قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس يعني اعتراف الولاياتالمتحدة بأن القدس عاصمة إسرائيل, وهي أكبر خطوة في تحقيق الحلم الإسرائيلي الذي عجزت عن تنفيذه منذ احتلال القدس في5 يونيو1967, أي منذ نصف قرن, فلماذا أقدمت الولاياتالمتحدة علي هذه الخطوة الآن, وما هي تداعياتها؟ أصر ترامب علي تنفيذ قراره رغم كل التحذيرات, لأنه يعتقد أن قراره سوف ينتشله من أزماته الداخلية الخطيرة, والتي قد تصل إلي محاكمته وعزله بتهمة تضليل العدالة, بشأن اتصالات مع روسيا تتعلق بالانتخابات الأمريكية, واستمرار الحملات الإعلامية التي تتهمه بالعنصرية, ولم يجد ترامب إلا اللوبي اليهودي القوي في الولاياتالمتحدة لينتشله من أزماته, ولهذا قرر أن يمضي في مقامرته, التي من شأنها تفجير موجة عنيفة من الغضب تجاه الولاياتالمتحدة وإسرائيل, وتقويض الجهود الأمريكية في مواجهة نفوذ كل من روسياوإيران, واحتواء نتائج الفشل الأمريكي في سوريا والعراق, ووأد مبادرة صفقة القرن الرامية إلي التوصل إلي حل للقضية الفلسطينية يسهل لإسرائيل أن تقيم علاقات دبلوماسية مع عدد من دول الخليج, لتتوحد جهود إسرائيل ودول عربية أخري في مواجهة إيران, بوصفها عدوا مشتركا للجانبين. تدرك الإدارة الأمريكية عواقب تنفيذ الولاياتالمتحدة لقرار نقل السفارة الأمريكية, وهو القرار الذي اتخذه الكونجرس الأمريكي منذ30 عاما, لكن كل رءوساء الولاياتالمتحدة لم يتمكنوا من تنفيذه خشية العواقب المترتبة عليه, والذي سيحول أمريكا إلي خصم وليس وسيطا للسلام, مثلما كانت تقدم نفسها طوال العقود الأخيرة. إن موجة الغضب الشعبية المتوقع تصاعدها بسبب القرار الأمريكي سوف يحرج أصدقاء الولاياتالمتحدة في المنطقة, ولن يجرؤ أي منهم علي تأييد السياسات الأمريكية في المنطقة, وسوف تتراجع أسهم القيادات الفلسطينية التي كان يمكن الإعتماد عليها في تبني مبادرة السلام الجديدة المسماة بصفقة القرن, وستعزز المنظمات الفلسطينية المتمسكة بخيار المقاومة من نفوذها, فلم تثمر جميع مفاوضات السلام في أوسلو ومدريد وغيرهما عن تحقيق أي تقدم في مسار سلام حقيقي وجاد يمكن أن يعيد الحقوق الفلسطينية, لكنها كانت سلسلة من مشروعات الخداع وتمرير الوقت, تتمكن أثناءها إسرائيل من ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية, وإنشاء التجمعات الإستيطانية الجديدة, التي أصبحت تمزق الضفة الغربيةالمحتلة, وتمنع تواصلها, بما يسقط مشروع إقامة دولتين, وبالتالي ستخلق مشكلة لا تقل خطورة لإسرائيل, وهي أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون معا داخل دولة واحدة, إما بوضع الفلسطينيين في معازل تحيطها الأسوار وممنوعة من الحقوق الأساسية, بما يجعل إسرائيل النموذح الوحيد المتبقي في العالم من الأنظمة العنصرية, أو أن يتمتع الفلسطينيون بالحقوق الأساسية ويشكلون أغلبية داخل الدولة الموحدة, لتنفجر إسرائيل من الداخل, وفي كلتا الحالتين ستواجه إسرائيل تحديا خطيرا يهدد كيانها. إن سياسة ترامب شديدة التخبط تتلاقي مع طموح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في تحقيق مكسب شخصي لكل منهما دون الدراسة المتأنية لتداعياته, وهو ما سيفتح الأبواب أمام عاصفة جديدة علي المنطقة تزيد من حدة الإضطرابات, التي ستكون نتائجها غالبا في غير مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل وأصدقائهما في المنطقة, ولن تحصد إلا المزيد من الفشل, وسيثبت أن الأجيال العربية الجديدة لم تنس القضية الفلسطينية ولن تتخلي عن القدس, وهو الرهان الذي تعول عليه الولاياتالمتحدة وإسرائيل.