انقضت المهلة الأولى الممنوحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "المنتهية ولايته" بنيامين نتنياهو لتشكيل حكومته الجديدة "المتعثرة" دون إحراز أي اتفاق بشأن ائتلافه الحاكم. ومنح الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الفرصة الأخيرة لنتنياهو من أجل إنهاء مفاوضات تشكيل الحكومة، وهي المهلة التي حددها القانون الإسرائيلي بأربعة عشر يوما. وواصل نتنياهو عملية التفاوض "الصعبة" التي يجريها لتشكيل الحكومة بعد فوز حزبه (الليكود) بأعلى عدد مقاعد في الانتخابات العامة للكنيست العشرين (البرلمان) التي جرت في السابع عشر من مارس الماضي، وسط مشهد سياسي معقد وفي ظل تعثر واضح لمسار التفاوض على خلفية رفض أحزاب اليسار والوسط الانضمام لحكومة وفاق يقودها نتنياهو، فيما تعلي أحزاب اليمين من مصالحها وترفض تقديم أية تنازلات وهي الأحزاب التي يصفها نتنياهو دوما ب"الشركاء الطبيعيين" واضعا رهانه السياسي، في حكومته الجديدة عليهم. وكلف الرئيس الإسرائيلي في الخامس والعشرين من شهر مارس الماضي نتنياهو بتشكيل الحكومة بعد أن أوصى بذلك 67 عضوا من أصل 120 نائبا بالكنيست. وأمهل القانون الإسرائيلي لنتنياهو فترة 28 يوما من أجل تشكيل الحكومة، وهي الفترة التي قضاها دون تحقيق تقدم ملموس؛ ليسمح القانون للرئيس أن يمنح نتنياهو مهلة أخيرة قوامها 14 يوما إضافية كحد أقصى، وفي حال ما انقضت هذه المهلة (حتى 42 يوما) دون أن يتم إنجاز تشكيل الحكومة يستطيع الرئيس الإسرائيلي إسناد المهمة إلى نائب آخر (وفي هذه الحالة اتسحاق هرتسوغ زعيم حزب العمل) فتكون له مهلة 28 يوما لإنجاز المهمة ولكن دون أن يكون هناك تمديدات أخرى، وفي حال فشل الاثنان في هذه المهمة، تعاد الانتخابات، وهو ما لم يحدث في إسرائيل من قبل. وتسعى إسرائيل لتشكيل حكومتها الرابعة والثلاثين في تاريخها، حيث قاد دافيد بن جوروين في 8 مارس 1949 أول حكومة لإسرائيل وكانت مكونة من 13 وزيرا. وتعد الحكومة التي يسعى نتنياهو لتشكيلها هي الرابعة له حيث كانت الحكومة الأولى التي قادها في الفترة ما بين 18 يونيو 1996 وحتى 28 مايو 1999، فيما ترأس حكومتين متتاليتين في الفترة ما بين 31 مارس 2009، وتنتهي ولاية الحكومة الثالثة التي بدأت في 2013، بتشكيل الحكومة الجديدة الرابعة. وبهذا يحل نتنياهو ثاني أطول رئيس وزراء بقاءً في إسرائيل بعد بن جوريون، وفي حال ما استمر الكنيست الحالي مدته الطبيعية وهي خمس سنوات فسيزيح بن جوريون ويحتل المرتبة الأولى. ويصبغ نتنياهو حكومته الجديدة الخاضعة للتفاوض بصبغة اليمين لاسيما وأنه أعلن عن ذلك مرارًا، لكن الصحافة الإسرائيلية فاجأت جمهورها بالحديث عن مفاوضات سرية يجريها نتنياهو مع حزب العمل (اليساري) بزعامة إسحاق هرتسوغ وهو الأمر الذي سارع الجانبان إلى نفيه. وتبدو مهمة نتنياهو من