وزيرة التخطيط: لا تراجع عن استمرار الإصلاح الاقتصادى لزيادة الإنتاج والتصدير    سعر الذهب اليوم الخميس 25-12-2025.. عيار21 يسجل 5970 جنيها    نصف مليار في صفقة واحدة.. نوران للسكر تشعل سوق خارج المقصورة اليوم    اغتيال عنصر فيلق القدس الإيراني بلبنان حسين محمود مرشاد الجوهري    إصابة شابين فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي وهجمات المستوطنين    الخارجية الروسية: الاتحاد الأوروبي يراهن على تصعيد الصراع الأوكراني من أجل المال    البنك الأهلى يتقدم على الجونة 1-0 فى الشوط الأول    محافظ الدقهلية يتفقد سوق الخواجات ويشدد على إصدار قرارات غلق للمحال    بسبب الكلاب الضالة.. ضبط شخصين تعديا على جارهما في المنتزه    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة لمجلس النواب    رئيس جامعة كفرالشيخ يلتقي بالطلاب الوافدين ويؤكد الحرص على تقديم بيئة متميزة    روسيا: نحلل خطة السلام الأمريكية بشأن أوكرانيا    إغلاق موقع إلكتروني مُزوّر لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    المنيا تنفرد بتطبيق نظام الباركود للمحاصيل الحقلية    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    فيديو.. سرب مكون من 8 مقاتلات حربية إسرائيلية يحلق فوق جنوب وشرق لبنان    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    قطع المياه عن المنطقة المحصورة بين شارعي الهرم وفيصل غدا    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    رفع آثار انقلاب سيارة ربع نقل محملة بالموز وإعادة الحركة بالطريق الزراعي في طوخ    برلماني: الوطنية للانتخابات وضعت خارطة طريق "العبور الآمن" للدولة المصرية    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    إيرادات الأفلام.. طلقني يزيح الست من صدارة شباك التذاكر وخريطة رأس السنة يحتل المركز الخامس    وزارة الثقافة تنظم "مهرجان الكريسماس بالعربي" على مسارح دار الأوبرا    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    مدينة الأبحاث العلمية تفتتح المعرض التمهيدي لطلاب STEM المؤهل للمعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF–2026    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    حسام حسن: ⁠طريقة لعب جنوب أفريقيا مثل الأندية.. وجاهزون لها ولا نخشى أحد    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    ضبط 14 ألف و400 صاروخ ألعاب نارية تحت التصنيع وكمية من فتيل الصواريخ محظور تداولها بالأسواق بالفيوم    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    لم يرحم إعاقته، القبض على مدرس لغة عربية هتك عرض تلميذ في الهرم    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل استقرار مصر مهدد؟

في الطريق إلي باريس، ومنها إلي واشنطن، حيث يقضي الرئيس مبارك وقتا ليس بالطويل، يلتقي خلاله بالرئيس أوباما وعدد من المعنيين أطراف عملية السلام، وحيث يلقي خطابا مهما و(قويا) في افتتاح المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. يسافر الرئيس ثم يعود إلي الوطن.. في واحدة من رحلات العمل الشاقة علي قصر مدتها.. ولكن المشقة كلمة ليست موجودة في قاموس مبارك الذي عكف علي العمل العام منذ ستين عاما دونما توقف وبقدرة تحمد له وإخلاص لابد من الاقتداء به.
قبل أن يسافر الرئيس حيث يواصل عمله التاريخي من أجل القضية الفلسطينية، كان أن أصدر قرارا تاريخيا في يوم الأربعاء الماضي، ببدء العمل في البرنامج النووي المصري، سلمي الغرض والطوي، وهي خطوة اشرأبت إليها أنظار الجماهير منذ أعلن التوجه نحوها في العام 2007، وصولا إلي عمليات التجهيز التي جرت خلال الأعوام الماضية لإعداد البنية التحتية النووية الأولية.. قانونيا وعمليا وفنيا وتمويليا.. قبل أن يتم اتخاذ القرار بطريقة متأنية.. ومن أجل تلبية احتياجات الطاقة للأجيال الحالية والتالية.
العمل علي مسارات متوازية، برؤية شاملة غير جزئية، تراعي التوازنات المجتمعية داخل البلد، والتعقيدات الإقليمية من حوله، منتبها إلي البعد التاريخي.. إن كان ماضاويًا أو مستقبليًا.. وبجهد لاينقطع.. واستجابة فورية لانشغالات واحتياجات الرأي العام.. وبحكمة أصيلة وخبرة حصدت قدرا هائلا من النضج.. كل هذا هو من مواصفات مبارك وأدائه وأسلوبه كزعيم.. الذي يتمتع بشرعية قانونية ودستورية موثوقة.. توازيها شرعية قلبية ونفسية وعقلية تعتمر بها صدور المصريين.
