ثلاث جرائم قتل غامضة تمت ليل الأربعاء الماضي بالمعهد الكردي في العاصمة الفرنسية باريس هن سكينة كانسيز وفيدان دوجان وليلي سويليميز بثلاث رصاصات من مسدس كاتم للصوت سكنت رءوسهن بغرض إسكاتهن إلي الأبد. جريمة قتل جنائية ذات أبعاد سياسية معقدة. من القاتل؟ وما هي الدوافع؟ ومن صاحب المصلحة في تغييبهن؟ أسئلة بالغة الصعوبة. 4 عواصم تحاول إلقاء مسئولية الاغتيال علي الأخري, وتسعي لغسل يديها منها, والتبرؤ من ارتكابها لأنها ليست مجرد جرائم قتل عادية, وإنما ورائها أسرار قد تستغرق وقتا طويلا قبل الكشف عنها. محللون استراتيجيون, وخبراء جنائيون, وشرطة باريس, وأجهزة مخابرات كبري تبحث عن خيط واحد يفيد في التوصل إلي الجاني الحقيقي. جدل علي صفحات الجرائد, واجتهادات من كتاب وصحفيين, وبرامج حوارية علي شاشات التلفزة تناقش الجريمة اللغز, وافتراضات وأطروحات لا تنتهي.. لم تنته إلي شيء محدد. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن الهدف من هذه الجريمة ربما كان عرقلة مفاوضات السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني. الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند وصف الحادث ب البشع مشيرا إلي أنه يعرف واحدة من الضحايا ويعرفها أيضا الكثير من السياسيين. أردوغان انتقد أولوند في تصريح تليفزيوني وطالبه بتفسير فوري للأسباب التي تدفعه لإجراء اتصالات مع هؤلاء الإرهابيين علي حد قوله. أرشد هرمزلو كبير مستشاري الرئيس التركي عبد الله جل أشار إلي وجود فرضيات كثيرة بهذه الجريمة البشعة ليس من بينها تورط تركيا في ارتكابها لأنها ليست المستفيدة من الجريمة في ضوء دعوات الانفتاح والمحاولات الجادة لتسوية الصراع مع ما وصفه بالإرهاب في إشارة منه لحزب العمال الكردستاني وتحقيق سلام اجتماعي كامل. وأوضح أنه يمكن أن يكون هناك جناح لا يريد السلام للمجتمع التركي لاستفادته من جو الإرهاب, وأكد أن هذه الجريمة البشعة لن تؤثر علي العلاقات بين باريس وأنقرة لأن الأخيرة خبرت هذه السياسات من بعض الدول الأوروبية وعلاقتها بحزب العمال. صحف تركية عديدة من بينها صحيفة أكشام سارعت بإلقاء اللوم علي إيران وإلصاق التهمة بها بعدما ذكرت أن الأعمال الاستخباراتية جارية للتوصل لهوية المجرم.. وعزت ذلك إلي ما وصفته برغبة طهران في نشر الفوضي في تركيا بسبب موقفها المناهض لها ولحليفتها سوريا, مؤكدة أن تقييمات جهاز المخابرات الفرنسية الحالية تسير في اتجاه تورط جهاز احدي الدول في عملية الاغتيال لتؤيد تحليلها وذلك في ضوء تنفيذ إيران للعديد من عمليات الاغتيال الأخري في فرنسا للتخلص من مناهضيها هناك وفقا لمصادر أمنية لم تكشف عنها. المصادر نفسها ذكرت للصحيفة أن أنقرة قدمت قبل شهرين قائمة للسلطات الأمنية والقضائية الفرنسية بإعادة144 شخصا من فرنسا, وضعهم مشابه لوضعية القتيلة سكينة جانسز وهي إحدي مؤسسات حزب العمال الكردستاني, لكن السلطات الفرنسية لم تستجب للطلب التركي. فرنسا رفضت أيضا وفقا ل أكشام مقترحا أمنيا تركيا بالتعاون الاستخباراتي للوصول لهوية القاتل مما اضطر الأمن التركي لمتابعة التطورات الجارية عن كثب. وأوضحت المصادر أن هناك علاقات وطيدة بين سكينة جانسز وجهازي الاستخبارات الفرنسي والألماني واتصالات مع القتيلتين الأخريين في باريس. بينما أجمع أعضاء منظمة حزب العمال الكردستاني الذين يمضون عقوبات في السجون الفرنسية علي اتهام تركيا خلال التحقيقات التي أجرتها معهم وحدة مكافحة الإرهاب الفرنسية التي شكلتها باريس لكشف غموض الحادث, إلا أن الوحدة الفرنسية لم تأخذ هذه الادعاءات بعين الاعتبار. محلل تركي آخر هو البروفيسور أرجان جيفتلي أوجلو رئيس مركز بحوث الأمن الدولي والإستراتيجي لجامعة بهشلي افلر بإسطنبول اتهم إسرائيل بتدبير الحادث, مؤكدا أن توتر العلاقات التركية الصهيونية دفع تل أبيب لاستغلال المشكلة الكردية ضد أنقرة لإرغامها علي التقارب مجددا بعد الجمود الذي لحق بعلاقاتهما بسبب الهجوم الإسرائيلي علي أسطول الحرية التركي الذي أسفر عن مقتل9 أتراك علي سطح السفينة التركية مرمرة. آلاف الاكراد تظاهروا في أوروبا تحت المطر ووسط غابة من الإعلام التي حمل الكثير منها صورة عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا منذ1999 معبرين عن غضبهم واستنكارهم لمقتل الناشطات الثلاث, وحملوا باريس جزءا من المسئولية لعدم توصلها حتي الآن للجناة, واعتبروها متواطئة في الجريمة.