يتعرض الائتلاف الحاكم في إسرائيل الذي يقوده رئيس حزب الليكود بنيامين نيتانياهو لتحديات صعبة تهدد بقاءه, ومن ثم شهدت القنوات الخلفية مفاوضات سرية بين نيتانياهو وزعيمة حزب كاديما المعارض تسيبي ليفني لأجل ضم الأخيرة إلي الائتلاف في حالة انسحاب الأحزاب الداعمة للجماعات الاستيطانية المتطرفة منه. ورغم أن بعض المراقبين الإسرائيليين يشككون في إمكانية دخول كاديما الائتلاف فإن العديد من الأسباب ربما تدفع في اتجاه هذا الاحتمال بشكل متسارع. أزمة الائتلاف الحاكم جاءت نتائج انتخابات عام2009 في إسرائيل مدعمة لخط التفكك الذي يعتمل في أوساط الحياة الحزبية والسياسية في إسرائيل منذ سنوات محيلا إياها إلي فسيفساء يصعب تجميع أجزائها, حيث كانت حصيلة أكبر حزبين من الأصوات( كاديما28 مقعدا, والليكود27 مقعدا) لا تفي مجتمعة بإقامة ائتلاف ينبغي أن يكون مدعوما ب61 مقعدا علي الأقل داخل الكنيست120 مقعدا, ناهيك عن الخلافات الكبيرة بين كافة الأحزاب علي الصعد الاقتصادية؟ الاجتماعية والسياسية والتي تهدد بقاء الائتلافات الحاكمة كما حدث مرات عديدة. ومع أن نيتانياهو قد تمكن من تشكيل ائتلاف قوي نسبيا( من حيث قاعدة القوة العددية في الكنيست) مدعوما ب74 مقعدا موزعة بين أحزاب إسرائيل بيتينو(15مقعدا) والعمل(13 مقعدا) وشاس(11 مقعدا) ويهوده هتوراه(5 مقاعد), إلا أن مواقف هذه الأحزاب كانت متباينة في عديد من القضايا خاصة مسألة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتصور النهائي لحل الصراع مع الفلسطينيين, واحتوت الاتفاقات الموقعة مع هذه الأحزاب علي صياغات غامضة لعبارات كان من شأنها أن تفجر إن آجلا أو عاجلا الخلافات بين الشركاء في الائتلاف. تتفق أحزاب الائتلاف جميعها علي ضرورة الإبقاء علي القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل وإن اختلف حزب العمل وحده مع الأحزاب الخمسة الأخري الشريكة في الائتلاف في إمكانية قبول إدارة ذاتية للأحياء العربية في القدس, وكذلك المقدسات الإسلامية والمسيحية بما لا يخل بالسيادة الإسرائيلية علي المدينة!! وبسبب ارتفاع الشعور بالخوف من الهاجس الديموغرافي والرغبة الجارفة في أوساط الجمهور الإسرائيلي للانفصال عن الفلسطينيين, لا يبدو أن هناك خلافا بين شركاء الائتلاف علي حل الدولتين, وقد بين قرار نيتانياهو عشية إطلاق المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين بقبول مبدأ حل الدولتين دون أن يؤدي ذلك إلي ردود فعل عنيفة داخل الائتلاف الحاكم, إن مبدأ حل الدولتين لا يشكل خطرا ملموسا علي تماسك الائتلاف الحاكم, وتبقي المشكلة الكبري في التأثير الواسع للمستوطنين وأحزابهم ومؤسساتهم علي حرية الحكومة في قبول عملية تجميد الاستيطان في الضفة الغربية, فإذا كان نيتانياهو قد استطاع أن يمرر قرار تجميد الاستيطان في نوفمبر الماضي ولمدة عشرة أشهر تنتهي في26 سبتمبر القادم, فإن حزب الليكود نفسه الذي يتزعمه نيتانياهو اتخذ قرارا بأغلبية كبيرة في لجنته المركزية في شهر يونيو