كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن عبد الله بن نجي, عن أبيه, أنه سار مع علي- رضي الله عنه- وكان صاحب مطهرته, فلما حاذي نينوي وهو منطلق إلي صفين, فنادي علي رضي الله عنه: اصبر أبا عبد الله, اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت؟ وما ذا؟ قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه وسلم ذات يوم, وعيناه تفيضان, قلت: يا نبي الله, أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال:' بل قام من عندي جبريل قبل, فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات'. قال:' فقال: هل لك إلي أن أشمك من تربته؟'. قال:' قلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها, فلم أملك عيني أن فاضتا'. رواه أحمد. من القضايا الغيبية التي أخبر بها الرسول- صلي الله عليه وسلم- قبل وقوعها استشهاد الإمام الحسين بن علي حفيد رسول الله- صلي الله عليه وسلم- حيث أوحي إليه جبريل بذلك وأعطاه حفنة من تراب مكان استشهاده- رضي الله عنه- وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- حزنا علي حفيده ويدخل عليه الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعيناه تفيض بالدمع فيسأل رسول الله عن سبب بكائه فيخبره بالأمر وكان مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- في يوم الجمعة, سنة إحدي وستين بكربلاء من أرض العراق, وله من العمر ثمان وخمسون سنة وكان هذا من المصائب العظيمة علي الأمة قال ابن تيمية رحمه الله:' وكان قتله- رضي الله عنه- من المصائب العظيمة; فإن قتل الحسين, وقتل عثمان قبله, كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله' ويحزن المسلمون لمقتل الحسين- رضي الله عنه- لكن دون مغالاة تؤدي إلي مخالفة شرع الله كما تفعل بعض الطوائف اليوم من ضرب الصدور ولطم الخدود وشج الرؤوس بالسيوف وإراقة الدماء, قال ابن رجب- رحمه الله-:' وأما اتخاذه مأتما- يوم عاشوراء- كما تفعله الرافضة; لأجل قتل الحسين بن علي- رضي الله عنهما- فيه, فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا, ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم' فنحن نتقرب إلي الله بمحبته دون مغالاة كما يفعل أهل البدع ونبرأ إلي الله ممن يبغضه فعن أبي هريرة, قال: قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم:-' من أحبهما فقد أحبني, ومن أبغضهما فقد أبغضني' رواه أحمد- يعني حسنا وحسينا رضي الله عنهما.