هل يجوز الانشغال بالصخب والحراك الحاصل في الشارع المصري ونضع أيدينا علي اعيننا وأذاننا ونتجاهل احداثا بالغة الخطورة تقود المنطقة التي نعيش فيها إلي مواجهة قد تكون نووية في سابق هي الأولي بعد كارثتي هيروشيما ونجازاكي؟ الرياح القادمة من واشنطن هذه الأيام لا تبشر بالخير.. ليس فقط لتصاعد وتيرة الانتقادات الامريكية تجاة إيران علي خلفية ملفها النووي, وإنما لأسباب أخري وجوهرية باتت تتعلق بمصداقية ادارة اوباما ومدي قدرتها علي تحقيق وصيانة مقومات الأمن القومي الأمريكي في ضوء اخفاقات متتالية لم تعد خافية علي احد بل وأصبحت مجالا واسعا للهجوم علي الرئيس سواء من الحزب الجمهوري ومن القوي الفاعلة والنشيطة والتي تملك التأثير في الرأي العام وتأتي في المقدمة بطبيعة الحال منظمة الايباك والأسباب مفهومة ومعروفة. يخطيء من يعتقد ان معاناة سيد البيت الأبيض تنحصر في الأزمة المالية التي استقبلته فور توليه مسئولياته, وكان عليه ان يبدأ بها محاولا انقاذ المؤسسات العملاقة التي اوشكت علي الانهيار ولاتزال اثارها المدمرة تنال من البنوك التي لاتزال تتساقط بفعل الاهتزازات المرتدة. وإذا كان صحيحا ان المؤشرات تتجه إلي نوع من التفاؤل الحذر الا ان الضربة القاسية التي تعرض لها النظام الرأسمالي من خلال تدخل الدولة قد فرضت تساؤلات علي المدي البعيد حول قابلية الحلم الامريكي للاستمرار والنمو واعطاء النموذج الذي يحتذي, وكلها اسئلة مشروعة لاتجد اجابات شافية ومقنعة حتي الآن. ولكن الجانب الاقتصادي علي أهميته لا يخفي حالة الإفلاس السياسي التي تواجه صانع القرار في أقوي دولة في العالم. وعلي الرغم من البداية المشجعة والآفاق الواسعة والأمال العريضة التي استقبلت بها شعوب العالم الرئيس أوباما نتيجة الرؤية التي طرحها اثناء حملته الانتخابية واصراره علي إصلاح ما افسده بوش, وقيامه بجولات قادته إلي اكثر المناطق سخونة وهي منطقة الشرق الأوسط حيث اختار القاهرة ليوجه من خلالها خطابه إلي الأمة الاسلامية فاتحا صفحة جديدة, وملتزما باحياء عملية السلام والوصول إلي الدولة الفلسطينية كاملة الاركان والقابلة للحياة, الا ان ذلك كله يبدو الآن بعيدا عن الواقع حيث سارعت اسرائيل إلي وضع قضية المستوطنات لتكون الصخرة التي تتحطم فوقها جميع الجهود وذلك عن قصد وحتي لا تضطر إلي دفع بقية استحقاق السلام العادل المنشود. ويصل الأمر بالحكومة الاسرائيلية اليمينية المتشددة إلي تعمد توجيه الاهانات المتكررة للإدارة الامريكية حين استقبلت بايدن بالاعلان عن اقامة مساكن جديدة بالقدس, وحين أعلن نتانياهو في واشنطن وعلي مسمع من اوباما ووسط حشد من مؤيدي اسرائيل في الايباك ان القدس ليست مستوطنة وانما هي عاصمة اسرائيل. ومع التسليم بان احياء عملية السلام تمثل- وباستحقاق- الخطوة الاولي والحتمية لحل بقية الملفات المعلقة بالمنطقة الا ان الاخفاق الامريكي لم يقتصر عليها وانما امتد إلي تلك الملفات بالنظر إلي ارتفاع وتيره العنف بالعراق عقب الانتخابات والمؤشرات الواضحة لسيطرة ايران علي التفاعلات الراهنة علي الساحة السياسية مما ادي إلي زيارات معلنة لقادة الاحزاب إلي طهران للنقاش حول تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء. وفي افغانستان تتصاعد العمليات العسكرية دون ان تبدو في الافق علامات لانجاز كبير للقضاء علي الجماعات المسلحة التي تواصل انتشارها مثل الخلايا السرطانية وتهدد دولة نووية هي باكستان. وحتي المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة النووية التي وقعها اوباما مؤخرا مع الرئيس الروسي في براغ فقد اعتبرها الكثير من المراقبين جولة مستحقة لموسكو