- قرار مدروس
الخطوة التي أقرت يوم الأربعاء، في اتجاه البرنامج النووي المصري، هي واحدة من الأعمال التي تجسد طبيعة المنهج الذي يتبناه الرئيس، ويمثل عقيدته العملية، فقد تخيل البعض أن المستهدف من الإقدام علي هذا التوجه في عام 2007 هو كسب أصوات الناخبين، وتلبية الشعارات العاطفية.. لكن التؤده التي أدير بها الأمر.. وعبوره بمراحل مختلفة من الدراسات.. وعدم القفز علي مراحل واجبة.. إنما يدل علي أن استجداء المشاعر ليس هو الهدف.. وإنما المقصد هو السعي إلي تحقيق المصالح الوطنية الأعم.. في التوقيت الملائم وليس قبل ذلك مهما كانت النتائج المؤقتة.
إن كثيرا من الدول العربية نحت في هذا الاتجاه بعد أن أعلنت مصر عن ذلك قبل ثلاث سنوات، ما يمثل أمرا طبيعيا ويعكس الريادة المصرية والطاقة التي تقدمها القاهرة لأي تحركات إقليمية حتي لو كانت في هذا المسار العلمي الساعي إلي توفير مصادر جديدة للطاقة.
كما أن الإصرار علي استكمال البنية التحتية النووية يشير إلي القواعد التي اتبعها الرئيس في كل أعماله الوطنية، إذ لايمكن بلوغ الهدف قبل شق الطريق، كما أنه لايمكن الصعود إلي القمة بدون بناء القواعد المؤسسة، وهو ما لم يفعله مبارك فقط في البرنامج النووي المصري وحده.. بل كانت تلك طبيعة منهجه المستمر في كل مجال.. ومن ثم فإن القول بأن مصر لا تبدأ في المجال النووي من فراغ هو كلام سليم وله مدلولاته.. وقد كان ولم يزل عنوان حكم الرئيس مبارك هو أنه لايمكن البدء من فراغ.. ولايمكن أن تقفز إلي المجهول.
لايمكن أن تبني في الفوضي.. كما أنه لايمكن أن تشيد في الاضطراب.. ومن ثم فإن مفتاح منهج مبارك في الحكم هو (الاستقرار).. وحماية البلد من احتمالات الطيش والمغامرات.. وقد نعم المصريون بهذه الميزة التاريخية التي قدمها الرئيس لشعبه وقبض عليها بالنواجز.. وهي النعمة التي علي أساسها جاء قرار البدء في تنفيذ البرنامج النووي.. والتي لولاها ماكان يمكن التفكير فيه أصلا.
- إجابة يومية
هنا تكمن معضلة الجدل الداخلي الذي يعتمل في نفوس قطاعات من المصريين: هل هذا الاستقرار مهدد؟ وهل النعمة سوف تزول؟ هل مصر مقبلة علي أيام عصيبة؟ وللجدل مايبرره في ضوء مايعتمل من تفاعلات أمام حشود الرأي العام في الحياة السياسية التي لم تنضج بعد.. وتقلبات النقاشات الصاخبة في فضاءات الإعلام المتنوعة.. وإذا كان الرئيس يعطي إجابة شبه يومية علي هذا الجدل.. بأن الاستقرار هو ضمانة نهوض مصر.. وإذا كان البرنامج النووي السلمي ذا تجسيد لهذا الاستقرار.. بأفقه المستقبلي الممتد.. فإن علينا أن نغفر للمواطن العادي أنه يعيش حالة من الاستفهام.. طالما أن هذه الصناعة المستقرة للاستقرار لم تعضدها- مع شديد الأسف- آليات تحشد العقول بعيدا عن صخب الفوضي.. وتجمع المتناثرات من الأفكار والشوارد من الرؤي في حقل البلد.
المصريون لم يعتادوا منذ زمن بعيد أن تفور الحرية بكل هذا الريم الأخضر أو الداكن علي سطح مياه المجتمع.. حتي إنه حجب الشمس عما في أعماق الطبقات.. وحتي ظن البعض أن السماء قد أظلمت في حين أنها علي عكس ذلك.
