أفاض شيوخ الصوفية في تعريف التصوف الإسلامي، وأرجعوا البداية الحقيقية للتعبد أو الإيغال في العبادة إلى جماعة أهل الصفة، الذين اتخذوا من مسجد الرسول "صلى الله عليه وسلم" في حياته سكنًا لهم، وكانوا في غالبيتهم من فقراء المهاجرين، وكبار السن الذين لا يقوون على العمل، وكانوا يقضون نهارهم ومعظم ليلهم في الإكثار من الصلاة، ومداومة الصوم، وكان من أدبهم أنهم لا يطلبون من أحد شيئًا، أي لا يتسولون بل كانوا يقبلون ما يفيض عليهم الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وأغنياء المسلمين في المدينة من العطايا والصدقات. ولأن دراسة التصوف الإسلامي تقتضي الحيادية والعقلية المتفتحة، لفهمه أولًا والتعمق فيه ثانيًا. فقد صدر عن دار نهضة مصر كتاب جديد بعنوان "معالم التصوف الإسلامي" للدكتور حامد طاهر أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ويقدم فيه نظرة شاملة للتصوف في الإسلام منذ نشأته، وخلال تطوره حتى عصرنا الحالي، كما يعرض لأصل كلمتي صوفي وتصوف، ويحدد مراحل التصوف والطرق الصوفية ولغة التصوف والأدب الصوفي. ويتكون الكتاب من 28 فصلًا هي: التصوف ظاهرة إسلامية، التصوف الإسلامي في الدراسات الحديثة، مصادر التصوف الإسلامي بيلوجرافيًا تحليلية، حول أصول كلمتي صوفي وتصوف، قضية المصدر الأجنبي في التصوف الإسلامي، هل يحتوي القرآن والسنة على بذور للتصوف الإسلامي؟ التصوف الإسلامي نشأته وتطوره، مراحل التصوف، لحظة التحول الصوفي، الطريق الصوفي، البناء الهرمي للصوفية، قواعد التصوف، تفرد الصوفية في الآداب والمعارف، التصوف الإسلامي والنفس الإنسانية، الديناميكية في التصوف، مفهوم الشعائر عند الصوفية، الحبُّ الإلهي عند الصوفية، المذاهب الصوفية، الطرق الصوفية، الملامتية وأهل الفتوة، السماع عند الصوفية، الكرامات، أسرار الحروف، لغة التصوف، الأدب الصوفي، الصوفية أمام الموت، نقد التصوف، ماذا نستفيد من التصوف في العصر الحاضر؟. ويذكر المؤلف، في كتابه أن ظهور التصوف الإسلامي كان مرتبطًا في جوهره بالدين الإسلامي، ولم يتم استقاؤه من الديانات الأخرى، مفندًا آراء المستشرقين الذين ادعوا أن التصوف قد انتقل من مصادر أخرى أجنبية من خلال سفر المسلمين للهند، وبلاد فارس، واليونان، كما أدعوا أنه انتقل من الديانات الأخرى للإسلام. والتصوف الإسلامي، وفقًا للكتاب، هو ظاهرة إنسانية وتجربة فريدة روحانية بالغة العمق يخوضها الإنسان بنفسه متجردًا من أمور الدنيا، ومطالب الجسد التي تجذب جميع الناس، ويتدرج بعدها من مقام إلى مقام حتى تغمره أنوار السعادة التي لا يصل إليها أحد غيره. وأوضح د. حامد طاهر، أن التصوف قد تعرض للعديد من الانتقادات، حيث اعتبره بعض الدعاة مرضًا مزدوجًا يصيب صاحبه دون فهم الجوانب الأكثر إشراقًا وإيجابية في التصوف، مضيفًا أن التصوف هو جزء من التراث الإسلامي، وأشار إلى أن القرآن الكريم والسنة النبوية، يدعوان للزهد في الدنيا وتفضيل الآخرة عليها، لكن في نفس الوقت هناك دلائل أخرى بالقرآن والسنة على ضرورة تمتع الإنسان بخيرات السموات والأرض التي سخرها الله للإنسان على الأرض، وعدم نسيان نصيبه من الدنيا. وكشف الكتاب أن التصوف قد أثر وتأثر بأفكار الشيعة الإسماعيلية في العراق، حيث اقتبس منها أفكارًا ومصطلحات عديدة مثل: القطب، والأبدال، والظاهر، والباطن. ويتكون البناء الهرمي للصوفية، وفقًا للكتاب من القطب أو الغوث وهو بمثابة أعلى درجة من الإيمان والتصوف، ويعتبرونه موضع نظر الله للعالم، وتمثل رتبته باطن نبوة سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"، ويكون بجوار القطب إمامان، أحدهما على يمينه والآخر على يساره، وبعد ذلك الأوتاد وعددهم أربعة ومنهم مجموعة من كبار الصوفية، وتحتهم الأبدال وعددهم سبعة ويسافر البدل من مكانه بروحه ويترك جسدًا على صورته في المكان، وبعد الأبدال يأتي النجباء وعددهم 40، ويحملون هموم الناس ومشاكلهم، وبعدهم النقباء الذين يشرفون على بواطن الناس. الجدير بالذكر أن د. حامد طاهر مؤلف الكتاب هو أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، كما أنه درس التصوف الإسلامي، وحصل على دكتوراه من جامعة السوروبون بفرنسا في التصوف، كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في التصوف. ويرى د. حامد أن ما تركه الصوفية المسلمون لنا من أدب رفيع مكتوب باللغات الثلاث العربية، والفارسية، والتركية ما زال بحاجة شديدة إلى اكتشاف كنوزه، وتقديمها للناس في شكل معاصر مع بيان قيمتها في مجال الآداب العالمية، وينصح الدارسين للصوفية الإسلاميين بالتفتح والتعمق، وأن يكون الحكم في المرحلة الأخيرة وألا يكون نتيجة أحكام الآخرين عنه. مشيرًا إلى أن كثيرًا من هذه الأحكام وقفت على الظاهر دون أن تنفذ إلى الجوهر، كما أنها قامت في معظمها على رفض مبدئي للتصوف والصوفية، دون قراءاتهم قراءة مباشرة، وهذا العيب ظل أحد أهم ما يرتكبه المنتسبون إليه في عصرنا الحاضر من أفعال منافية تمامًا لمبادئه الأساسية أو تعاليمه الأولى.