التي نالت في مقابل التوقيع تخلي واشنطن عن نشر منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا. وتظهر علامات الإفلاس السياسي واضحة وجليه في الدور المتزايد التي تقوم به الأطراف الدولية في العديد من الازمات والملفات, وأصبحت التصريحات الصادرة عن ميركل وساركوزي وبيرلسكوني تعبرعن مواقف اكثر استقلالية دون شبهة التبعية لواشنطن ونستطيع في هذا المجال ان نرصد ايضا السلوك التركي الذي ابتعد كثيرا عن العباءة الامريكية. هذه الاخفاقات المتتالية التي ترصدها الدوائر السياسية والاعلامية داخل الولاياتالمتحدة وخارجها جعلت من الملف النووي الايراني الخط الفاصل الذي يحسم مستقبل اوباما في البيت الأبيض, ولا نبالغ في القول إن تصريحات الرئيس الامريكي خلال الأيام الماضية قد وضعت مستقبل بلاده وامنها في الكفة المقابلة للسعي الايراني لامتلاك الاسلحة النووية. ولذلك نراه ولأول مرة يخلع ثوب الحكمة والحذر عندما وجه تهديدا صريحا بضرب ايران حتي ولو جاء ذلك بالسلاح النووي, وسارعت طهران بتقديم شكوي للأمم المتحدة لان مثل هذه التهديدات يجب التعامل معها بكل الجدية المطلوبة. وتزداد الاثارة والخطورة معا في تصريحات رئيس البرلمان الروسي التي أكد فيها ان لدي الولاياتالمتحدة واسرائيل خطة لضرب المنشآت النووية الايرانية. ومع الإدراك الكامل بان إدارة اوباما علي وعي تام بالآثار الكارثية التي يمكن ان تحدثها مثل هذه الضربة خاصة علي منطقة الخليج التي تعد الشريان الرئيسي لامدادات الطاقة لها ولاوروبا وايضا لوجود عدد هائل من قواتها في العراق لم يتسع الوقت لإعادتهم إلي بلدهم, فإن للقضية وجها آخر يتمثل في اسرائيل التي قامت عن عمد باحراق الجسور. مع واشنطن لتحقيق هدفين رئيسيين أولهما الخروج من دائرة الضغوط المتعلقة بعملية السلام, والهدف الثاني وهو الأهم من وجهة النظر الاسرائيلية هو التحرك بحرية كاملة في التعامل مع إيران بعيدا عن الحذر الامريكي. وعلينا دائما التذكر بان في اسرائيل حكومة حرب تتكون من اشد الاحزاب وأكثرها تطرفا وتشددا ولن تقبل بالانسحاب من الأراضي المحتلة, ولن تقبل الانتظار لحين امتلاك إيران السلاح النووي. السباق مع الزمن هو العنصر الضاغط علي نتانياهو وهناك تسريبات بان الاستعدادات قد اكتملت من خلال مناورات قامت بها الطائرات الاسرائيلية للتدريب علي القصف وعلي مسافات تماثل المهمة المطلوبة. ويكتمل المشهد في إيران ذاتها التي تعلن كل يوم عن اسلحة جديدة قادرة علي ضرب السفن والمنشآت في منطقة الخليج ولا يتردد القادة الايرانيون في التأكيد بان أي ضربة ضد بلادهم سوف تحرق المنطقة بكاملها. ويبقي السؤال.. متي تكون الضربة, ولماذا نقول إن العد التنازلي لها قد بدأ بالفعل؟ والإجابة إن اوباما الذي يعاني من فشله في حشد تحالف دولي كما حدث في الحالة العراقية, يدرك ايضا ان مجلس الأمن لن يكون معه بالنظر إلي الفيتو الصيني والروسي المتوقع, لذلك يحاول اقناع العالم في القمة النووية التي دعا إليها في واشنطن بان امتلاك طهران لمثل هذا السلاح يعني سهولة وصوله إلي الجماعات الارهابية, وبالتالي يبريء ساحته ويضع الجميع أمام خيارات اولها فرض عقوبات قاسية سوف تعترض عليها بكين وموسكو, ولا يجد امامه الا الخيار العسكري الذي تدعوه اليه اسرائيل. والبقية سهلة ومعروفة حيث يمكن تهيئة العالم لتلك الضربة من خلال احداث سريعة ومتتالية واستغلال رد الفعل الايراني المتشدد للقيام بالهجوم بعد عملية استدراج قد تبدأ بجنوب لبنان أو تتجه مباشرة إلي المفاعلات النووية. وأيا كانت الوسيلة والمبررات فإن النتائج الوخيمة لن تقتصر علي إيران وحدها. أليس كذلك؟ [email protected]