يعد سوء الظن من الأمراض الخطيرة التي أصبحت تهدد كيان الأمة، وتقضي علي قوتها يصاب بها ذوو النفوس الضعيفة التي تجد لذة في التفتيش عن أخطاء الآخرين وكشف سرهم. رغم أن سوء الظن بضاعة شيطانية يشتريها أصحاب النفوس المريضة وتصيبهم بنقص في الذات، الا انهم لايعترفون بخطئهم، فليس سوء الظن ذكاء أو فهما وليس الشك في الناس فضيلة. في البداية تري الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن سوء الظن يحمل وجهين الأول عندما يكون من الفطن حتي يتجنب المخاطر القادمة مما هو موضع سوء الظن وهو ما يتطلب الأخذ بالأسباب والحذر، ومناقشة الأمور حتي يصل الانسان إلي طمأنينة القلب ورضا العقل وبالنسبة للوجه الآخرفهو يعني سوء الظن علي الدوام تحت فكر المؤامرة أو البغضاء أو إفساد وجه الحياة أو الرغبة في هدم شيء ما. وتعتقد الدكتورة آمنة أننا نحتاج في هذه الأيام إلي سوء الظن الأول لكي نخرج مما نحن فيه من التواكل أو عدم قراءة الامور السياسية. مشيرة إلي أن سوء الظن من الفطن الذي يكشف الغموض ويوضح السلبيات والإيجابيات ويساعد علي ما هو أفضل. ويوضح الشيخ يوسف البدري أن الله تعالي خلق الانسان علي الفطرة حتي تعلم وأكتسب سلوكيات غير سوية من المحيطين به فيتعلم الكذب إذا كذب عليه أبوه، ويتعلم كذا إذا شاهد كذا وهكذا يتعلم الصفات السيئة التي نهي عنها الاسلام وحض علي الابتعاد عنها ومن ثم جاء الاسلام وعالج تلك الأمور لأن كتابه الكريم خاطب الناس علي اختلاف مشاربهم وأطيافهم فخاطب المرأة والرجل والعالم والجاهل والطائع والعاصي والمؤمن وغيره، فقال تعالي معالجاً لسوء الظن "لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا أخيرا منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان" صدق الله العظيم وقال تعالي أيضا "يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن إثم وهنا البعض" لها دلالة كبيرة لهذا الظن السيء، ومن ثم يلزمنا ديننا علي حسن الظن بالآخرين فهذا الوليد بن عقبة بن أبي معيط صاحب رسول الله أرسله النبي صلي الله عليه وسلم إلي بعض بني المستطلق لجمع أموال الزكاه وكان بينه وبينهم شحناء قبل الاسلام فرأهم قد لبسوا السلاح فعاد إلي الرسول وظن أنهم يريدون قتلة وبمعاتبة الرسول لهم أخبروه صلي الله عليه وسلم بأنهم لبسوا السلاح تكريما له لقدومه من عند رسول الله ونزل قوله تعالي "يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين" فالأصل في التعامل يكون علي مبدأ الأخوة "المؤمنون أولياء بعض" وكأنهم أشقاء اقوله صلي الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي"، فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره" وقوله صلي الله عليه وسلم فيما معناه لا يبيع أحدكم علي بيع أخيه ولا يخطب علي خطبته وكونوا عباد الله اخوانا، فنري أن الإسلام أمر بحسن الظن بالأخرين لأن سوء الظن يؤدي إلي سيلان الدماء لقتلي ومصابين وهذا ما يحدث منذ ثورة 25يناير وحتي الآن. وهذا من ثمرات سوء الظن. ويطالب الشيخ البدري بحسن الظن في المسلمين والمسيحيين والعلمانيين والليبراليين استجابة لما دعا إليه الاسلام والذي سمح بالتعدد وليس أدل علي ذلك من وثيقة المدينة التي قررت حق المواطنة لكل إنسان كان بالمدينةالمنورة قبل قدوم المصطفي صلي الله عليه وسلم. ويؤكد الشيخ السيد الهادي من علماء الأزهر أهمية حسن الظن بين المسلمين وبعضهم ولا يكون سوء الظن بين أحد إلا إذا تبين ذلك بدليل قول الرسول صلي الله عليه وسلم "ثلاث لازمات لأمتي الطيرة والظن والحسد" قالوا يارسول الله ما كفارتها قال: "إذا تطيرت فأمضي وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فاستغفر" ويشير الحديث الشريف إلي أن الظن من لوازم كثير من الناس فلا يتبع أهواءه وعلي الانسان أن يتيقن لقوله "إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" فالتبين والثبات من لوازم الايمان حتي نغلق باب سوء الظن لأن حسن الظن يدعو إلي استقرار المجتمع وهو من أنواع ستر المسلم لأخيه المسلم ولا يحكم إلا من خلال العمل "إنما الأعمال بالنيات فلا دخل لي بالنية والتي محلها القلب ولا يطلع عليها إلا الله. ومن جانبه يرجع الشيخ رضا حشاد من علماء الأزهر سوء الظن إلي سوء النية وعدم التثبات علي المبدأ الصحيح في الحكم علي الأشخاص واتباع الهوي وهو مما لا شك فيه يوقع في سوء الظن الذي لا دليل عليه لأن حب الشيء يعمي ويصم والوقوع في الشبهات بقصد أو غير قصد، فهذا رسول الله عندما شاهداه صحابيان مع زوجته صفية بنت حيي قال لهما علي رسلكما أنها صفية زوجتي حتي لا تقع في الشبهات ويصبح مثار ظن لدي البعض من ضعاف النفوس، كما أن عدم مراعاة آداب التناجي من أحد الاسباب أيضا لقوله إذ كنتم ثلاثة فلا يتناجي اثنان دون الآخر حتي تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه" بالاضافة للوقوع في المعاصي والسيئات بالمجاهرة فيفتح الباب للظن السييء به كما أن نسيان الحاضر النظيف والوقوع مع الماضي السييء من أحد أسباب الوقوع في ظن السوء لقوله "إلا من تاب وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات".