محمد جبران «الكتاب الدوري» رقم 18 لسنة 2025، والذى وجه خلاله مديريات العمل بالمحافظات بتكثيف حملات التفتيش الميدانى للتأكد من تطبيق أحكام مبادئ السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل فى كافة مواقع العمل الإنشائية، مع موافاة الإدارة المركزية المختصة بالنتيجة، وذلك بصفة يومية. وأكد الوزير أن الكتاب يأتى فى ضوء اهتمام الوزارة بالنهوض بمستوى السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل وفقًا لقانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025، وأنه على مديرى المديريات وضع أحكام ما ورد فى هذا الكتاب موضع التنفيذ. كما قام وزير العمل بزيارة موقع الحريق بالمحلة، وأعلن صرف 400 ألف جنيه لكل أسرة من أسر الضحايا، وقام أيضاً بقيادة حملة فى اليوم التالى إلى عدد من مواقع العمل فى العاصمة الإدارية الجديدة، ضمن حملات تفتيشية تقوم بها الإدارة المركزية للسلامة والصحة المهنية فى جميع المحافظات، لمتابعة التزام المنشآت بمعايير السلامة والصحة المهنية داخل بعض المشاريع، والتأكد من استخدام «مهمات الوقاية» بهدف سلامة أدوات الإنتاج وصحة العمال. درجات الحرارة وأصدر الوزير توجيهات صارمة بإيقاف العمل فى بعض المنشآت لتى تثبت عدم التزامها، وذلك لحين تطبيق مبادئ «السلامة المهنية». من جانبه قال خالد عبدالله، مستشار وزير العمل للسلامة والصحة المهنية فى تصريحات خاصة ل «روزاليوسف»، إن زيادة عدد الحرائق فى بعض المصانع خلال الفترة الأخيرة يرجع إلى ارتفاع درجات الحرارة مما يؤدى إلى جفاف الخامات، وزيادة قابليتها للاشتعال، ومع ارتفاع درجات الحرارة ترتفع الأحمال مع تشغيل عدد كبير من الأجهزة الكهربائية (مكيفات، مبردات، مراوح، سخانات، خطوط إنتاج...) فى وقت واحد، وهو أمر شائع صيفًا، فضلًا عن الاشتعال الذاتى للمواد دون وجود مصدر نيران خارجى مباشر (مثل لهب أو شرارة)، وإنما بسبب تراكم حرارة ناتجة عن تفاعلات كيميائية داخلية، أو امتصاص حرارة من البيئة، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالشروط الآمنة لتخزين المواد الكيميائية، وعدم إجراء الصيانة الدورية للوصلات الكهربائية. مطالبات حقوقية من جانبه رصد تقرير للمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما جرى فى حادث حريق مصنع ومصبغة المحلة الكبرى، لافتاً إلى أنه جاء نتيجة تراكم إخلالات خطيرة فى تطبيق معايير السلامة المهنية والإشراف الصناعى، وتنتشر تلك الإخلالات فى المصانع والمصابغ التى تعمل داخل الأحياء السكنية دون رقابة فعلية، ما يؤدى إلى هدر أرواح العمال. وطالب المركز بتنفيذ قرار إزالة المصنع المخالف فورًا، وإيقاف تشغيل أى منشأة لا تلتزم بشروط الأمان والسلامة، مع إلزام المصانع العاملة داخل التجمعات السكنية بالانتقال إلى مناطق صناعية مرخصة، بعد استيفاء كافة معايير السلامة، وتفعيل آليات التفتيش المفاجئ المستقل بمشاركة ممثلين عن النقابات ومنظمات المجتمع المدنى، بحيث يتم إيقاف أى نشاط عند ملاحظة أى مخالفة دون انتظار وقوع كارثة، وفرض اشتراطات أمن صناعى فعلية تشمل مخارج طوارئ هندسية معتمدة، ومعدات إطفاء صالحة وجاهزة، وأنظمة إنذار مبكر، وصيانة دورية، وشبكات كهربائية مطابقة للمواصفات، وربط تجديد تراخيص التشغيل السنوية بتقييم فنى ميدانى صارم لسلامة المنشأة، بحيث لا يمنح التجديد إلا بعد التأكد من استيفاء جميع معايير الأمان، وتوفير تأمين للعمال يشمل التأمين الصحى، وتأمين الحياة، وتعويضات فورية وعادلة فى حالات الوفاة أو الإصابات الدائمة، إلى جانب إنشاء آلية إبلاغ سرية وآمنة تتيح للعمال الإبلاغ عن المخاطر. منظمة العمل الدولية وحددت منظمة العمل الدولية فى تقرير لها تحت عنوان «السلامة من الحرائق» مجموعة من الإجراءات يجب على أصحاب الأعمال اتباعها لحماية العاملين من مخاطر الحرائق فى مصانعهم وشركاتهم، أولها إجراء تقييم لمخاطر السلامة من الحرائق، وإبعاد المواد القابلة للاشتعال عن بعضها البعض، والحرص على النظافة الجيدة فى جميع