طبقا لقاموس المعاني:السحت هو ما خبث وقبح من المكاسب,فلزم عنه العار,وفي التنزيل العزيز:المائدة آية42( سماعون للكذب أكالون للسحت)..وطبقا للراغب الأصفهاني:سحت للمحظور الذي يلزم صاحبه العار كأنه يسحت دينه ومروءته. في الأسبوع الماضي كتبت عن الديمقراطية البريطانية وكيف أنها ديمقراطية حقيقية ومتفوقة علي الديمقراطيات الأخري الغربية منها والشرقية,وأنها ديمقراطية راقية مرتقية مسئولة وغير عابثة. بالمقارنة اليوم نجد أن الكونجرس الأمريكي في غيه يعمه ولا يبالي حتي بالمصالح الأمريكية,وأن القرارات فيه لا تمس الديمقراطية في شيء,وأن الغلبة في اتخاذ القرار تكون لجماعات الضغط ولأمور سياسية وشئون حزبية وكأن الأمر كله من مسرح العبث. حدث يوم الثلاثاء الماضي تصويت علي القانون المثير للجدل والذي بمقتضاه يمكن لأي مواطن أمريكي أن يرفع أي قضية تعويض ضد أي حكومة أجنبية توصف بأنها راعية للإرهاب..هذا تشخيص مطاط بمقتضاه, أن أي ضحية من ضحايا حادث11 سبتمبر الإرهابي يمكنه رفع قضية ضد السعودية لأن غالبية منفذي الحادث منها. الجميع يجمع أن السعودية هي المقصودة بهذا القانون,وأن الأموال السعودية هي المطمع وهي المقصودة, لأن الذي سيتطلب تعويضا سيطلب الملايين,وأن جملة التعويضات التي سيحصل عليها أهالي الضحايا سحتا وبهتانا قد تصل الي البلايين. إنها الديمقراطية المتوحشة التي لا تبالي..لم يبال أعضاء الكونجرس بتهديدات السعودية بسحب استثماراتها وودائعها,ولم يبالوا ببراءة المملكة المتعددة في المحاكم وفي اللجان التي شكلت عقب الحادث لتقصي الحقائق ومعرفة ما حدث, وأجمعت كلها علي براءة المملكة من كل الاتهامات السابقة بأنه لا علاقة لها بالحادث الإرهابي..لم يبال هؤلاء الأعضاء بقول الرئيس أوباما إنه سيستخدم حق النقض في حالة موافقة الكونجرس علي القانون المقدم. قاد تلك الحملة المسعورة ضد المملكة عضوان من الكونجرس أحدهما ديمقراطي من ولاية نيويورك سيناتور تشوك شومر وهو صهيوني متعصب, والآخر جمهوري من ولاية تكساس سيناتور جون كورني الذي صرح عقب الموافقة علي القانون بقوله:ضحايا الإرهاب في وطننا لابد أن يستخدموا كل وسيلة لتحقيق العدالة,وأضاف السيناتور شومر:يتعين علي أي حكومة أجنبية تساعد الإرهابيين أن تدفع ثمن فعلتها. الغريب في الأمر أن غالبية الأعضاء الديمقراطيين في المجلس صوتوا لصالح القانون في تحد ظاهر للرئيس الديمقراطي أوباما..والذي وعد أنه سيستخدم حق النقض للقانون..حق النقض هذا لن يجدي إذا ما وافق ثلثا الأعضاء عقبه,وهو متوقع الحدوث. الآن وقد أصبح القانون أمرا واقعا,سنري ماذا يفعل الرئيس الأمريكي وماذا ستفعل السعودية في تهديداتها علي لسان وزير خارجيتها وبقية المسئولين بها,أم أنها ستخضع وتدفع بضعة بلايين؟..وماذا ستفعل الدول الأخري من اتخاذ إجراءات مماثلة لطلب تعويضات لمواطنيها والذين أصابهم الضرر من العديد من إرهاب الدولة ومؤسساتها مثلما حدث في أفغانستان والعراق ومن قبل في فيتنام؟ المشكلة في هذا القانون ليست في دفع السعودية تلك البلايين المنتظرة, ولكنها في تشخيصها أنها دولة داعمة للإرهاب, وهي ليست كذلك, وهي أيضا دولة صديقة للولايات المتحدة. المشكلة في أنه أصبح من حق أي مواطن أمريكي طلب الملايين من أي دولة علي حس هذا القانون. نعم أمريكا دولة قانون,ولكن وجود هذا التشريع يمنح طالب التعويض حقه القانوني أمام أي قاض,وكل ما يحتاجه محام جيد وسيحصل علي التعويض بيسر وسهولة. هذا نوع جديد من السحت تمارسه أعظم قوة في العالم,يظن مشرعوها أن كلمتهم لن تنزل هذه المرة, أو تنزل أبدا,وعلي المتضرر الرضوخ ودفع الأموال السهلة بالملايين..هذا هو السحت السياسي الخبيث القبيح الذي لا يهمه العار والمروءة.