إن الرئيس من حين لآخر - مدفوعا بحرصه علي الاستقرار - يحذر من أن تؤدي الاستعمالات السيئة للحرية إلي مشكلات مجتمعية خطيرة.. فإنه أيضا - مدفوعا بعوامل تاريخية وحرص علي عموم مقومات الحرية - يرفض في أوقات عديدة أي توجه ناحية تقويض هذه الحرية أو تعطيلها أو تقييدها.
ويمكن تفهم هذا الموقف متشابك الأهداف من الرئيس، في ضوء أنه كما بني الاقتصاد حتي بلغت الموازنة مايفوق التريليون جنيه، وفي ضوء أنه كما بني شبكة الرعاية الاجتماعية حتي بلغ المستفيدون منها الملايين وقفزت مخصصات الدعم فوق 120 مليار جنيه، وفي ضوء أنه يصر علي أن يكون لكل اتجاه نقطة انطلاق وطريق يقود إليه، ولكل قمة قاعدة يمكن الصعود منها إليها، فإنه أيضا يرسخ مناخ الحرية ببنية تحتية سياسية لو زادت اندفاعاتها لكان الطريق إلي المجهول ولو نكصت.. أو نقصت طاقتها لكان الطريق إلي الجمود.
- ثمن المكانة
إن المكانة التاريخية لها ثمن.. والمبادرات المجيدة تفرض عليها المتغيرات قدرا من الضرائب.. وأية سياسات للإصلاح لها آثار سلبية.. وإي إصلاح في طريقه إلي أن يتم ولم يتم بعد يكشف عن نقائص مهولة.. خاصة أن إيقاع الشعوب يلهث وراء نتائج اليوم.. في حين أن الرؤي البعيدة للقيادة لها إيقاع مختلف ولابد أن تكون كذلك.. مهما بلغت سرعتها.. إيقاع القيادة يفرض عليها أن تلبي نداء البطون بشرط ألا تسنفد المخزون.
والإيقاع يخضع للعلاقة ما بين الثابت والمتغير.. الثابت هو المصلحة بكل معانيها.. والمتغير أيا ما كانت تفاعلاته لابد أن يرضخ للثابت.. والمشكلة التي تعيشها مصر الآن هي أن هناك فيضا من الضجيج يطيح بإدراك الرأي العام لماهية الثابت وأهميته. لاسيما أن نافذة الحرية المفتوحة قد جلبت إلي الساحة عروضا مختلفة تتنافس فيما بينها علي أيها يحقق تلك المصلحة.. وأيها له الجدارة في أن يدعي أنه الأقدر علي أن يلبي احتياجات الناس. لقد أرسل لي أحد القراء تحليلا جديرا بالانتباه لواقعنا الحالي مؤداه أن التوسع الرهيب الذي طرأ علي الطبقة الوسطي قابله في ذات الوقت تركها فريسة بين التيارات المتخبطة.. وتجاذبات الأفكار المختلفة.. ولعل هذا القاريء الكريم يقصد أن الإنجاز الذي تحقق في عصر الرئيس مبارك من خلال تمدد الطبقة المتوسطة.. لم يتوازي معه غطاء تعليمي وثقافي وإعلامي يحصن هذه الطبقة القائدة للمجتمع من الشعور بالتيه حين هبت رياح الحرية.. فبدت كما لو أنها «رياح من السموم».
ذلك مثلب يجب الاعتراف به، ولابد من الإقرار بأن العمل في اتجاهه واجب. ولم يكن ذلك ممكنا من قبل.. ببساطة شديدة لأن قدرة الاقتصاد لاتحتمل إمكانية تلبية الاحتياجات كلها في وقت واحد.. فإما أن تلبي احتياجات الفم.. أو أن تلبي احتياجات العقل.. وهذا نقاش جدلي عريق سبق أن خاضته دول عديدة.
إن التنوع لايمكن أن يكون وبالا علي البلد.. التنوع طاقة قوة.. بشرط أن يتم توظيفه بحيث يكون نسيجا متسقا وليس بارودا يفجر البلد بين المتصارعين.. وفي أوقات أخري من تاريخ هذا البلد عرفت مصر تنوع الرؤي.. وفي مطلع القرن العشرين وعقديه الأولين كان في مصر من يدعو للتغريب.. ومن يدعو للتمصير.. ومن يدعو للخلافة الإسلامية.. ومن يدعو إلي العروبة.. ولكن الظرف كان مختلفا حتي لو لم تكن في البلد طبقة وسطي من الأصل وحتي لو كانت وقتها موزعة بين حفنة من الأعيان والإقطاعيين وأصحاب الامتيازات الأجنبية والمستفيدين من الاستعمار.. وعموم الشعب الفقير الضائع.