أجل الخروج ب"توليفة" حاكمة "صعبة ومعقدة" خاصة خلال الأيام القليلة للمهلة الأخيرة الممنوحة له، وذلك في ضوء موجة المطالب المتناقضة التي دفعت بها الأحزاب المفاوضة وكذلك غلو المواقف المتشددة التي تبديها هذه الأحزاب. وتستحوذ قوى اليمين على مجموع 67 مقعدًا الكنيست، بما يؤشر إلى أن الاتجاهات ترنو صوب حكومة يمينية بشقيها: دينية وقومية، وتظهر التوقعات أنها ستسير على درب الحكومة السابقة، ما يعني أننا قد لا نشهد انقلابا دراماتيكيا في برامجها السياسية تجاه الفلسطينيين في ضوء حالة الانسجام بين مكوناتها المحتملة من أحزاب: "الليكود، البيت اليهودي، يسرائيل بيتنا، شاس". - مفاوضات الغرف المغلقة بعد ساعات على بدء سريان المهلة الثانية والأخيرة الممنوحة لنتنياهو، اشتعلت غرف المفاوضات في وقت يبدي فيه ممثلو حزب الليكود حالة من الغضب الشديد إزاء سير المفاوضات الائتلافية، محذرين من أنه في حال سارت الأمور بالوتيرة نفسها، فإن الحكومة الجديدة لن تتشكل. وكشفت تصريحات طواقم المفاوضات بأن الأحزاب المتفاوضة تتمسك معظمها بضرورة أن يتم حل الخلافات الأساسية والملفات العالقة بشأن الحقائب الوزارية قبل إبرام أي اتفاق. وفي تصريح أظهر حجم المأزق الذي بات عليه الليكود وزعيمه نتنياهو، حمّل عضو طاقم التفاوض عن حزب "الليكود" الإسرائيلي "زئيف إلكين" الأحزاب المتفاوضة المسئولية عن تعثر المفاوضات الائتلافية، مهددًا في تصريحات نقلتها الإذاعة الإسرائيلية العامة من أنه إذا لم يتسن في نهاية المطاف تشكيل حكومة وطنية فإن الأحزاب التي وصفها ب"الشركاء الطبيعيين" لحزب الليكود هي التي ستتحمل المسئولية عن ذلك. ويعود جذور الأزمة العميقة التي تواجهها عملية "الاتفاق الائتلافي" إلى ما قبل الانتخابات عندما حاول نتنياهو جذب أكبر عدد من اليمينيين في صفه ورفع رصيد عمليات التصويت لصالحه.. ليتعهد إلى حزب "البيت اليهودي" بحقائب وزارية أهمها الدفاع والخارجية، وكذلك ليبرمان الذي اشترط عليه الحصول على حقيبة الدفاع ليتمكن من إنهاء "كابوس حماس". ولكن مع انتهاء الانتخابات وفوز الليكود ب30 مقعدًا طفت الأزمة بارزة بقوة على السطح من جديد، والتي تمثلت في ضرورة الإيفاء بالوعد الذي قطعه نتنياهو على نفسه. ويخوض حزب الليكود مفاوضاته مع أحزاب: "البيت اليهودي" (يميني) يحوز ثمانية مقاعد بالكنيست، حزب "شاس" (يميني ديني) ويحوز سبعة مقاعد، "إسرائيل بيتنا" (يميني) ويحوز ستة مقاعد، "يهودوت هتوراه" (ديني يميني) ويحوز ستة مقاعد، إضافة إلى حزب "كولانو" (كلنا) "وسط" وولديه عشرة مقاعد. ويمر نتنياهو بأزمة بسبب مراوغاته وتحالفاته الكثيرة، فخلافه مع حزب البيت اليهودي (صهيوني ديني) برئاسة "نفتالي بينيت" جاء بسبب عدم وفاء نتنياهو بتعهداته التي قطعها على نفسه إزاء "البيت اليهودي" وزعيمه، ففي البداية وعد الحزب