يأخذ التصنيع سياسات متنوعة, فهناك التصنيع الذي يتم للسوق المحلية عن طريق الإحلال محل الواردات وهناك التصنيع عن طريق قيادة الصناعات التصديرية. وفي مجال إنتاج حديد التسليح انتهجت مصر سياسة التصنيع للسوق المحلية بالإحلال محل حديد التسليح المستورد ويتم تنفيذ هذه السياسة من خلال إجراءات حمائية للمنتج المحلي حتي يستطيع منافسة المنتج المستورد من الخارج مثل الرسوم الجمركية والرسوم الوقائية. منذ أيام قليلة أصدر السيد وزير الصناعة والتجارة الخارجية قرارا بفرض رسوم وقائية علي حديد التسليح المستورد من الخارج بنسبة6.8% بحد أدني299 جنيها للطن وجاء هذا القرار بناء علي طلب أصحاب مصانع حديد التسليح لحماية المنتج المحلي من المنافسة الأجنبية وتشير الأرقام المعلنة للإنتاج والاستهلاك من حديد التسليح إلي أن إنتاج مصر من هذه السلعة يبلغ نحو6.5 مليون طن بينما تصل الاحتياجات إلي حوالي6.3 مليون طن, ويعني ذلك أن الإنتاج المحلي يفوق احتياجات السوق وتعني المطالبة بفرض رسوم وقائية أن سعر المنتج المحلي غير قادر علي منافسة المنتج المستورد من حديد التسليح وهنا تثور عدة تساؤلات حول سياسة هذه الصناعة وفرض الرسوم الوقائية لحمايتها فهل فرض الرسوم الوقائية هو العلاج الأمثل للصناعة الوطنية لحديد التسليح؟ ولماذا يزيد سعر الطن من حديد التسليح المنتج محليا عن نظيره المستورد؟ خاصة وأن سعر المستورد يشمل ربح المنتج الأجنبي وعمولات الوسطاء وتكلفة الشحن والتأمين والرسوم الجمركية وإلي متي تتم حماية هذه الصناعة ضد المنافسة الأجنبية؟ ولماذا يتحمل المستهلك ارتفاع تكلفة المنتج المحلي؟ ومتي تصبح هذه الصناعة قادرة علي منافسة المستورد في السوق المحلية وقادرة علي التصدير والمنافسة في السوق العالمية؟ إن سياسة إحلال الواردات والإجراءات الحمائية المرتبطة بها إنما تتخذ في بداية حياة الصناعة وخلال مرحلة الطفولة التي تكون فيها الصناعة ضعيفة وغير قادرة علي المنافسة في الداخل وفي الخارج ولكن ليس إلي الأبد إن الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الحمائية لصناعة حديد التسليح من شأنه أن يبقي علي هذه الصناعة ضعيفة غير قادرة علي المنافسة الداخلية للمستورد أو المنافسة الخارجية في السوق العالمية. كل هذه التساؤلات والاعتبارات تفرض علينا دراسة اقتصاديات هذه الصناعة في السوق المحلية وأسباب ارتفاع تكلفة الإنتاج وهامش الربح الذي يحصل عليه المنتج علي أن تهدف هذه الدراسة إلي وضع خطة لتطوير هذه الصناعة وتحولها من صناعة إحلال الواردات إلي صناعة تصديرية تعمل في المقام الأول إلي التصدير فالتصنيع من أجل التصدير يتميز بعدة مميزات مهمة في مجال التنمية الاقتصادية فهو يؤدي إلي تخطي عقبة ضيق نطاق السوق التي تحول دون نمو الصناعة كذلك يترتب علي التصنيع للتصدير التخفيف من عبء الاستيراد علي ميزان المدفوعات وموارد النقد الأجنبي ومن ثم مزايا التصنيع للتصدير أنه يؤدي بتعريض الصناعة الوطنية للمنافسة العالمية إلي إجبار هذه الصناعة علي العمل للوصول إلي مستويات مرتفعة من الكفاءة الانتاجية والارتفاع بمستوي نوعية السلعة المنتجة ويترتب علي ذلك أن تقيم الصناعة نوعا من الحماية الذاتية ضد انخفاض الكفاءة الإنتاجية والممارسات الاحتكارية التي تتعرض لها الصناعات عادة عندما تكون السوق المحلية صغيرة وفي ظل حماية كبيرة. إن الحل الأمثل لمشكلة صناعة حديد التسليح في مصر ليس في فرض رسوم وقائية واتخاذ إجراءات حمائية لهذه الصناعة إلي الأبد ولكن الحل الأمثل يكمن في تطوير هذه الصناعة من إحلال الواردات إلي التصدير وتمكينها من المنافسة في السوق المحلية للحديد المستورد والمنافسة في السوق العالمية أيضا بهذه الخطة وحدها يمكن علاج مشكلة صناعة حديد التسليح وزيادة الطاقة الإنتاجية لها وزيادة الاستثمارات الموجهة إليها. وتعتمد هذه الخطة علي دراسة تكلفة الإنتاج وعناصرها والتكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج والمهارات الفنية للعمالة القائمة كذلك تكلفة التمويل وكيفية علاجها إذا كانت مرتفعة ودراسة الأسواق العالمية ومراكز الإنتاج ومنافذ التسويق وقنوات وخطط التسويق في الخارج لذلك يجب ان يشترط للاستثمارات الجديدة في صناعة حديد التسليح أن توجه أساسا للتصدير وليس للسوق المحلية وتوجيه المستثمرين الجدد إلي هذه الغاية وتوفير كل الامكانات والظروف لهؤلاء المستثمرين لتطوير هذه الصناعة وجعلها صناعة تصديرية. رابط دائم :