الماضي بعدم تجديد فترة تجميد الاستيطان بالرغم من الضغوط الأمريكية والفلسطينية, كما نشطت منظمة' ييشع' وهي كبري المنظمات الراعية للاستيطان في إسرائيل لإطلاق حملة ترهيب ضد نيتانياهو لقطع الطريق عليه ومنعه من الاستجابة للضغوط الأمريكية والعربية والدولية لتمديد قرار تجميد الاستيطان. في ظل هذه الأوضاع فإن نيتانياهو يجد نفسه أمام خيارين صعبين: الأول: هو الحفاظ علي تماسك الائتلاف باستئناف البناء في الأراضي الفلسطينية والامتناع عن تمديد قرار حظر الاستيطان مع تحمل الدخول في مواجهة كبري مع الإدارة الأمريكية وأيضا مع أحد الشركاء الكبار في الائتلاف وهو حزب العمل الذي هدد زعيمه باراك بالانسحاب من الائتلاف إذا ما انهارت عملية التسوية. الثاني: هو القبول بتمديد قرار تجميد الاستيطان في الضفة والقدسالشرقية, وهو ما سيعجل بانسحاب حزب إسرائيل بيتينو ومعه حزب البيت اليهودي علي الأقل, مما يعني انهيار الائتلاف وحتمية تشكيل حكومة جديدة بالتفاوض مع أحزاب أخري لضمها لائتلاف جديد أو الذهاب إلي انتخابات مبكرة في حالة الفشل في إقناع أحزاب أخري بالانضمام إلي الائتلاف المزمع تكوينه. وبالنظر إلي كلا الاحتمالين فإن فرص لجوء نيتانياهو إلي الاحتمال الثاني مع بعض التعديلات- أي إعادة تشكيل الائتلاف- أكبر قليلا من فرص لجوئه إلي السير في الاحتمال الأول. ويستند هذا التقييم إلي النقاط التالية: 1 إن استطلاعات الرأي في إسرائيل تظهر تزايد شعبية نيتانياهو وعدم تأثرها بالهجوم الذي يشنه عليه خصومه بدعوي أنه يسعي لتقسيم القدس, كما تبين أيضا شعور أغلبية كبيرة من الناخبين(48%) بأن نيتانياهو هو الشخصية الأكثر قدرة علي قيادة إسرائيل في الظروف الحالية مقابل ما لا يزيد علي28% تذهب لتأييد زعيمة كاديما' تسيبي ليفني'. 2 أن التيار الأكثر تطرفا داخل الليكود والذي يقوده موشيه فيجيلين خسر أمام نيتانياهو في معركة تحديد موعد إجراء الانتخابات داخل الليكود وبفارق ضخم78% لصالح نيتانياهو مقابل22% لصالح أنصار فيجيلين, بما يشير إلي أن أهم منافسي نيتانياهو لا يشكل من الناحية العملية بديلا لزعامة نيتانياهو لليكود. 3 ان اللجنة المركزية لليكود والتي اتخذت قرارا برفض تمديد فترة تجميد الاستيطان ربما اتخذت هذا القرار لدعم نيتانياهو في مواجهة الضغوط الأمريكية, ويمكن لنفس اللجنة أن تعدل قرارها إذا ما رأي نيتانياهو أسبابا مقنعة لذلك. 4 إن التضحية بحزب إسرائيل بيتينو وإخراجه من الائتلاف أقل في كلفته السياسية داخليا وخارجيا من خروج حزب العمل من الائتلاف بدعوي خضوع نيتانياهو لابتزاز المتطرفين وتسببه في انهيار عملية التسوية مع الفلسطينيين. 5 أن هناك إجماعا بين كافة الأحزاب والقوي السياسية الإسرائيلية علي ضرورة تفادي أي صدام كبير مع الإدارة الأمريكية خاصة في ظل استعداد الدول العربية لنقل ملف إقامة الدولة الفلسطينية إلي مجلس الأمن إذا ما فشلت الجهود الراهنة لإحياء عملية السلام وضمان استمرارها وصولا لتسوية مقبولة من الجانبين, ومن شأن استئناف الاستيطان أن يدخل إسرائيل في مواجهة كبيرة مع إدارة أوباما. 