العلاج علي نفقة الدولة كان السبيل والملاذ الأخير للفقراء خاصة في ظل مواجهة الظروف الاقتصادية, والآن تتجه الوزارة لإلغائه بعد ثبوت عدم جدواه وسهولة وصول الفساد والمحسوبية إليه. وهو ما كان مثار الكثير من النقاش والجدل تحت قبة البرلمان المنحل واستبداله بالعلاج المجاني, ولكن يبقي السؤال هل يستطيع هذا النظام ان يتيح لكل مواطن علي أرض مصر الحق في العلاج دون تفرقة ام أنه سيزيد من معاناة الفقراء؟ يقول الدكتور محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة ان العلاج علي نفقة الدولة ليس النظام الأمثل لانه لا يغطي كل الأمراض, اضافة إلي انه يتم توجيه قرار العلاج إلي جهة مختلفة في كل مرة مما يسبب للمريض الكثير من المعاناة والمشقة, موضحا ان نظام العلاج السليم في العرف الطبي يتطلب ان تتوافر للمرضي عيادة منتظمة علي أن يكون لكل مريض ملف طبي بحالته حتي يسهل استمرار العلاج. ويضيف ان نظام العلاج علي نفقة الدولة يعتبر جزءا من الفوضي الشاملة الموجودة في مصر نظرا لانه علاج بالقطعة موضحا ان اكثر من ثلث سكان مصر اي نسبة40% وهم الفئة الأشد فقرا لا يخضعون للتأمين الصحي الأمر الذي أدي إلي ظهور نظام العلاج علي نفقة الدولة. ويطالب خليل بإنشاء نظام تأمين صحي اجتماعي شامل مع ملاحظة ان الحكومة السابقة ابتدعت كلمة اجتماعي شامل لأنها تدعي أن نظام التأمين الصحي طبقا لمشروع قانون التأمين الصحي الجديد شامل وليس اجتماعيا, موضحا أنه ليس شاملا ووصفه بالمزيف حيث لا يشمل جميع الأمراض ويتجاهل اشياء مهمة مثل الأورام والجراحات الدقيقة بالإضافة إلي أنه لا يشمل كل المواطنين بداية من تطبيقه مؤكدا أن الحل الأمثل يكون في تطبيق نظام التأمين الصحي الاجتماعي الشامل وان ينضم له كل الجهاز الحكومي من المستشفيات المركزية والعامة والمتخصصة والحميات والأمراض المتوطنة وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية والمراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية لتقدم الخدمة الطبية ومساعدة المرضي وإعفاء الفقراء من اشتراك التأمين الصحي خاصة في ظل تقلص دور العلاج المجاني. ويقول الدكتور رضا الوكيل استاذ امراض الكبد والجهاز الهضمي بطب عين شمس ان التفكير في عودة العلاج المجاني إلي المستشفيات يعتبر الوضع الطبيعي لأن الأصل في العلاج ان الدولة كانت تقوم بتقديم العلاج بالمجان خاصة بعد ثبوت فشل نظام العلاج علي نفقة الدولة وتفشي رائحة الفساد منه مطالبا بتوفير دعم أكبر للمستشفيات الحكومية وتوفير الأدوية بصيدلياتها وبأسعار مناسبة حتي يحقق جدواه. ويوضح انه عند ارتفاع تكلفة الخدمة الطبية قامت الوزارات السابقة باستحداث نظام العلاج علي نفقة الدولة للحد من تكلفة الخدمة وحصرها في عدد قليل مع صعوبة الاجراءات للمرضي المقدم إليهم الخدمة الطبية. ولضمان حصول المريض علي حقه في العلاج دون مشقة يري الدكتور رضا أنه يجب مراعاة أن يكون مستوي الخدمة الطبية المقدمة علي مستوي الرعاية القياسية التي ينطبق عليها المعاييرالعالمية في هذا المجال, وأن يتم العمل علي توفير التمويل اللازم للخدمة الصحية إما