في صفحة الرأي والرأي الآخر بجريدتنا الغراء الأهرام المسائي وفي العدد الصادر في الأول من شهر فبراير الماضي كتب الصديق جمال زايدة كلمات مؤثرة ومعبرة دبجها بحرفية وبراعة مدافعا ومتحدثا عن ضرورة إنقاذ تليفزيون وإذاعة الأمة المصرية( هكذا كان عنوان المقال) وهما الجهازان اللذان لعبا دورا محوريا وفعالا في تشكيل وجدان وعواطف ومشاعر المصريين علي مدي ثلاثة أرباع قرن من الزمان منذ أن انطلق صوت المذيع المصري هاتفا عبر الفضاء بجملة هنا القاهرة وكان ذلك في الخامسة من مساء يوم الحادي والثلاثين من مايو1934, ولقد سعدت بمقال الصديق العزيز وهو يؤكد في كلماته علي ضرورة أن تتكتل الجهود من مختلف الأطياف لكي تقيل الجهازين( الراديو والتليفزيون) من عثراتهما حتي يعودا إلي ما كان عليه من تألق ولمعان وازدهار, ذاكرا كيف استقرت في جنبات الشريفين وماسبيرو قيم الموضوعية والشفافية والنزاهة والمصداقية في كلمة يبثها الجهازان, وهي القيم التي لعبت دورا بالغ الأهمية في تقوية النسيج الوطني وجعلته لحمة واحدة, أو كما يقول الصديق جمال بكلمات معبرة إن الجهازين ربطا كل بقعة من بقاع مصر بفكرة الوطن, وحياك الله أيها الصديق فقد أبكيتني بقدر ما أسعدتني, لقد جعلت الدموع تطفر من عيني بدفاعك الجميل عن هذا الصرح الباذخ من صروح المعرفة والنظافة والفن القابع علي نيل القاهرة في ماسبيرو, وفي نفس الوقت انهمرت الدموع عندما أشرت إلي أن هناك ما يشبه التخيل بأن إصلاح ماسبيرو يأتي من خلال مؤسسات إعلامية بديلة, ومعني ذلك أنه يمكن طرح تساؤل هل يستمر ماسبيرو في أداء دوره أم يتم تأجيره كفندق وينتقل نشاطه إلي مدينة الإعلام, ودارت بالذهن الظنون علي صرح يمكن أن يتهاوي, وذري عالية قد يقدر لها أن تتناثر ومعها تندثر سنوات من التاريخ لعبت خلالها الإذاعة المصرية دورها الرائع في مد فروع الثقافة والعلم والفنون التي جاحت بها قرائح المصريين وانتشرت في أنحاء عالمنا العربي, وكيف ساهم ميكروفون إذاعة مصر في تأجيج ثورات كل الشعوب التي رزحت تحت تأثير الاستعمار وقام بدور رائد في رحيل المستعمر لتنعم الشعوب بالحرية والكرامة, ثم جاء التليفزيون ليكون نبعا صافيا يستقي منه المصريون العلم والمعرفة ويشاهدون ألوانا من الفنون تحتوي علي الدراما الجاذبة واللحن الجميل والكلمة والخبر الصادق, انكفأت باكيا وأنا أتخيل اندثار ماسبيرو لأن ذلك يعني اندثار سنوات وحقب من عمر الوطن, ومن عمرنا نحن الذين عاصرنا التألق والإبداع الإذاعي والتليفزيوني الذي بثه كل من الشريفين وماسبيرو, وشاهدنا عمالقة الأدب والفنون طه حسين والعقاد وعبد الوهاب وأم كلثوم ويوسف وهبي وأمينة رزق وغيرهم واستديوهات الجهازين تزدان بهم وهم يقفون أمام الكاميرا والميكروفون يبدعون ويروون عطش العقول والقلوب بالكلمة الحلوة واللحن الجميل والأداء الفني الراقي, ماسبيرو ليس له بديل, وأعتقد جازما أن مسئولا ما ليس لديه النية في إضعافه أو خصخصته, وإنما النية والعزم في تطويره بما يليق به وبتاريخه وبدوره, ماسبيرو( إذاعة وتليفزيون) يمتلك آليات عودته إلي الريادة بحكم ما لديه من طاقات بشرية, وبالتالي فهو يحتاج إلي الدعم المادي الذي يسهم ويساعد هذه الطاقات علي الإمساك من جديد بعصا النجاح. ماسبيرو يعني الإعلام الرسمي الذي لا يقول اللغو ولا يشتط, إنه الأمن القومي لهذا الوطن, ماسبيرو قد يمرض بل هو مريض بالفعل ووجب أن نعالجه بالقضاء علي ما فيه من تكدس والتفريق في الإثابة بين من يجيد ومن هو خامل, وأن تكون النوايا خالصة في عودة الجهاز إلي المنافسة وبلوغ الريادة, والإعلام الخاص الذي يتباهي ويتعاجب بنفسه يمكن أن يسقط لو أن طيور ماسبيرو التي هاجرت إليه عادت إلي أعشاشها, ورغم الهجوم الشرس علي ماسبيرو فإن شاشاته وميكروفوناته تقدم الإعلام المتسم بالمهنية, الخالي من الغث والعبث الذي تحتشد به الشاشات الخاصة حتي في ظل قدراته المادية المتواضعة, وكم أنا فخور بالانتماء إلي ماسبيرو الذي يقدم الإعلام الموضوعي بكل اقتدار, أعيدوا إلي ماسبيرو زهوه وتألقه فهو الحارس الأمين علي مقدرات الوطن.