حكم الرئيس مبارك مصر ثلاثين عاما مكثت منها24 عاما خلف القضبان مع ثلة كريمة من إخواني من ذوي الرأي والفقه والفكر.. مما جعلنا جميعا ندرس شخصية وحكم الرئيس حسني مبارك دراسة متأنية بإيجابياته وسلبياته وحسناته وسيئاته. فالسجن مدرسة عظيمة في التأمل والتدقيق.. حيث تراقب الأحداث دون أن تشارك فيها.. أو تكون طرفا من أطرافها.. فتصل في أغلب الأحيان إلي حكم دقيق. ويمكنني أن أوجز إيجابيات وسلبيات عهد الرئيس مبارك فيما يلي: سلبيات عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وقد بدأت بها لأن سلبياته كانت أكثر من إيجابياته.. أو أن سلبياته غطت علي الكثير من حسناته أو طمستها.. كما أن طول فترة حكمه جعلت سلبياته تتراكم وخاصة حينما ترك الحبل علي الغارب لابنه جمال ومجموعته يعيثون في الأرض فسادا ويبيعون البلاد بثمن بخس.. حتي ثار الشعب المصري كله ضده في أول سابقة تاريخية من نوعها في مصر.. ويمكننا تلخيص سلبياته فيما يلي: أولا: العناد بغير ضرورة فكلما أراد الشعب منه أمرا تافها لا يضره لا يفعله وقد يفعل عكسه. ووجدنا ذلك في إصراره علي استبقاء اللواء/ زكي بدر في الداخلية رغم رغبة جميع طوائف الشعب وقتها في إقالته.. وكلما ازدادت رغبة الشعب في إقالته ازداد تمسكا به. ووجدناه في إصراره علي استبقاء فاروق حسني رغم أن كل الشعب كان لا يطيقه.. وقس علي ذلك مع الجميع مثل أحمد عز ود/ إبراهيم سليمان ومثل الجائزة التقديرية للقمني وهكذا. ثانيا: الجمود حتي التكلس: فقد تميز عهده بالجمود الشديد وغياب المرونة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وفي العلاقة مع كل القوي السياسية والإسلامية.. حتي وصل النظام إلي درجة التكلس.. فلا إبداع.. ولا تطوير.. ولا أفكار جديدة. وزاد الطين بلة حينما أدار البلاد جمال ومجموعته.. فقد زاد ملف التوريث الجمود في السياسة المصرية الداخلية.. وجعلها دوما محلك سر. ثالثا: غياب العفو وضياع الأريحية. فلا يصلح ملك بلا عفو.. فلكل شيء زكاة.. وزكاة القدرة العفو. فقد قال في أحد حواراته: أنا لاأعفو عن أي سجين ولا أحب ذلك.. فقلت في أسي: من لا يعفو عن الناس لا يعفو الله عنه. وكنا نقارن بينه وبين الملك حسين الذي قامت ضده40 محاولة انقلاب ولم يعدم أي سياسي طوال40 عاما. وقد دهش الجميع لسجنه الفريق/ الشاذلي رغم دوره العظيم في نصر أكتوبر.. وقس علي ذلك كثيرا مما لا يحصي. وقد كان السادات يتميز عنه كثيرا في هذه النقطة.. لأنه سجن وذاق طعم الظلم فعرف قيمة العدل.. فلم يكن عند الرئيس مبارك وللأسف أي اهتمام بهذا المعني العظيم الذي يدوم به الملك وتحفظه له رعيته أبد الدهر.. فقد كان رئيسا بلا مشاعر تقريبا. رابعا: الإقصاء للجميع: فقد كان هناك إقصاء لكل التيارات السياسية..حتي ما كان منها ينفع النظام ويشد من أزره.. وزاد هذا الإقصاء بعد الرغبة في توريث الرئاسة لابنه جمال.. حيث تم الإقصاء بغباء وعنف وبلا مبرر سياسي.. سوي تهيئة المسرح لجمال مبارك بطريقة غبية. خامسا:- تزاوج الثروة والسلطة. وهذا التزاوج أنجب الفساد والرشوة في مصر حتي صارا شيئا طبيعيا.. وحتي بيع كل شيء في مصر للمفسدين بثمن بخس. سادسا: إفساد الحياة السياسية المصرية. فلم يفسد الحياة السياسية المصرية فقط.. ولكنه أفسد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.. حيث باع ثروات مصر بأبخس الأثمان. كما اشترط الفساد