القاهرة قلب العالم العربي, عقله المفكر وبصيرته النافذة, هذا قدرها ودورها المرسوم بحكم التاريخ والجغرافية, ويعي الرئيس السيسي هذا الدور جيدا, يعرف مسئولياته الجسام تجاه مستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط كله, ويتصدي لهذه المسئوليات, رغم جسامتها وصعوبتها وما يحيط بها من ظروف معاكسة, بكل شجاعة وصبر وتفهم. وأولي هذه المسئوليات قيادة موقف عربي موحد لتحقيق الحلم الذي يداعب شعوب المنطقة بوقف الاقتتال والصراع الداخلي والحروب الأهلية بين الاخوة أبناء الوطن الواحد, تلك الحروب والصراعات التي تستنزف قوتهم ومواردهم وتدمر بناهم التحتية وتزهق أرواحهم وتشتت شملهم وتجعلهم لاجئين علي الحدود يستجدون نظرة عطف وفرصة عمل ولقمة عيش وغطاء يقيهم الصقيع في بلاد الشمال الباردة. ويقوم الموقف العربي علي ضرورة التفاهم والعودة إلي طاولة المفاوضات لحل كل الخلافات, فقد أثبتت الأيام أن السلاح لا يحل المشكلات بل يعقدها, إذن فلا حل إلا بالطرق السلمية, فهل تنجح القمة العربية المقرر عقدها بالأردن خلال الأيام القليلة المقبلة في حقن دماء العرب, وإنهاء الخراب والدمار الذي حل بالمنطقة في سنين الخريف العربي التي بدأت مع بداية هذا العقد الكئيب من القرن الحادي والعشرين. هل من الممكن أن يكون اجتماع زعماء العرب وقادتهم في هذه القمة بداية وقف النزيف العربي, وإعادة إعمار المدن والقري التي خربتها الحرب ودمرتها, هذا الإعمار الذي يحتاج إلي سنين وسنين, وإلي مئات المليارات من أجل فقط إعادة الوضع إلي ما كان عليه قبل6 سنوات, وكان الطبيعي أن تستخدم هذه المليارات في تطوير الدول العربية ونقلها إلي مصاف دول العالم المتقدم لولا هذا المخطط الجهنمي الذي قادته قوي عالمية وإقليمية, والذي لولا ثورة30 يونيو, التي تصدت له وأوقفته لأكل الأخضر واليابس, وللحقت مصر بالدول العربية الشقيقة التي ابتلعت الطعم ووقعت في الفخ. وهل تنجح القمة العربية في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية, وإقامة الدولة الفلسطينية التي يتطلع إليها العرب علي حدود الرابع من يونيو1967, وعاصمتها القدسالشرقية, ولعل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلي القاهرة ولقائه الرئيس السيسي جاءت في إطار التجهيز لهذه القمة, وأيضا لتنسيق المواقف قبل زيارة الرئيس السيسي المرتقبة لواشنطن ولقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة واشنطن. وزيارة السيسي لواشنطن تكتسب أهمية كبري بالنسبة للقضية الفلسطينية, فليس هناك من يطرح قضية فلسطين بوضوح وبدقة مثل الرئيس المصري, كما أن واشنطن يمكن, بل ويجب عليها, أن تمارس ضغوطا علي حلفائها في تل أبيب لقبول حل الدولتين والمضي قدما في عملية السلام التي تعاني تعنتا واضحا وتجاهلا تاما من المسئولين الإسرائيليين. وقبل مغادرته القاهرة أشاد أبو عباس بالجهود المصرية الساعية إلي حل القضية الفلسطينية والتي تتواصل علي مختلف الأصعدة لتوفير الحماية وتحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني. والآن تتجه أنظار الشعوب العربية وقلوبهم إلي القمة العربية في الأردن, آملين أن يكون القادة المشاركون فيها علي قدر المسئولية الملقاة علي عاتقهم في هذه اللحظات الفارقة في تاريخ ومستقبل الأمة العربية, وأن يتمكنوا من لم الشمل العربية لمواجهة القوي الإقليمية الطامعة في فرض سطوتها وكلمتها علي شعوب المنطقة, وإعادة عجلة التاريخ إلي الوراء, واستدعاء نماذج الإمبراطورية الفارسية أو السلطنة العثمانية أو الاحتلال الصهيوني, بعد أن تجاوز التاريخ هذه النماذج إلي غير رجعة, ويملؤني التفاؤل والأمل في مستقبل عربي مشرق في قلبه مصر القوية المتقدمة, وتحيا مصر.