قليلون أولئك الذين عاشوا حياتهم في ظلال القرآن يتتبعون أسراره ويحاولون تدبر معانيه ويجاهدون في الوصول إلي تفسير آياته ومعانيه ولكن تبقي حلاوته وطلاوته علوا في المقام والمقامة لا يعلو عليه إنسان يعتبره المؤرخون أحد أئمة التابعين والمفسرين., وكانوا يقولون عنه إنه كان أعلم أهل زمانه بالتفسير, وقد عرف بالتقوي والورع والخوف من الله والعمل ليوم تشخص فيه الأبصار, وكان أحد أوعية وأدعية العلم. وكان أعلم من بقي بالتفسير حتي قيل إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس. وهو مجاهد بن جبير المكي, أبو الحجاج القرشي المخزومي, مولي السائب بن أبي السائب المخزومي ولد سنة21 ه, وكان كثير الأسفار والرحلات, فقد سافر إلي مصر وعاش فيها مدة من الزمن, ثم سافر إلي الكوفة وظل فيها فترة, وسافر إلي اليمن للتأمل. وأخذ مجاهد العلم عن أعلام الصحابة وعلمائهم عن ابن عمر, وأبي هريرة وابن عمرو وأبي سعيد ورافع بن خديج وعنه خلق من التابعين. وتتلمذ علي يديه خلق كثير منهم عكرمة مولي ابن عباس, وعطاء بن ابي رباح, وعمرو بن دينار وأبو الزبير والحكم بن عتيبة وابن أبي نجيح ومنصور بن المعتمر وسليمان الأعمش وأيوب السختياني وابن عون وعمر بن ذر ومعروف بن متشكان, وقتادة بن دعامة والفضل بن ميمون وابراهيم بن مهاجر وحميد الأرج وبكير بن الأخنس والحسن الفقيمي وخصيف وسليمان الأحول وسيف بن سليمان وعبد الكريم والجزري وأبو حصين والعوام بن حوشب وفطر بن خليفة والنضر بن عربي. ويعد تفسير مجاهد من أهم التفاسير وهو تفسير مطبوع ومتداول بين أهل العلم, وهو أيضا يدل علي مكانة هذا العالم الجليل فهذا التفسير يعد أثرا من آثار السلف الصالح, التي تدلنا علي سيرهم المتواصل في حقل تبيينهم لكتاب ربهم, وتدعونا إلي ألا نألو جهدا في تدبر القرآن. من أقوال الامام مجاهد بن جبير: من أعز نفسه أذل دينه ومن أذل نفسه أعز دينه. وقال: إن الله ليصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده,.. وقال أيضا: الفقيه من يخاف الله وإن قل علمه, والجاهل من عصي الله وإن كثر علمه, والعبد إذا أقبل علي الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه. صنف مجاهد تفسير القرآن, وكان مجاهد من أهل الاستنباط والاجتهاد والحرية العقلية, فربما بصرف النصوص عن ظاهرها كتأويل المسخ قردة بمسخ القلوب, وقد عرضه ذلك لاحقا لشيء من الانتقاد, وما كان ذلك لينقص من قدره, فعليه اعتماد الشافعي في التفسير, وكذا البخاري في صحيحه. وجاء في كنز العمال أنه قدم عمرو بن العاص علي عمر بن الخطاب, فسأله عمر: من استخلفت علي مصر؟ قال: مجاهد بن جبير. فقال له عمر: مولي ابنة غزوان. قال نعم, إنه كاتب. فقال عمر: إن العلم ليرفع بصاحبه. وقال عنه الذهبي: هوشيخ القراء والمفسرين من شيوخه ابن عباس الذي نهل من علمه وقرأ عليه القرآن وأخذ العلم عن أعلام الصحابة وعلمائهم عن ابن عمر, وأبي هريرة وابن عمرو وأبي سعيد ورافع بن خديج وعنه خلق من التابعين وقال عنه الثوري: خذوا التفسير علي أربعة: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير. وقال قتادة أعلم من بقي بالتفسير مجاهد. وعن وفاته قال الفضل بن دكين: مات مجاهد سنة اثنتين ومائة يوم السبت وهو ساجد. وقال يوسف بن سليمان: توفي مجاهد بمكة سنة ثلاث ومائة. وعن يحيي بن سعيد قال: مات مجاهد سنة أربع ومائة. وقال ابن جريج: بلغ مجاهد يوم مات ثلاثا وثمانين سنة رحمه الله تعالي.