حكومة تكيل بمكيالين، حكومة ظالمة،ولابد من محاسبتها، وهذا هو حال حكومة "نظيف" التي لاتراعي ولا تضع أبدا الفقراء في حساباتها، ففي الوقت الذي تسعي فيه جاهدة لتخفيض ميزانية العلاج علي نفقة الدولة، و"تتحجج" فيه بجميع الحجج،وفي الوقت الذي "يدوخ" فيه المواطن للحصول علي ملاليم لا تكفي لعلاجه، ويكون عرضة للطرد من المستشفيات من دون أن يستكمل العلاج، مهما كانت حالته حرجة، نجد السيد رئيس الوزراء- المهموم جدا بالناس- يجامل وزير "جباية مصر" أقصد وزير ماليتها ويصدر قرارات علاج له بالأمر المباشر تصل قيمتها إلي مليون جنيه، كما قال النواب في مجلس الشعب. فهل هذا من باب العدل والإنصاف؟ الإجابة بالطبع لا، ولكن الدكتور نظيف ربما لديه مبرراته، فلابد أنه يري أن "يوسف بطرس غالي" وزير، وهناك فرق كبير بالطبع بين الوزير و"الغفير" الأول مواطن من الدرجة الأولي، والثاني مواطن من الدرجة العاشرة،رغم أن القانون والدستور ساوي بين الاثنين،ولم يفرق بينهما، فلا فرق بين وزير أو غفير، ويبدو أن هذا علي الورق فقط،!!. ما حدث يعد بجميع المقاييس تفرقة لا بد ان يحاسب من تجرأ علي ارتكابها، مهما كان، لأننا جميعا أبناء وطن واحد، والأولي بالرعاية هو المواطن الفقير "الغلبان" وليس الوزير صاحب السلطة والنفوذ، والأرصدة في بنوك سويسرا وغيرها، إلا إذا كان الدكتور "نظيف" يري أن الدكتور "يوسف بطرس غالي" فوق مستوي المواطن العادي، واعتقد أنه ينظر إليه علي هذا الاعتبار، فهو الذي رفع نسبة الضرائب، وهو الآن "نهر" من الفلوس المتدفق إلي خزينة الدولة،ولكن بالطبع من جيوب الفقراء. نعم أنا لا استكثر المليون جنيه علي الوزير، "وربنا يديه الصحة، ويشفيه" ولكن أتمني أن يكون قلب الدكتور "نظيف" "حنين" هكذا علي صحة كل المصريين، وأن يتم علاج كل مريض علي نفقة الدولة سواء أكان من الفقراء الكادحين، أم من السادة الوزراء،مادامت حالته الطبية تستوجب ذلك، ومادامت مصاريف العلاج فوق طاقته وإمكانياته. ولعل هذه التفرقة هي التي اثارت في مجلس الشعب حالة كبيرة من الجدل وردود الفعل،فقد طالب جورج إسحق القيادي بحركة كفاية المسئولين في الحكومة بالذهاب لمعهد السرطان لرؤية الفقراء المرضي وهم مصطفون علي السلالم وغير قادرين علي العلاج، في الوقت الذي يعالج فيه وزير المالية بمليون جنيه علي نفقة الدولة. في حين أكد الدكتور حمدي السيد - نقيب الأطباء- أنه من غير المقبول أن يحصل شخص واحد علي مليون جنيه للعلاج علي نفقة الدولة في حين توضع ضوابط وعراقيل أمام علاج البسطاء، قائلا: "مش معقولة مواطن يكون عنده "فشل كلوي أو سرطان" ونحرمه من العلاج لأنه فقير في الوقت اللي بنصرف علي علاج شخص آخر مليون جنيه". ولا أعرف هل هذا رأي نواب الشعب من الحزب الوطني، أم أن علاج الغلابة الذين انتخبوهم لا يعنيهم؟ كوميديا وملهاة!! علاج المواطن البسيط علي نفقة الدولة حق يكفله الدستور، كما أنه حق من حقوق الإنسان في الحياة، يحدث ذلك في مختلف دول العالم، وخاصة تلك التي تحترم حقوق مواطنيها، وتنظر إليهم علي أنهم هم ثروتها الحقيقية،وتعتبر أن كل مليم يصرف علي صحة البشر علي أرضها هو أفضل استثمار للمستقبل. كانت هذه هي فلسفة الدولة عندما أصدرت قانون التأمين الصحي، بهدف أن تمتد مظلته لتظل كل مواطن، وأن تتوفر له الرعاية الصحية اللازمة، التي تجعله صحيح البدن والنفس، معافي يستطيع أن يتحمل أعباء التنمية والتقدم. كان هذا يوم كانت حكومات مصر بعد ثورة 23 يوليو تضع مصلحة البلاد، وخاصة الطبقة العاملة، الكادحة في حساباتها، أما الآن فقد سقط الفقراء عمدا من حسابات حكومتنا، ولم تعتد تهتم سوي بالأثرياء، وأصحاب السلطة والنفوذ. وهذا ما بدي واضحا من قرارات علاج "يوسف بطرس غالي" علي نفقة الدولة وحتي لا نظلم الرجل، نؤكد أنه ليس هو الوحيد الذي تُصرف عليه أموال الدولة من الوزراء،وما خفي كان أعظم، ولو فتشنا، لوجدنا الكثير من المفاجآت في علاج الوزراء، والفنانين، وأقارب المسئولين، في الوقت الذي يموت فيه الفقراء، في انتظار قرار علاج علي نفقة الدولة، لا يصدر إلا بعد وفاتهم. والغريب أن قرارات العلاج علي نفقة الدولة، تجمع بين الكوميديا والملهاة في وقت واحد،فمن المضحك أن مديونية الدولة للمستشفيات بسبب العلاج علي نفقة الدولة بلغت 5.1 مليار جنيه، كما أن تكلفة العلاج علي نفقة الدولة العام الماضي وصلت 2 مليار جنيه. ومن كوميديا العلاج علي نفقة الدولة أيضا قرار المجالس الطبية المتخصصة بعدم زيادة تكلفة علاج مرضي السرطان عن مبلغ 21 ألف جنيه للمريض، بدعوي أن عدم تحقيق الشفاء بعد هذه التكلفة يعني أنهم ميئوس من شفائهم.. وقد تسبب القرار الغريب في إيقاف علاج مئات المرضي بالمستشفيات بعد رفض المجالس الطبية إصدار قرارات علاج لهم. معايير وضوابط يأتي العلاج علي نفقة الدولة تنفيذا لأحكام الدستور التي تنص علي أن حق العلاج مكفول لكل مصري ومصرية، وخاصة من غير القادرين علي تحمل مصاريف العلاج، ولكن الحقيقة والواقع تؤكد أن قرارات العلاج علي نفقة الدولة يستفيد منها الأثرياء وأصحاب السلطة والنفوذ والوساطة والمحسوبية أكثر مما يستفيد منها المواطن العادي، الذي يترك للموت علي أبواب المستشفيات الحكومية، وترفض المستشفيات الخاصة استقباله. وهنا يأتي دور نواب مجلسي الشعب والشوري في التدخل لعلاج غير القادرين علي نفقة الدولة، وسرعة إصدار القرارات، التي تسير عادة كسير السلحفاة لمن ليست عندهم وساطة. وإن كنت في صف وزير الصحة د. حاتم الجبلي في ضرورة أن تكون هناك معايير وضوابط تضمن وصول القرارات والأموال التي تخصص لمستحقيها، إلا أنني ضد أن تخفض نفقات العلاج علي نفقة الدولة، فالمفروض أن تزيد مساهمة الدولة ،خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيش فيها غالبية الشعب المصري، والتي تزداد سوءاً بفضل عدم العدالة في توزيع الدخل القومي، وأيضا في عدم عدالة توزيع الخدمات في مصر، والتي يحظي بها بشكل عام الطبقات الثرية ويحرم منها الطبقات محدودة الدخل، لأن الأولي هي التي تمتلك السلطة والتشريع وكل شيئ، أما الفقراء فليس لهم إلا الله سبحانه وتعالي. نعم يبقي المعيار الأخلاقي هو الأهم في كل أمر من أمور حياتنا، ولكن ماذا نفعل، وقد اختلت القيم والمباديء؟ وأصبح هناك من يتاجرون في كل شيء، حتي في قرارات علاج الفقراء، والواقع يؤكد أن هناك بعض النواب أثروا من قرارات العلاج علي نفقة الدولة التي يحصلون عليها لصالح الناس. كنت أتوقع أن يكون محور المناقشات الدائرة الآن هو كيف نضمن أن تصل أموال العلاج علي نفقة الدولة إلي مستحقيها من غير القادرين، وكيف نلزم المستشفيات المختلفة بتقديم الخدمة الأفضل لأصحاب هذه القرارات، وكيف نصل إلي درجة عالية من الشفافية في معالجة الحالات التي تستحق بالفعل، وأن تختفي المجاملات، وأن يكون الجميع سواء أمام اللجان الطبية التي تقرر أحقية وقيمة وتكلفة العلاج علي نفقة الدولة، أي أن تكون الحالة الطبية للمريض وعدم استطاعته هي المعيار الأول والأهم، وليس وضعه الاجتماعي أو الوظيفي، وقرابته إلي المسئولين وأصحاب السلطة والنفوذ هي التي تقرر ذلك، وهذا هو الحادث حالياً. ولكن لأننا نعيش في مجتمع تأتي حكومته من المجهول، ويتولي المسئولية فيه مجموعة لا تشعر بمعاناة الناس، وكل همها هو تحويل الوزارات إلي مشاريع خاصة تدار علي أساس الربح والخسارة، ويتناسوا أن وزاراتهم وزارات خدمية في المقام الأول، وأعتقد أنهم _ كا يري وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية- يرون أن كل المصريين قادرون علي توفير جميع احتياجاتهم من خلال تلك الرواتب الهزيلة التي يحصلون عليها من الحكومة، والتي تكاد أن تكون "بدل شحاتة" في معظمها، بينما يحصل عدد محدود جدا من المسئولين في الدولة والمؤسسات والشركات المختلفة علي ملايين الجنيهات في الشهر الواحد، ولهذا فهم يعملون علي تخفيض نفقات تلك الوزارات، ومنها وزارة الصحة، لأنهم يعرفون جيدا أنهم وذويهم لايحتاجون إلي تلك الخدمات، وإن احتاجوها فسيجدونها بالملايين، وليس بالملاليم كما يحدث مع الفقراء المعدمين،الذين" يدوخون السبع دوخات" للحصول علي حقهم في تلك الخدمات التي إن تحققت لهم تكون من الأحلام المستحيلة التي تداعب خيالهم في نومهم غير السعيد. وبالفعل نحن لسنا أمام نظام واضح وصارم لعلاج المحتاجين علي نفقة الدولة، وإنما أمام مهزلة كبري، فالنظام لا يطبق علي الجميع بشكل متساو، ويبدو أن الكثير من الأموال العامة المخصصة لهذا المشروع تذهب فعليا لمن لا يستحقها، بينما من لا يقدرون علي العلاج ليس أمامهم سوي محطات التليفزيون والصحف لنشر حالاتهم لعل بعض الناس يتبرعون ويتحملون تكلفة العلاج التي لايقدر عليها غالبية الشعب، وخاصة مع انتشار الأمراض المزمنة التي تسببت في معظمها سياسات بعض الوزراء السابقين والحاليين. ارحم الناس يا "بطرس" ارحم الناس يا "بطرس" جاءت مناقشات النواب بمجلس الشعب خلال تناول القضية في لجنة الصحة بالمجلس لتؤكد أن وراء كل ما يحدث الوزير الذي أصدر له رئيس الوزراء قرارات علاج علي نفقة