الأوقات، مثل تجنب تراكم النفايات التى قد تسبب الاشتعال. كما تضمن الإرشادات ضرورة التفكير فى كيفية اكتشاف الحرائق وتحذير الأفراد بسرعة فى حال اندلاعها مثل تركيب أجهزة إنذار الدخان أو إنذارات الحريق أو الأجراس وتوفير معدات مكافحة الحرائق المناسبة لإخماد الحريق بسرعة، والحرص على وضع مخارج الحريق وطرق النجاة بوضوح ودون عوائق فى جميع الأوقات، والتأكد من تلقى عمالهم التدريب المناسب على الإجراءات اللازمة، بما فى ذلك تدريبات مكافحة الحرائق. نظم الحماية مع التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة شهد السوق العالمى قفزة غير مسبوقة فى سوق مبيعات أنظمة الحرائق، ووفقا لتقرير بموقع « fortunebusinessinsights»، قُدرت قيمة سوق نظم الحماية من الحرائق بمبلغ 56.56 بليون دولار فى عام 2023، ومن المتوقع أن تنمو بما يزيد على 5 % بين عامى 2024 و2032، وأن يقفز حجم السوق فى 2032 إلى ما يقرب من 102 بليون دولار. وتغذى هذه التوقعات البحث المستمر عن أنظمة صارمة للسلامة على المبانى فى جميع أنحاء العالم للوقاية من الحرائق فى المبانى السكنية والتجارية والصناعية، كما لعبت التطورات التكنولوجية دورًا هامًا فى نظم الحماية من الحرائق، مثل نظم الكشف عن الحرائق، وتوفر قدرات الرصد فى الوقت الحقيقى والإنذار المبكر. سوق الحماية وفقًا للبيانات التحليلية تستحوذ أمريكا الشمالية على 40 % من السوق العالمية لنظم الحماية من الحرائق فى عام 2023، وفى الولاياتالمتحدة، تزدهر سوق نظم الحماية من الحرائق، بينما فى الصين تشهد سوق نظم الحماية من الحرائق نمواً قوياً مدفوعاً بالتوسع الحضرى السريع، والتوسع الصناعى، وأنظمة السلامة الصارمة، كما أن سوق نظم حماية الحرائق فى كوريا الجنوبية واليابان شهدت نمواً كبيراً فى السنوات الأخيرة. ويقود السوق العالمية لصناعة نظم حماية الحرائق مجموعة من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، منها «هونيويل الدولية» وشركة «جونسون للتحكم الدولية» وكذلك « Hochiki Corporation» بجانب شركات أخرى يابانية وألمانية وهندية. غلايات المصانع يتضمن الكود المصرى لأسس التصميم واشتراطات التنفيذ لحماية المنشآت من الحرائق، تفاصيل متعددة ودقيقة حول طرق الوقاية من الحرائق والمعدات المطلوبة، كما حدد بشكل دقيق المصطلحات المتعلفة بالحماية المدنية والمبانى التى يطبق عليها الكود المصري. من جهته قال اللواء ممدوح عبدالقادر مدير إدارة الحماية المدنية الأسبق فى تصريحات ل « روزاليوسف» إن المصانع والشركات عليها أن تلتزم بتطبيق كود نظم الوقاية من الحرائق، وتركيب وسائل إنذار مبكر يمكنها التنبؤ بحدوث حريق. وأضاف أنه بالتوزاى مع ذلك يجب تركيب وسائل إطفاء أوتوماتيكية تكشف بشكل دقيق عن أى زيادة فى درجات الحرارة عن الحد المسموح به، وإذا حدث حريق يمكن لتلك المعدات أن تعمل بشكل أوتوماتيكى للإطفاء. وعن حريق مصنع ومصبغة المحلة، أوضح أنه كان بسبب الغلايات، وهى لها اشتراطات عند تركيبها وفق الكود والقانون المصرى،أهمها أن يكون السقف فوقها عبارة عن مادة مرنة، بحيث لو حدث انفجار لأى سبب، تنطلق الموجة الانفجارية لأعلى، ويكون لها أيضًا وسائل أمان معينة تنذر بأى زيادة فى درجة الحرارة. إحصائيات تكشف إحصائيات حصلت عليها «روزاليوسف» من وزارة العمل عن قيام الوزارة خلال الفترة من 1/7/2024 حتى 30/6/2025 بالتفتيش على إجراءات السلامة والصحة المهنية لعدد 54779 منشأة على مستوى الجمهورية يعمل بها إجمالى 210675 عاملا وعاملة «عدد الذكور 148904 بينما عدد الإناث 622853» وعدد المنشآت الملتزمة باجراءات السلامة والصحة المهنية 22208 منشأة فيما تم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد 19819 منشأة غير ملتزمة بإجراءات السلامة كما تم صدور توصية بالغلق الإدارى لعدد 1986 منشأة بها مخالفات تمثل خطرًا داهمًا فى حين تم بحث عدد 8362 شكوى كما تم إجراء عدد 8584 قياسات ميدانية الملوثات فيما تم حضور عدد 389 لجنة سلامة وصحة مهنية بالمنشآت. 1708