الشيخ علي الخواص أستاذ الإمام الشعراني ولد في البرلس شمال الدلتا بمحافظة كفر الشيخ, وكانت حرفته تضفير الخوص لصنع مستلزمات المنزل والفلاحين منه, وكان الخواص أميا لا يقرأ ولا يكتب, ومع ذلك حفظ القرآن وله مذهب في الطريقة, وتفسيرات وتأويلات للقرآن والسنة حيرت العلماء. وأنكر الخواص علي أهل المعرفة أن يخوضوا في التدليل علي وجود الله والبرهنة علي وحدانيته لهذا السبب, وقال إن الحمار يكون حينئذ أعرف منهم بالله. فالإيمان بالله شيء لا يتحدث عنه, لأنه وقر في الصدر ولا يمكن التعبير عنه, وما ورد في السنة من ألفاظ الإيمان يرجع إلي التصديق والإذعان اللذين يفتحان علي العلم بالمعلوم المستقر في القلب بالفطرة, ولذلك لم يسأل أحد من الصحابة رسول الله( صلي الله عليه وسلم) عن حقيقة هذه الألفاظ ولا ناقشوا أصحابها. والخواص فرق ما بين العالم والصوفي, فقال: العالم هو ما كان علمه فنقول عن آخرين, فهو مردد لعلم غيره, وله أجر الذي يحمل العلم فيؤديه.. وأما الصوفي المتحقق فهو المسلك أي من أهل التسليك, وعلمه( خضري) نسبة إلي الخضر أو لدني نسبة إلي الآية وعلمناه من لدنا علما( الكهف56) أي علم يكفي الناس كلهم في سائر ما يطلبونه, ولو أراد العالم أن يعلم مرتبته في العلم فليرد كل قول حفظه إلي قائله, وسيري أنه لن يتبقي مما يعلمه إلا النزر اليسير الذي لا يمكن أن يصنع منه عالما. وكان الشيخ علي الخواص يعمل بيده ويأكل مما عملته يداه, فهو يؤكد أن تكون للمريد حرفة يتعيش منها, ولم يكن يقبل أحدا يتتلمذ علي يديه إلا إذا كانت له حرفة. وكان يقول: إن السوقة وأهل الصنائع والحرف أعظم درجة عند الله, وأنفع من المجاذيب, لقيامهم في الأسباب. ويعرف الشيخ علي التصوف بأنه مرحلة أعلي وأسمي من العلم نفسه, والمبتدئ في التصوف لابد وأن يكون عالما بكل الشريعة مجملها ومفصلها, وخاصها وعامها, وناسخها ومنسوخها, ولا يكون الرجل من أهل الطريق إن جهل حكيما واحدا. ويري أن التقرب إلي الله بتلاوة كلامه من أسمي درجات الإيمان, سواء كانت التلاوة بفهم أو غير فهم, ويقول. إن الفهم لعلماء الشريعة, وأن وسيلتهم للإحاطة بمضمون القرآن هو التفكير, وأما علماء الحقيقة والمتصوفة فطريقتهم للإحاطة بذلك المضمون هو الكشف والتعريف الإلهي. ولذلك لا يحتاج إلي فهم. وفي التوحيد يقول الشيخ علي الخواص: من يصح توحيده ينتفي عنه الرياء والإعجاب وسائر الدعاوي المتصلة, لأنه يشهد بأن كل الصفات والأفعال, ليست له وإنما هي لله وحده, وكمال الإسلام والإيمان في التسليم والرضا, ومناط ذلك القلب, فإذا صلح القلب, كان بيت الله ومهبط الوحي والأنوار, فالبيت لا يقبل الا مشاكله, فكما أن الأحرف وعاء المعاني, فكذلك القلب وعاء للحق والشرح والنور, وكما أن الحرف إذا تغيرت صورته, أو تبدلت منه نقطة فسد المعني, فكذلك القلب إذا تغير بعض صورته وصفته فسد ما فيه, وإصلاح القلب يكون بإصلاح الطعمة, وإصلاح الطعمة يكون بالكسب في الكون, مع التوكل علي الله, والتوكل حقيقة هو المراقبة لله, ومذهب الخواص الاذي يعلنه هو: وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه( الإسراء23). وكان للخواص تلاميذ كثر نقلوا عنه وتعلموا منه وعرجوا بفيوضاته وكلماته إلي مراتب سامية كان منهم الشعراني الذي كتب عنه في الطبقات كلام كثير في الوجد والطريق والحب الإلهي والحياة الدنيا, وتفسير آيات وقفة عيادات.