تحليل إخباري: عبدالناصر عارف: هل تحتاج بعض القطاعات الصناعية المصرية إلي إجراءات حمائية؟ ما نوعيتها وإلي أي مدي؟ وهل تصب الإجراءات الحمائية في مصلحة الصناعة ومستقبلها؟ وكيف تؤثر علي المستهلك وعلي التصدير؟ هذه التساؤلات تطرح نفسها عقب صدور عدد من الإجراءات الحمائية اتخذتها وزارة الصناعة والتجارة الخارجية في قطاعات الصناعات الكيماوية والغزل والمنسوجات, وتتمثل في فرض رسوم اغراق علي الواردات من بعض الخامات الوسيطة( البولي بروبلين) وإتخاذ إجراءات أخري مانعة للاستيراد. كل هذا تم طبعا بهدف حماية الصناعة المحلية ولكن الحقيقة ان هذه الإجراءات استهدفت حماية قلة من المنتجين غير القادرين علي المنافسة لأسباب مختلفة, وفي محاولة موضوعية للوصول إلي مدي استفادة الصناعة المحلية من هذه الإجراءات الحمائية ومدي نجاعها ومردودها الاقتصادي علي الصناعة نطرح الآتي: أولا: قال لي أحد أصحاب مصانع المنتجات البلاستيكية إن المنتج المحلي للبولي بروبلين رفع سعره في حدود20% بعد توقيع الاتفاق السعري وفرض رسوم اغراق علي المثيل المستورد وهذا من شأنه أن يزيد من تكلفة المنتجات المحلية التي سيتحملها في النهاية المستهلكون أو تقلل من فرص التصدير, وبالتالي المستفيد الوحيد من هذه الإجراءات هو مصنع واحد غير قادر علي المنافسة في مقابل تضرر كل قطاع المنتجات البلاستيكية. ثانيا: الاتفاق السعري والذي كانت للأسف شاهدة عليه الحكومة ممثلة في وزارة الصناعة والتجارة يوقع جميع أطرافه في شبهة الممارسات الاحتكارية طبقا لقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والذي يمنع مثل هذه الاتفاقات الا وقفا لضوابط معينة وفي السلع الأساسية فقط. ثالثا: ان فرض رسوم اغراق علي وارداتنا من بعض الدول دون الالتزام بالضوابط المنظمة دوليا قد يدفع هذه الدول إلي إتخاذ إجراءات عقابية علي صادراتنا لتلك الدول وهو ما حدث قبل ذلك حيث فرضت المملكة العربية السعودية إجراءات مانعة لدخول الصادرات المصرية ردا علي فرض رسوم اغراق علي منتجات شركة سابك السعودية ومنها البولي بروبلين, كما أن هذه الإجراءات قد تحرم الصناعة المصرية من الاستفادة من استخدام المواد الوسيطة المكونات الرخيصة في الوقت الذي تستفيد منها الصناعات العالمية الأخري مما يقلل من تنافسية المنتجات النهائية المصرية سواء في أسواق التصدير أو الأسواق المحلية, وهذا يمكن أن يدفع المنتجين المصريين إلي التحول لاستيراد المنتجات النهائية بدلا من تصنيعها محليا بتكلفة عالية مع ما سيترتب علي هذا من تسريح للعمالة وخسارة للاقتصاد القومي. أما في حالة قطاع الغزل والمنسوجات فيضاف إلي كل ما سبق أن هذه الصناعة من الصناعات العريقة في مصر والحماية لا تكون إلا للصناعات الوليدة أما ان نلجأ إلي حماية صناعة من أقدم الصناعات في مصر والتي ظلت تحظي بحماية امتدت إلي عشرات السنين فهذا أكبر دليل علي أن الحماية فشلت في تطوير وتقدم هذه الصناعة, وكما قال لي أحد مصنعي الملابس الجاهزة المخصصة للتصدير ان هذه الإجراءات تزيد من التهريب, لأننا مثلا نستخدم أقمشة ومنسوجات لا يتم إنتاجها محليا وتم فرض رسوم اغراق مرتفعة علي الواردات فليس أمامنا الا المهربون للحصول علي احتياجاتنا من المنسوجات التي تعاقدنا مع زبائننا في الأسواق الخارجية علي استخدامها في الملابس المصدرة!! أما حجة حماية مزارعي القطن المصري وصناعة الغزل الوطنية فمردود عليها بان القطن المصري طويل التيلة لا يحتاج إلي حماية وانما يحتاج إلي تسويق وترويج دولي لانه يستخدم للملابس عالية القيمة والجودة وليس في المبلابس الشعبية الرخيصة. فعلا إن من الحماية ما تعتل في الصناعة بل وقد تكون كالدابة التي قتلت صاحبها. الحماية مطلوبة فقط من الممارسات التجارية غير المشروعة والضارة ولكن وفقا للضوابط والمعايير المنظمة لها, أما الحماية من المنافسة المشروعة فانها تؤدي إلي الموت البطيء للصناعة الوطنية وتضر الاقتصاد القومي ولا يستفيد منها الا الكسالي والمغامرون. وهكذا فإن الاسراف في الإجراءات الحمائية قد يؤدي إلي العكس تماما.. فبدلا من إنقاذ الصناعة فإن ذلك قد يؤدي إلي موتها أو اصابتها بالعاهات المستديمة فالحماية للصناعة كالدواء يجب أن يكون بمقدار وفي حالة الضرورة فقط.