لقد ذهب الاحتلال. وبقيت مصر.. ودخلت في عصر فرض عليها ألا تعرف سوي رؤية واحدة للنهوض.. هي الرؤية الاشتراكية في العصر الناصري.. ولايمكن القول أن مرحلة السعي للتحرر من احتلال جديد تحققت بنصر أكتوبر ومن بعده اتفاق السلام في عصر السادات قد شهدت فرزا فكريا واجتماعيا يقود إلي الإمساك بملامح برامج مختلفة تعرض نفسها علي الناس من أجل أن تقول أي منها أنها قادرة علي النهوض بالبلد.. لكن الذي جري فيما بعد.. ومع حكم الرئيس مبارك.. هو أنه بعد أن فتح الأفق الاقتصادي والاجتماعي للطبقة المتوسطة.. كان أن أطلق الحرية التي أعادت التاريخ إلي مساره.. فأصبحت هناك نوافذ للعرض.. وصار هناك ما يمكن أن يعرض.. ولكن الرأي العام يعاني من الالتباس بحيث أنه صار في داخله إحساس بالخوف من قدر المعروض.. وربما الخشية علي مستقبل البلد من حجم التنوع.
- لحظات تاريخية
إننا مقبلون علي لحظات تاريخية حاسمة تخضع قدرتنا علي التعامل مع الحرية لاختبار عصيب.. وتختبر مدي الثقة في البنية التحتية للنهوض السياسي والإعلامي الذي نعيشه الآن.. هل هي بلغت النضج المطلوب مجتمعيا أم أنها تحتاج إلي تعضيد إضافي؟.. هل تحتمل ما سوف يشيد عليها من طوابق وأبراج.. أم إن علينا أن نسلحها بمزيد من الموثوقية والحماية حتي لا يكون التطلع السياسي يقود طريقنا إلي جحيم الفوضي والانهيار؟
وأعني بتلك اللحظات التاريخية ما نحن مقبلون عليه في الانتخابات البرلمانية المقبلة.. والانتخابات الرئاسيه التالية.. إذ سوف تشهد الأيام القادمة تفاعلات مهولة وتخبطات مذهلة وارتباكات لاينبغي أن نغفلها ومزايدات لايجب أن نتجاهل تأثيرها.. والواجب هو أن نعمل من أجل عبور تلك اللحظات بما يجب أن يكون صونا للدولة وحماية للمجتمع وإنقاذا للناس من التيه وترسيخا لما بني الرئيس مبارك وسوف يبني.
إن الرسالة التي يسعي عديد من أجهزة الإعلام في الداخل والخارج إلي أن تقنع الرأي العام المصري بها هي أن الاستقرار المصري مهدد.. وبالتأكيد لاتقرأ هذه الرسالة أي معطيات تقود إلي غير ذلك.. وإنما هي بمثابة حرب نفسية تريد إقناع الناس بقبول فكرة الفوضي والرضي باحتمال تهديد الاستقرار.. والاستسلام إلي ما تقدمه علي أنه قدر محتوم.. وهو ليس كذلك علي الإطلاق.
إن الاستقرار في مصر ليس مهددا.. بل إنه يحظي بضمانات مهولة ورصيد لاينفذ في ضوء حجم تاريخي من إنجازات البناء قدمه ويقدمه وسيقدمه الرئيس.. لكن للدقة يواجه هذا الاستقرار تحديات متنوعة.. هذه هي التي علينا أن نتعامل معها تكتيكيا من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي وهو (ضمان رسوخ المجتمع وثبات دعائمه وصونه من الفوضي).
وأحسب أن هذه التحديات تستوجب سياسيا وإعلاميا التعامل معها خلال الأيام المقبلة بالطرق والتعاملات الآتية:
1 - زيادة الطلب علي الاستقرار
وأعني بذلك استنهاض قيمة الاستقرار (بمعناه الواسع) في نفوس المصريين.. وتأكيد أن كل ما نتمتع به ونريده في المستقبل إنما انبني علي ذلك.. ولن ينبني علي غيره. وأن أي نهوض لايتحقق بالانقلاب علي الأوضاع.. وبالمقارنة بما حولنا إقليميا فإن الرأي العام مدعو لأن يتدارس وضع مصر وفق منطق (بضدها تتضح الأشياء).. في ذات الوقت الذي هو مدعو فيه لأن يعيد النظر في تاريخه كي يقارن بين مراحل لم يعرف فيها الاستقرار فتاهت أهدافه وضاعت مقاصده.. حتي لو لم يكن المجتمع قد بلغ مرحلة الفوضي.. وبين مرحلة عاش فيها الاستقرار والرسوخ.. فتحقق كثير مما سعي إليه.. بل نهضت في داخله أحلام لم تكن مطروحة من الأصل.