عن طريق الدولة أو من خلال مساهمة رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني لضمان أداء الخدمة الصحية بالإضافة إلي تأكيد مبدأ التعليم الطبي المستمر بالنسبة للأطباء في الحقل الطبي وأعضاء هيئة التمريض, فضلا عن رفع مستواهم المادي والإجتماعي. ويري الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء أن وزير الصحة لن يستطيع إلغاء نظام العلاج علي نفقة الدولة نظرا لوجود400 مليون جنيه مخصصة لعلاج الغسيل الكلوي,600 مليون جنيه لحقن الإنترفيرون,200 مليون لقسطرة القلب,300 مليون جنيه لجراحات القلب متسائلا كيف يتم علاج هذه الأمراض في حالة إلغائه لافتا إلي أن الوزير غير مطالب بالإدلاء بتصريحات متتالية ومتسرعة لإرضاء شباب الأطباء والثوار وبالتالي يجد نفسه بعد ذلك غير قادر علي تنفيذها خاصة وأن ميزانية وزارة الصحة ليست مفتوحة بل تقشفية ويوضح أن نظام العلاج علي نفقة الدولة منذ أواخر أيام الجبلي له قواعد محكمة خاصة في ظل عدم وجود سماسرة بين المرضي بالمسشفيات والوزارة كما أنه لن يتعامل مع أعضاء مجلسي الشعب والشوري نظرا لعدم وجودهما الآن وعند انتخاب مجلس جديد لن يكون هو موجود. ويقول الدكتور عبدالحميد أباظة مساعد وزير الصحة للشئون الفنية والسياسية إن الفكرة جيدة وتراود كل وزراء الصحة منذ سنوات لكن إلغاء نظام العلاج علي نفقة الدولة يجب أن يتم بشكل مرحلي ومزيد من الوقت لاستبدال نفقة الدولة بالمجان نظرا لوجود أمراض كثيرة لا يستطيع العلاج المجاني تحملها مثل الغسيل الكلوي والإنترفيرون وعمليات القلب المفتوح, الشرائح والمسامير في العظام وزرع القوقعة فكلها مكلفة وتؤدي إلي إرهاق ميزانية أي مستشفي يقوم بها. ويوضح أن تعدد نظم العلاج التي أدت بدورها إلي وجود أزمة فعلية قد يصعب السيطرة عليها لا من خلال تطبيق قانون التأمين الصحي الإجتماعي الشامل الذي سوف يضع كل هذه النظم تحت مظلته, خاصة وان حوالي48% من عدد السكان يتمتعون بالتأمين الصحي والنسبة الباقية الأخري كانت تتمتع بالعلاج المجاني في المستشفيات, لكن في السنوات الأخيرة بدأ العلاج بالمجان في الاختفاء وذلك بسبب تحول ميزانيته للعلاج علي نفقة الدولة باعتبار أن نفقة الدولة تدر دخلا علي المستشفيات وتنفق منه علي مسلتزمات المعامل والأدوية وأفلام الاشعة, وبالتالي فإن الموازنات التي تذهب للمستشفيات في شهر أغسطس من كل عام تنتهي علي شهر يناير أو ديسمبر من نفس العام وتجد المستشفيات نفسها مطالبة بتدبير مواردها ذاتيا لمدة6 أشهر الأمر الذي أدي إلي وجود مشكلة فعلية للمستشفيات. ويري أباظة أن الضمانات الأساسية لتقديم الخدمة الطبية الجيدة تتمثل في صحوة الضمير لدي الأطباء والحقل الطبي, الرقابة المركزية من قبل وزارة الصحة أو مديريات الشئون الصحية في المحافظات بالتنسيق مع محافظ الإقليم علي المستشفيات, زيادة أو رفع أجور الفريق الصحي لتعويضهم عما كان يحصلون عليه من نفقة الدولة بالإضافة إلي تطوير المنشأة الصحية من خلال إيجاد فريق إداري متدرب وموجود لمراقبة أداء الأطباء والفريق الطبي في استقبال حالات الطواريء والعيادات الخارجية.