بحقيبة الدفاع ثم حقيبة الخارجية، غير أنه سرعان ما تراجع عن وعده بخصوص الحقيبتين الوزاريتين. ويطالب حزب "البيت اليهودي" باحتكار قضايا الدين والدولة من خلال حصوله على حق النقض (فيتو) في هذه القضايا، وتضمين ذلك في الاتفاق الائتلافي. وكان الاتفاق الائتلافي للحكومة السابقة قد شمل بندا مشابها، حيث سمح ل"البيت اليهودي" بمنع دفع قوانين ترمي إلى تغيير الوضع القائم في قضايا الدين والدولة، وبينها تسيير المواصلات العامة في أيام السبت أو زواج المثليين. وتتجه التوقعات حاليا إلى أن يبقى بينيت وزيرا للاقتصاد مع استحواذه على منصب وزير الشئون الاستخباراتية والإستراتيجية والعلاقات الدولية فضلا عن ضمه إلى المجلس الوزاري المصغر للشئون السياسية والأمنية. كما يظهر مؤشر التفاوض حصول "البيت اليهودي" على منصب وزارتي الزراعة وشئون الاستيطان ووزارة شئون المتقاعدين التي قد تذهب إلى أيليت شاكيد المدرجة في المركز الثالث بقائمة "البيت اليهودي". أمام حزب "شاس" (يمين حريدي) الذي يمثل اليهود الشرقيين ويتزعمه ارييه درعي، فقد عرض "الليكود" عليه وزارة اقتصاد موسعة أو وزارة المواصلات. وقد نشأت أزمة بين درعي والليكود بعد موافقة نتنياهو على مطالب حزب "كولانو" التي تتضمن نقل دائرة التخطيط من وزارة الداخلية لوزرة المالية ؛ ما يعني تقليص وزارة الداخلية بشكل كبير بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، غير أن المفاوضات تتجه إلى سعي نتنياهو لاسترضاء درعي وتعويضه حيث عرض عليه أولا وزارة اقتصاد موسعة تشمل ملفات النقب والجليل والقدس، وهي ملفات ذات صبغة استيطانية، ثم عرض عليه وزارة المواصلات، وذلك مع الإبقاء على إمكانية تولي وزارة الداخلية المقلصة مع تعويض ما. ويطالب "شاس" بأن يتمسك أيضا بحقيبة الشئون الدينية (وهي الحقيبة التي أمسك بها حزب "البيت اليهودي" خلال السنتين الأخيرتين) ؛ وهو ما اشعل صراعا بين مع "البيت اليهودي" عبرت عنه عضو الكنيست عن الحزب "ايليت شاكيد" بالقول إن حزبها لا ينوي التنازل عن حقيبة الشئون الدينية لحزب "شاس".. ف"البيت اليهودي" لن يتخلى عن كل الإنجازات التي حققها في هذه الحقيبة، وإذا حصل ذلك فإن المفاوضات يمكن أن تنهار". ومن المزمع أن يجرى نقاش سياسي بين "شاس" و"البيت اليهودي" على أساس يسمح بأن يحافظ "شاس" على أسس الصهيونية الدينية خلال تولي حزبه منصب وزارة الأديان، وآلا يصب اهتمامه على مصالح الطائفة التي ينتمي إليها. فضلا عن احتمال منح أحد أعضاء الكنيست عن "البيت اليهودي" منصب نائب وزير الأديان. وعن حزب "يهودت هتوراة" الذي يترأسه يعكوف ليتسمان، فيخوض معه الليكود تفاوض تشكيل الحكومة، وتؤكد مصادر بأن الاتفاق الائتلافي معه بات وشيكا، وتشمل صيغة الاتفاق أن يحصل ليتسمان على منصب نائب وزير الصحة بصلاحيات وزير، ويرأس موشيه غافني لجنة