ولايمكن زيادة الطلب علي الاستقرار بدون الربط بينه وبين النمو الاقتصادي، وبينه وبين التطلع إلي مزيد من النهوض، وأن المصالح التي تتمناها الطبقة المتوسطة لايمكن أن تتحقق إلا به، خاصة أنها ترمومتر الطموح ومقياس الاحتياجات التي يسعي إليها المجتمع.
2 - زيادة الطلب علي الدولة المدنية
إن التحدي الرئيسي الذي يواجهه الاستقرار يكمن في أن مصر تتعرض لرياح تطرف عاتية.. وإذا كانت قد انقضت عصور كانت تتعامل مع التطرف بالحديد والنار وتقهر الفكر باعتقاله.. وليس بالتعامل الواجب علميا وعمليا معه.. فإن علينا أن نفيض في شرح أهمية الدولة المدنية العصرية للجمهور.. دولة مدنية لاتتناقض مع الدين.. هو من مقوماتها وليس حاكما لها.. يكمن في ثقافة الناس ومعاملاتهم ولا يستخدمه المتطرفون وسيلة لحكم الناس.. خداعا بالشعار الذي يخفي الاسترزاق واحتيالا بالايه التي تموه علي الأهداف الساعية إلي إذابة مصر في غياهب تطرف لا يعود بها إلي الرشد إلا بعد قرون.
الدولة المدنية ضامنة الوحدة الوطنية.. وضمانة المساواة.. وأساس القدرة علي التعامل مع عصر متلاطم ومختلف تتحكم فيه قوي دولية عاتية.. لانريد عصرا تقطع فيه الأيدي.. ويحكم علي النساء بالاحتباس المنزلي.. وتقيم فيه أخلاق الناس وفق معايير مماليك الحسبة.. ويقاس فيه أداء الناس بطول اللحية.. وحجم زبيبة الصلاة.. الدولة المدنية هي التي تضمن للمواطن المواطنة.. وأن يؤتي حقوقه بالقانون والكفاءة وليس بالنفاق.
إن خطورة المعروض علي الناس من تيار التطرف هو أنه لايعرض شيئا.. ويريد من المواطنين توقيعا علي بياض.. أن يفعل فيه من قد يقودونه - لاقدر الله - وفقا لما يرونه.. حتي مشروع الخلافة الخطير الذي كان معروضا علي المصريين في بداية القرن العشرين لم يعد مطروحا من التطرف.. فهم بلا برنامج.. وبلا مضمون.. فقط شعارات تنطوي علي الخديعة.. وزيف من التدين يحتوي ألغاما من الإرهاب.
3 - زيادة الطلب علي الديمقراطية
والديمقراطية هي آلية الإبقاء علي الاستقرار. ومفتاح وجوده.. وقد فتح مبارك أبواب المشاركة.. وأتاح لجميع من في المجتمع أن يتطلع وأن يطالب بحقوقه الدستورية.. بحيث لم تعد هذه الحقوق منحة بل حق مشروط بالواجب.. ولكي تكون الديمقراطية ناضجة فإنها لابد أن تتمتع بقدرة الناخب علي أن يختار بين المعروض المتنوع.. لا ديمقراطية حين تكون هناك بضاعة واحدة لا مفر منها ولا فكاك إلي غيرها.
ولا ديمقراطية بدون انتخابات نزيهة وشفافة.. والشرعية التي ينبني عليها الاستقرار لابد لها من صندوق أبيض لا تشوبه شائبة.. الصحيح بالطبع أن المجتمع يسعي إلي مزيد من النضج الذي يجعله قادرا علي تحقيق هذا.. ولكن مجرد إعلان النية والمضي قدما في هذا الاتجاه رغم السلبيات المتوقعة والتي لايمكن الفرار منها (وإلا نكون كمن لا نعرف مصر) هو في حد ذاته منهج يضفي علي تلك الديمقراطية مصداقية أكبر وصدقية أعمق.
