كان يحيي شاهين سائرا بالقرب من كوبري قصر النيل, وهناك قابلته سيدة ترتدي ملابس نساء البلد الأنيقات ومعها ابنتها الشابة, وما إن وقعت عيناها علي يحيي شاهين حتي ضربت علي صدرها من هول المفاجأة. قائلة: مين..؟ سي السيد! ثم انهالت عليه لثما وتقبيلا قائلة لابنتها: سي السيد أحمد عبدالجواد يابت, فينك ياسي السيد, وفين ايامك؟.. ده أنت كنت بطل الرجولية والمجدعة, وكانت شخصيتك بترج الدنيا.. راجل مجدع بصحيح, مش خرع زي رجالة اليومين دول. ربما كان هذا المشهد, الذي يرويه الكاتب عبدالفتاح يونس, بالغ الدلالة في صياغة علاقة شاهين بالسينما المصرية, فقد ارتبط الفنان الكبير بهذا الدور الذي اداه في ثلاثية نجيب محفوظ, وقد اداه بدرجة من الاتقان فاقت تصورات نجيب محفوظ نفسه, بحسب شهادات تليفزيونية لأديب نوبل. وكان السر وراء إجادة شاهين في الثلاثية, وكشفه لتناقض سي السيد, طبيعته وقدرته علي المزج بين جوانب الشخصية المختلفة, فعندما كان يبدو صارما حازما في بيته, لا يخلو الأمر من وجود اثر لرجل لف الدنيا, ويعرف عنها الكثير, وعندما يلهو خارج البيت مع زنوبة ولاغيرها من العوالم, فهناك دائما ظل للصرامة والحزم في الشخصية. وبقدر ما أسهم هذا في نجومية يحيي شاهين منذ تم عرض الفيلم وحتي توفي, بقدر ما جاء هذا علي حسابه, فقد تم تجاهل ادوار كثيرة لعبها يحيي شاهين, وتعد من علامات السينما المصرية, ربما كان ابرزها ادواره في تفاحة آدم(1958, إخراج فطين عبدالوهاب), وهذا هوالحب(1958 إخراج صلاح أبو سيف) وبلال مؤذن الرسول, الذي يعد من اوائل الأفلام الدينية التي حققت رواجا جماهيريا,(1953 إخراج أحمد الطوخي). وكان يحيي شاهين من محبي التمثيل كفن, بعيدا عن كونه مهنة, وهو ما يظهر بوضوح في آخر ما قدمه, وهو الإعلان: المصري هيفضل مصري, وإعلان: الراجل مش بس بكلمته كان تأثر شاهين في اثنائهما غير عادي. ولد شاهين في جزيرة ميت عقبة بمحافظة الجيزة, في مثل هذا اليوم لسنة1917, تلقي دراسته الابتدائية في مدرسة عابدين, اشترك في فريق التمثيل بالمدرسة, ثم حصل علي شهادة الدبلوم في الفنون التطبيقية قسم النسيج من مدرسة العباسية الصناعية. حصل علي بكالوريوس في هندسة النسيج, وعين في شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري, ولكن حبه للتمثيل وموهبته دفعاه إلي التباطؤ في تنفيذ التعيين والانضمام إلي جمعية هواة التمثيل, حتي سنحت له الفرصة والتقي بأستاذه بشارة واكيم, وبعد عام بلغه ان فاطمة رشدي تكون فرقة جديدة وانها بحاجة إلي( جان بريميه) وهكذا دخل عالم المسرح ثم السينما, وكان اول ظهور له في فيلم لو كنت غني:(1942: إخراج بركات) ثم لعب دور البطولة امام أم كلثوم في سلامة, بعد خلافات مع حسين صدقي, وأصرت علي أن يحصل علي الأجر الذي كان مقررا لصدقي وهو600 جنيه. وتواصل مشواره الفني حتي توفي عام1994, وربنا يرحم الجميع.