المالية في الكنيست، ويتولى مئير بوروش منصب نائب وزير في وزارة الإسكان أو التربية والتعليم. أما التفاوض مع حزب إسرائيل بيتنا (يمين) والذي يرأسه أفيجدور ليبرمان فقد أخذ منحا آخر، فيساوم ليبرمان وهو وزير خارجية بحكومة تسيير الأعمال "الحالية" على استمرار حفاظه على ملف الخارجية من خلال تمسكه بحقيبة الدفاع حيث يهدف من وراء التمسك بحقيبة الدفاع ممارسة نوع من الضغط لكي يبقى في منصبه وزيرا للخارجية. وتدب الخلافات بين "إسرائيل بيتنا" وحزبي "شاس" و"يهودت هتوراة" بسبب قضية تجنيد اليهود المتشددين في صفوف الجيش..فالحزبان الأخيران يرفضان تجنيد اليهود المتدينين، بينما يصر ليبرمان وحزبه على مساواتهم بباقي الإسرائيليين وفرض التجنيد عليهم، مما تعد مواجهة وأزمة وصداع في رأس نتنياهو. وقال ليبرمان إن "الخطوط العريضة" للحكومة القادمة هي ما ستحسم مسألة انضمام حزبه إليها. موضحا أنه يريد تضمين الخطوط العريضة للحكومة، مطلبي "القضاء على حركة حماس، وإلغاء ضريبة مفروضة على المنتجات الاستهلاكية". وفي الوقت نفسه يرى نفتالي بينيت أنه ليس من حق ليبرمان، الذي حصل على 6 مقاعد بالكنيست، أن يملي شروطا ويحصل على منصب وصفه ب"الحساس"، في وقت يعتبر نفسه قدم تضحيات خلال الانتخابات لصالح حزب الليكود، ولم يحقق حزبه (البيت اليهودي) سوى 8 مقاعد، بعد أن تم توجيه المنتمين للحزب بالتصويت لصالح الليكود. ووسط ذلك تذهب التكهنات بأن يحتفظ ليبرمان بمنصبه الحالي وزيرا للخارجية، بعد أنباء تواترت بشأن قرب حل غالبية المسائل العالقة بين نتنياهو وليبرمان من جانب وبين الأخير ونفتالي بينيت من جانب آخر. وآخر الأحزاب التي يتفاوض معها الليكود، هو حزب "كولانو" (كلنا) وهو حزب محسوب على الوسط ويتزعمه موشيه كحلون، الذي استهل أولى المشكلات في عمليات التفاوض هذه مع نتنياهو بإعلانه عدم حضور المفاوضات ؛ وهو الأمر الذي أحدث ضجة كبيرة في إسرائيل الأسبوع قبل الماضي، بسبب الشعبية التي يحظى بها كحلون في الأوساط اليمينية، خاصة بعد حصوله على 10 مقاعد في الكنيست العشرين. وحاول نتنياهو احتواء أزمة كحلون الذي عارض إعطاء رئاسة لجنة المالية لحزب "يهدوت هتوراة"، بعد حصول كحلون على وعد وتأكيد بأنه وزير المالية القادم، وأصر كحلون على مطلبه برئاسة لجنة المالية بالكنيست، لكن نتنياهو أقنع كحلون بالتخلي عن هذه اللجنة. وتقود التكهنات إلى ذهاب رئاسة شعبة التخطيط والبناء بوزارة الداخلية لكحلون إلى جوار حقيبة المالية، حقائب شئون البيئة، والبناء والإسكان التي قد تذهب إلى الرجل الثاني في "كولانو" عضو الكنيست يوءاف غالانت. ويبقى أخيرا حزب الليكود الذي يقود المفاوضات حيث تذهب التوقعات صوب استئثار من 10 إلى 12 حقيبة وزارية مهمة على رأسها الدفاع والعدل والأمن الداخلي والإعلام والمواصلات، والرفاه الاجتماعي والتعليم.