والديمقراطية هي اختيار بين مختلفين. والاختلاف ينبغي أن يكون موضوعيا. ولابد أن علي الناخبين أن يخضعوا الذين يعرضون اختلافهم أمامه إلي اختبارات شرسة.. فيسألهم ويسألهم.. علي أرضية من الثقة في أن الاستقرار يحمي اختياره والمؤسسات تصون قراره. بحيث يكون قراره عاقلا واعيا.. وليس تجريبا.. أو انصياعا.. أو التياعا.. أو حتي بعثرة لقيمة موقف هذا الناخب.
والاختبارات الشرسة لابد أن تقوم علي الموازنة بين الأفكار. وتقييم الرؤي.. من الذي لديه القدرة علي أن يقدم حلا لأي مشكلة.. حل يقوم علي تمويل متوفر وأسس لاتطيح بالناس في غياهب تجريب يقود إلي الخراب.
كما أنه لا ديمقراطية بدون مؤسسات شرعية وقانونية. فهي لا تدعو إلي ساحتها من خرجوا من عباءة الشرعية ومن ظنوا أنهم فوقها. الديمقراطية لاتكون إلا بين الأحزاب ومن لديه الحق القانوني في أن يمارس السياسة من خلال آليات القانون والدستور.. لا يطلب تفصيله علي مقاسه.. ولا يشترط علي الناس أن يوقعوا له حتي يقبل أن ينازل الآخرين في ساحة السياسة المعقدة. الديمقراطية لاتقبل المتكبرين بالدين أو المنافقين بالمكانة.
4 - الربط بين كل هذا وبين المكاسب الاجتماعية والاقتصادية
لاقيمة للاستقرار إذا لم يضمن حياة طبيعية للناس. بيوت تغلق في أمان عند حلول الليل. وجبات متوفرة علي الموائد عند حلول موعد الطعام. مسكن لائق حين يرغب الفرد في أن يكون أسرة. مدرسة متاحة بالمجان لكل تلميذ في البلد. طريق يربط بين البيت والمدرسة وموقع العمل. ضمان اجتماعي عند حلول عدم القدرة بين البسطاء. مظلة من الدعم تحمي المحتاجين.
ولا قيمة للدولة المدنية إذا لم تضمن التوازن بين فئات المجتمع.. وإذا لم تحقق الحراك الطبيعي بين الطبقات علي أساس الجهد.. وإذا لم تعامل الجميع علي نفس القدر من المساواة.. رجلا أو امرأة.. مسلما أو قبطيا.. غنيا أو فقيرا.. فلاحا أو مثقفا.. عاملا أو رجل أعمال.. والدولة الآن تضمن الحد المقبول من التوازن بين كل هؤلاء.. حتي لو كانت هناك بعض السلبيات.
ولا قيمة للديمقراطية إذا لم تضمن للمواطن أنه يعرف ما الذي يجري غدا. وإذا استخدمت لكي يتم الانقضاض عليها هي ذاتها فإنها تكون وبالا وخطرا حقيقيا علي البلد.
ومن ثم فإن زيادة الطلب علي المكاسب الاجتماعية والاقتصادية، بما فيها الشعور بالأمن، يؤدي لاشك في ذلك إلي أن يحسم المواطن الخائف علي الاستقرار اختياراته.. بحيث يكون علي يقين من أنه يضمن مستقبله فلا يراهن به في الغيب ولا يقامر به في المجهول.
--
من المستحيل أن يتوافر للطبقة الوسطي تحصين علمي وثقافي وديني، هي تحتاج بالتأكيد إليه، في غضون الفترة القصيرة المقبلة التي نمر خلالها بهذه الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. إن هذا عمل يحتاج إلي سنوات.. وقد قضت الدوله زمنا كبيرا لكي تتمكن من أن تعيد لهذه الطبقة وجودها الذي كان مفقودا من الأصل أو علي الأقل غير واضح (لا أرغب هنا في أن أتجادل مع بعض من يظنون أن الطبقة الوسطي هي فئة الموظفين في العصر الناصري).
ومن ثم فإن علي الدولة في مناخ من الاستقرار وفي ظل وجود الدولة المدنية وباستخدام آليات الديمقراطية أن توسع نطاق هذه الطبقة وأن تتيح لها مزيداً من التحصين العلمي والثقافي والسياسي الذي لا يجعلها في أي وقت تخشي علي استقرار البلد.. لأنها الطبقة الحاكمة وفي يدها حماية الاستقرار إلي الأبد.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى:
http//alsiasy.blospot.com
أو على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
البريد الإلكترونى
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.