رغم أن ما يتم تسريبه من بنود تتعلق بالصفقة التي يجهز لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, ويشير إلي أنها ستكون صفقة مجحفة بالحقوق الفلسطينية وأنها ستكون في جوهرها ملبية للمطالب الإسرائيلية المعروفة وفقط: بدءا من ضرورة اعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي, ومرورا بقبول الفلسطينيين بدولة منقوصة السيادة وغير متواصلة جغرافيا, وانتهاء بإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين.. رغم ذلك لا يبدو أن إسرائيل ستكون مبتهجة في حالة قبول الفلسطينيين بهذه الصفقة, بل يمكن القول بكل ثقة إن التحالف اليميني المتشدد الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو يخطط لإفشال الصفقة علي أن يتم تحميل فشلها للفلسطينيين وليس لإسرائيل. ليس من الصعب إثبات أن تحالف اليمين الإسرائيلي لا يريد هذه الصفقة حتي لو قدم الفلسطينيون كافة التنازلات التي كانت إسرائيل تطلبها سواء فيما يتعلق بمصير المستوطنات, أو بالترتيبات الأمنية, أو وضع القدسالشرقية. فعلي الجانب الأول: بني نيتانياهو زعامته لليمين المتشدد بشقيه الديني والعلماني, علي رفضه عام2005 الانسحاب الأحادي من غزة وأجبر شارون في حينها علي الخروج من الليكود ليؤسس حزب كاديما الذي فشل في الحفاظ علي وجوده, وعلي قيادته للحكومة ليعود الليكود عام2009 إلي الحكم بزعامة نيتانياهو ويبقي فيه حتي يومنا هذا. علي الجانب الثاني: حتي عندما أعلن نيتانياهو في خطابه الشهير في جامعة بار إيلان في يوليو من عام2009 قبوله مبدأ حل الدولتين سرعان ما اتضح أنه عاد ليتبني نفس التكتيك الذي كان رئيس الليكود ورئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير قد اتبعه عندما قبل بالمشاركة في عملية مدريد للسلام عام1991 متعهدا في حينها أن يظل يتفاوض مع الفلسطينيين بدون نهاية ليفرغ حل الدولتين من مضمونه بالرهان علي عنصر الزمن, ظل نيتانياهو بالكيفية ذاتها يتفاوض مع الفلسطينيين علي مراحل متقطعة انتهت بفشل إدارة الرئيس الأمريكي السابق في استئنافها من جديد بعد أن توقفت تماما في عام2012, وحتي رحيله عن البيت الأبيض في مطلع عام.2017 علي الجانب الثالث: تبدي الأحزاب المشاركة في الائتلاف الذي يقوده الليكود حاليا وخاصة حزبي البيت اليهودي, إسرائيل بيتنا توجسها من فكرة حل الصراع مع الفلسطينيين عبر صفقة, وتفضل عليه, اتساقا مع مبدأها الرافض لتأسيس دولة فلسطينية, فكرة التفاوض غير المشروط من الجانبين, والذي لا يخل بتعهداتها أمام ناخبيها عدم القبول بدولة فلسطينية في أي تسوية محتملة مستقبلا. ما يخشاه نيتانياهو: يدرك نيتانياهو أن الرئيس ترامب وفريقه سيقبلون بكل الخطوط الحمراء الإسرائيلية فيما يتعلق بحل الدولتين, وهي الخطوط نفسها التي رفض الفلسطينيون القبول بها في الماضي, وما يخشاه نيتانياهو هذه المرة أن تنصاع السلطة الفلسطينية للضغوط العربية والأمريكية فتقبل الصفقة, واضعة إسرائيل في مأزق صعب.... فمن جهه سيشكل رفض نيتانياهو صفقة تمنحه كل المطالب التي دأب علي الزعم بأنها إذا ما تحققت لن يكون لدي إسرائيل مشكلة في وجود دولة فلسطينية إلي جوارها.. سيشكل ذلك صدمة للرئيس ترامب والذي يمكن أن يصل رد فعله إلي تحميل إسرائيل علانية مسئولية فشل الصفقة, الأمر الذي قد يؤدي إلي فقدان نيتانياهو تعاطف أفضل أصدقاء إسرائيل كما يردد دوما في كل الإدارات الامريكية منذ نشأة الدولة العبرية وحتي اليوم. ومن الجهة الأخري سيتعري موقف نيتانياهو المراوغ الذي يزعم قبوله بحل الدولتين أمام العالم أجمع, وأمام الجهات الداعمة للحقوق الفلسطينية بما يتيح للأخيرة تشديد حملتها الهادفة إلي نزع شرعية إسرائيل عبر دعوات بمقاطعتها وحصارها اقتصاديا وثقافيا كما تفعل المنظمة المعروفة اختصارا بBDS منذ سنوات قليلة, التي برهنت علي قدرتها علي إزعاج إسرائيل إلي الحد الذي دعا نيتانياهو لوصفها( أي هذه المنظمة) بأنها تشكل تهديدا لشرعية بلاده يفوق خطر التهديدات العسكرية والأمنية علي وجود الدولة الآن وفي المستقبل. بشكل أكثر وضوحا يسعي نيتانياهو للظهور بمظهر المستعد للتعامل إيجابيا مع صفقة ترامب, ويأمل في أن يكرر الفلسطينيون والعرب خطأهم التاريخي عندما رفضوا قرار التقسيم عام1947 ليتم تحميلهم لعقود طويلة مسئولية فشل التسوية السلمية للصراع المستمر بينهم وبين إسرائيل, فيما تظل إسرائيل محافظة علي علاقتها المتميزة بإدارة ترامب وتتجنب في الوقت نفسه محاولات نزع الشرعية الدولية عنها, والأخطر من ذلك كله سعي التحالف اليميني المتشدد في إسرائيل إلي استغلال إفشال الفلسطينيين المفترض لصفقة ترامب للدفع نحو تطبيق سياسة الترانسفير سواء طوعيا مع شعور الفلسطينيين باليأس من تحقيق التسوية, أو قسريا باستغلال نشوب حرب إقليمية واسعة تبدأ بصدام عسكري واسع النطاق مع إيران وحلفائها لتقوم إسرائيل بترحيل إجباري لأعداد كبيرة من الفلسطينيين كما فعلت من قبل عام1948, و.1967