6 تشعر إسرائيل في الآونة الأخيرة بتزايد محاولات عزلها دوليا خاصة بعد أحداث قافلة الحرية وتوتر علاقتها مع العديد من دول المنطقة وظهور انتقادات واسعة لها في مختلف أنحاء العالم خاصة مع استمرار حصارها قطاع غزة, وبالتالي لا يريد نيتانياهو منح الحملات المعادية لبلاده وقودا إضافيا باستئناف الاستيطان. وفي هذا الإطار دعا وزير البيئة جلعاد أردان( من الليكود) إلي ضم حزب كاديما إلي الائتلاف الحاكم حتي تواجه إسرائيل وهي موحدة الهجمة العالمية ضدها. بناء علي هذه المعطيات الست تبدو فرص ضم كاديما إلي الائتلاف مرجحة إلي حد كبير, غير أن تكلفة ضم كاديما إلي الائتلاف ليست قليلة أيضا سواء علي مستوي تكتل الأحزاب اليمينية المتشددة في جبهة معارضة موحدة ضد نيتانياهو والحكومة التي سيقوم بتشكيلها خاصة مع خروج حزبي إسرائيل بيتينو والبيت اليهودي من الائتلاف, أو علي مستوي قدرة نيتانياهو علي إعادة توزيع الحقائب الوزارية بعد دخول كاديما إلي الائتلاف الجديد دون أن يتسبب ذلك في إغضاب أعضاء حزبه وشركائه, خاصة أن كاديما من المتوقع أن يطلب عددا كبيرا من الحقائب قياسا علي قوته(28 مقعدا) كما أن التقارب بين العمل(13 مقعدا) وكاديما فيما يتعلق بتصوراتهما عن كيفية إدارة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين سيجعل منهما قوة كبيرة داخل الائتلاف, ويدرك نيتانياهو أن جرف الليكود نحو سياسات مقبولة من العمل وكاديما سيجعله عرضة لحملات تشكك في مدي صدق تمثيله اليمين الإسرائيلي, تماما مثلما تعرض حزب العمل في السابق لنفس الاتهامات حينما بدا أنه يعمل تحت عباءة الليكود أثناء حكم شارون, وهو ما اضعف حزب العمل أمام ناخبيه التقليديين, وتسبب تدريجيا في تراجع قوته علي الساحة السياسية الإسرائيلية, وبالطبع لا يريد نيتانياهو أن يلعب في الليكود نفس الدور الذي لعبه شيمون بيرس في حزب العمل في السابق, ولا يريد إن يكون المتسبب في انتهاء الليكود الي المصير ذاته الذي يواجهه حزب العمل حاليا. وفي كل الأحوال سيسعي نيتانياهو لتفادي الوصول إلي الوضع الذي يمكن أن يهدد صورته أمام ناخبيه عبر إجراء محاولة أخيرة مع الإدارة الأمريكية من أجل نقل المفاوضات غير المباشرة إلي إطار مباشر دون أن يضطر للتضحية بائتلافه الحاكم حاليا, ولكن مثل هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل, وسيكون عليه فقط: أن يقنع الأدارة الأمريكية بالاكتفاء بتمديد قرار تجميد الاستيطان دون أن يشمل ذلك القدس, وان يحاول تقليل الخسائر التي ستنجم عن ضمه حزب كاديما إلي الائتلاف علي الأقل لفترة من الوقت تمكنه من استعادة استقطاب بعض الأصوات التي ستشرد وتخرج لمهاجمته, سواء في الليكود وفي جبهة اليمين المعارض. وربما يكون رهان نيتانياهو الأهم هو أن الانقسام الفلسطيني سيتكفل بإفشال اي اتفاق مع اسرائيل وفي حينها يمكن ان تنجو اسرائيل من تهمة تقويض عملية السلام لتعلق المسئولية في رقبة الفلسطينيين.