الدولة وصلت إلي مليون جنيه، فهو الذي يلح منذ فترة طويلة لتخفيض ميزانية وزارة الصحة. وهو بالطبع عنده حق، فإذا ما احتاج هو أو غيره من الأكابر العلاج فمن أين تعالجهم الدولة، التي تري أنهم علي رأسهم ريشة، أما بقية الشعب فليسوا أولاد تسعة مثلهم، أو بمعني آخر ليذهب أولاد البطة السوداء إلي الجحيم من أجل عيون "يوسف بطرس غالي" وغيره من المسنودين الكبار،ولذلك يجب توفير الأموال لهؤلاء السادة من جيوب الفقراء والبسطاء دافعي الضرائب. فقد كشف نواب في اجتماع اللجنة عن محاولة يديرها د. يوسف بطرس غالي لتخفيض الميزانية المخصصة للعلاج علي نفقة الدولة من 1.9 مليار جنيه إلي 3.1، وبطرس جزء من حكومة الوطني، وما يحاوله هو وغيره يؤكد كذب ادعاء قيادات الحزب الوطني بأن الرعاية الصحية تعتبر المكون الرئيسي لجميع السياسات التي يطرحها الحزب في مجال الصحة وتتبناها الحكومة. ولعل هذا هو الذي جعل أعضاء مجلس الشعب يهددون بتعطيل جلسة البرلمان، في حالة عجز الحكومة عن حسم قضية العلاج علي نفقة الدولة واتهم النواب في اجتماع ساخن للجنة الصحة بمجلس الشعب الحكومة بتعمد تعطيل حل هذه الأزمة لتغطية فشلها في توفير نفقة العلاج علي نفقة الدولة لجميع المواطنين، وهذه هي النية التي لم تكشف عنها الحكومة مباشرة- كعادتها في سياسة اللف والدوران- التي تتبعها في تعاملها مع الشعب، هي التي حدت بالنواب لطلب عقد جلسة لبحث طلب سحب الثقة من حكومة د. أحمد نظيف رئيس الوزراء المقدم من عدد من نواب المجلس المستقلين والمعارضين. وطبعا لن يتم ذلك، فالحكومة معها الأغلبية الصامتة عن الحق من نواب الحزب الوطني، وأعتقد جازما أن ما تريده الحكومة سيكون، حتي لو اعترض المجلس كله، ولكن مع ذلك أرجو ألا ييأس نواب الشعب المستقلون، ويواصلون النضال، حتي تتحقق مطالب الفقراء والبسطاء، في إطار مزيد من التنظيم، والضوابط التي تصل بالعلاج علي نفقة الدولة إلي مستحقيه، وليس بالتخفيض كما يريد وزير الجباية- عفوا- وزير المالية. وأنا الآن بعد أن انكشفت نوايا الحكومة مع الاعتراضات التي تواجهها وزارة الصحة من اعضاء مجلس الشعب ضد الضوابط الجديدة خاصة ضابط السقف المحدد وهو50 الف جنيه لكل نائب لإصدار قرارات شهريا، وأدعم مطالبتهم بإعادة النظر مرة اخري بتلك الضوابط خاصة بهذا الشرط حيث يستهلك هذا الرقم في ثلاثة قرارات لمريض فشل كلوي علي سبيل المثال ،فضلا عن وضع حد أقصي للمريض وتحويله إلي قرار تكميلي وعرض الأمر علي لجنة البت في الطلب التكميلي بالقبول أو الرفض.. وعند الأعضاء كل الحق في الاعترض ايضا علي منع التعامل مع كل المستشفيات الجامعية والاستثمارية وقصر القرارات علي المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، رغم علم الوزارة أن المستشفيات الأخيرة ليس لديها القدرة لتلبية احتياجات المواطنين العلاجية، ناهيك عن سوء الخدمة العلاجية بها، فلابد من تطويرها واستكمال الأنظمة العلاجية بها قبل أن تنحصر قرارات العلاج علي نفقة الدولة عليها.