والولاء لتولي أي منصب في الدولة. لقد كان عبد الناصر والسادات يشترطان الولاء فقط لتولي المناصب.. ولكن نظام مبارك اشترط معهما الفساد أيضا. سابعا: بيع وتوريث كل شيء في مصر: لقد سارت عدوي التوريث في كل مجالات الدولة.. في الجامعات.. وفي القضاء وفي الشرطة.. وفي البترول والبنوك والهيئات الدبلوماسية.. وكل مكان. ولم يعد للكفاءة أي دور في اختيار المناصب.. وتم بيع معظم الوظائف تقريبا.. فكل له سعره وثمنه.. فالبترول والبنوك والكهرباء في المقدمة.. ثم تتدرج القائمة بعد ذلك. حتي وزارة الأوقاف دب فيها الفساد.. فكان فراش المسجد مثلا لا يعين إلا بعد أن يدفع عشرة آلاف جنيه. ثامنا: محاولة إفقاد مصر هويتها الإسلامية والعربية: فمعظم من تولوا ميادين الثقافة والإعلام في مصر كانوا يكرهون الهوية الإسلامية والعربية ويحاولون طمسها بكل طريقة.. وهؤلاء تربعوا علي عرش الثقافة والإعلام بلا منازع طوال فترة حكمه. تاسعا:- الغياب الكامل للعدالة الاجتماعية. فعبد الناصر لم يكن ديمقراطيا ولكنه حاز رضا الشعب في عهده بنظافة يده وتبنيه مبدأ العدالة الاجتماعية. ولكن عهد الرئيس مبارك افتقد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية معا.. فلم يطق الناس الصبر علي فقدهما معا. عاشرا:- إخراج مصر من ريادتها العربية والإسلامية. فقد كانت مصر دوما رائدة في محيطها الإسلامي والعربي.. ولكنها تخلت تماما عن هذا الدور العظيم في عهد الرئيس مبارك.. حتي إن دورها الإقليمي قد استولت عليه إيران وإسرائيل وتركيا.. وأقصت مصر تماما من ريادتها السابقة. ولكن ماذا عن إيجابيات عهده؟!! قد يستغرب البعض أنني أتكلم عن إيجابياته في هذا الوقت العصيب الذي تخلي عنه أقرب مقربيه الذين أكلوا علي موائده. لقد سجنت في عهد الرئيس حسني مبارك قرابة ربع قرن واعتقل والدي وجميع أشقائي.. ولكنني لا أتخلي عن أخلاقي وثوابتي في الحكم علي الناس لأن شهادتي يراقبها الله. فقد علمني السجن والإسلام العدل مع الخصوم وعدم التشفي فيهم.. وعدم الحقد علي أحد.. وعدم غمط الخصوم حقوقهم.. والعمل بقوله تعالي ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي. وإذا لم نعدل مع خصومنا لن نجد من يعدل معنا.. وأنا لا أريد شيئا من الدنيا حتي أنافق العوام.. فلن أنافق أبدا لا الحكام ولا العوام.. فكلاهما شر مستطير. أما إيجابيات عهده من وجهة نظري فهي كالآتي:- 1- أنه قاتل من أجل مصر ثلاثين عاما كاملة.. كان فيها نموذجا للانضباط العسكري والشجاعة.. ودوره في قيادة القوات الجوية في نصر أكتوبر معروف لا ينكر. 2- لم يسمح بإقامة أي قاعدة عسكرية أجنبية علي أرض مصر.. في الوقت الذي تتناثر القواعد العسكرية الأجنبية حولنا. 3- أنه لم يستجب لأمريكا حينما حاولت إغراءه بغزو ليبيا سنة1982 م.. ولم يستجب لرغبتها في المشاركة في غزو العراق وأفغانستان. 4- رفضه دعوة بعض قادة الجيش المصري لضرب الخرطوم بعد نجاته من حادث أديس أبابا. 5- قبوله مبادرة وقف العنف من الجماعة الإسلامية وإفراجه عن قرابة12 ألف معتقل قضي معظمهم في السجون أكثر من12 سنة دون محاكمة. 6- جنب مصر ويلات الحروب في منطقة ظلت ملتهبة تماما طوال عهده. اللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب.. ومع من نحب ومن لا نحب ومع الذين أحسنوا إلينا والذين أساءوا إلينا. قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير