«أبو سنة» يكشف تفاصيل إنشاء أكبر مجمع إعادة تدوير للمخلفات في مصر    "وضع سقف للدين العام".. أبرز تصريحات معيط بشأن الموازنة العامة أمام النواب    «الخارجية الأمريكية»: نرفض قيام إسرائيل بعملية عسكرية كبيرة في رفح الفلسطينية    تشكيل باريس سان جيرمان وبوروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    تحرير 50 محضرا متنوعا للمخابز خلال 4 حملات تموينية مكبرة بالفيوم    إبراهيم السمان يخوض أول بطولة سينمائية مطلقة ب«مخ في التلاجة» (صور)    شارك صحافة من وإلى المواطن    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    فرسان العلم والعمل والإنتاج مع أحمد إبراهيم في قناة مصر الزراعية يومي الاثنين والأربعاء    السفير المصري ببوليڤيا يهنئ الأقباط بعيد القيامة    وزير الصحة يشهد تدريب العاملين بالوزارة على توحيد مفاهيم الجودة (تفاصيل)    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك والإخوان.. أسرار صفقة التوريث
نشر في المشهد يوم 15 - 02 - 2012

لا شيء تغير في الدكتور صفي الدين خربوش، فالذين فارقوه قبل 20 عامًا سيجدونه بذات القناعات المعروفة عنه: قومي عربي يميل للاشتراكية الديمقراطية، كأنه لم ينضم للحزب الوطني وحكومته الأخيرة ذات المخالب الرأسمالية. أما الذين تعاملوا معه وقت أن كان وزيرًا فلن يسمعوا منه غير الآراء التي قالها في آخر لقاء قبل مغادرة منصبه، بما في ذلك احتفاظه بحقه في تقدير الرئيس السابق حسني مبارك.
كأستاذ للعلوم السياسية، يتحدث الدكتور صفي عن ثورة يناير بلغة فيها كثير من حياد العلماء، فلا يقول غير المؤكد لديه، أما غير ذلك، فيظل مجرد افتراض يحتاج لقراءة متأنية لمعرفة الصحيح من المدسوس، لكن الرجل نفسه يتشبث بمواقفه الشخصية، ويرى في ثورة يناير حدثا كبيرا، لكنها مجرد امتداد لثورة يوليو 1952، ونتيجة لا لقمع نظام مبارك وإنما للحرية التي أتاحها لمعارضيه والقوى الاجتماعية المتضررة من سياساته..
أكثر من ذلك، قاله الدكتور صفي في حوار امتد 7 ساعات، وكشف خلاله عن العديد من خفايا السنوات الأخيرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ثم عن أسرار أيام الثورة، والأسباب التي جعلت من رحيل مبارك عن الحكم الحل الوحيد الممكن بعد تهاوي جهازه الأمني، وعزلته عن جيشه، ثم وقوفه شبه وحيد في مواجهة المتظاهرين من جهة وقيادة الجيش من الجهة الثانية.
لم يجد الرجل الذي غادر منصبه، كرئيس للمجلس القومي لحقوق الإنسان، بشكل رسمي في 19 ديسمبر 2012، ما يمنعه عن كشف حقيقة علاقته بجمال مبارك، ودوره في أمانة السياسات، فضلا عن تفاصيل مفاوضات تمت بين قيادات في الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين تمهيدا لتولي جمال مبارك الرئاسة و... و.. وإلي نص الحوار :
فقدناك كأستاذ خلال سنوات وجودك في السلطة؟
حاولت قدر مستطاعي أن أظل في ساحة العلم، وقد حافظت على جدولي في معهد الدراسات العربية حيث كنت ألقي محاضرة أسبوعية.
وبعد خروجك من الوزارة.. ماذا تفعل؟
أقرأ ما صدر عن الربيع العربي، أملا في أن اقدم دراسة تحليلية لما حدث. أقرأ عددا من الكتابات التي تناولت ما حدث في المنطقة العربية.. أقرأ أيضا عن العلمانية، والنظام السياسي المصري وتطوره، وتاريخ الدساتير المصرية بدءا من عهد شريف باشا وحتى التعديلات التي أدخلت عام 2007. كما أقرأ عن مجموعة قضايا مهمة منها العلمانية والليبرالية والمواطنة.
وفيما يخص ثورة يناير.. ماذا قرأت؟
حتى الآن ما زالت الكتابات مجرد اجتهادات ولم تصدر كتب باستثناء كتاب لعبدالقادر شهيب بعنوان " الساعات الأخيرة "، وهناك كتاب قادم لصلاح منتصر سبق له أن نشر مقتطفات منه في مقالاته بالأهرام. وأعتقد أنه مع 25 يناير والذي يتزامن مع معرض الكتابات ستظهر العديد من الروايات.
هل تثق في معلومات صلاح منتصر؟
الأمر ليس شخصيا، وقراءة الكتاب متكاملا وروايات أخرى ستجعلنا قادرين على الحكم نحن نقرأ ثم نحكم.. فلو كانت عنده معلومات صادقة فبالضرورة سيقدم شيئا مفيدا، والمقتطفات التي قرأتها تقول إن لديه كثيرا من الأسرار الدقيقة.
في ظنك، هل يمكن لكاتب تابع للحزب الحاكم أو مستفيد منه أن يقدم الحقيقة كاملة؟
ممكن جدا، فالكاتب الذي يملك جانبا من العلمية ولديه حرص على الأمانة سيحترم الحقيقة ولا ينحاز لعواطفه وأهوائه، ويبتعد عن تأثيرات مواقفه وانحيازاته. والحقيقة أن هذه مشكلة كبيرة نواجهها في الوطن العربي، فالعلماء عندنا يضعون تحليلاتهم متأثرين بأهوائهم.
نتحدث عن صحفيين لا علماء؟
حتى لو كانوا صحفيين، فطالما قدم الكاتب تحليلا فعليه أن يلتزم بالموضوعية.. والعلمية، التي اتحدث عنها، سمة يجب أن يلتزم بها كل من يكتب، لأنها تفرض عليه أن يقدم الحقيقة التي يصل اليها حتى لو تعارضت مع توجهاته.
غابت العلمية بشكل شبه تام في كتابات عهد مبارك؟
الي حد كبير لم تتوافر، فقد كان الجميع يكتب وفق نوازعه الأيديولوجية، مع استثناءات لافتة منها ما كان يكتبه عبدالعظيم درويش في الأهرام.. النزوع الأيديولوجي للأمانة ليس وليد عصر مبارك، وإنما جانب مما ورثته مصر من نظام ثورة يوليو، أقصد أنه في العهود كلها، كانت الصحافة القومية تكتب لمصلحة النظام، وكان لكل رئيس من ينافقه من الكتاب.
لكن كتّاب عبدالناصر كانوا من القمم؛ يكفي مثلا أن نذكر محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين.. كما أن كتّاب الرئيس السادات كانوا من أصحاب الأسماء الصحفية الرنانة كأنيس منصور وموسى صبري؟
اتفق معك، لكن عدم وجود كتاب متميزين في عهد مبارك كان جزءا من وضع عام سيئ.. فالفن والأدب والفكر خلت من أسماء كبيرة..
ألا يتحمل مبارك وزر ذلك؟
هذه حالة مجتمع لا يتحمله شخص أو سياسة.. المجتمع تراجع بشكل عام.
شخصيا.. ألم يستفزك نفاق البعض لمبارك ثم هجومهم عليه بعد الثورة؟
كثيرون نافقوا، لكنني أظن أن عددا كبيرا أيضا كان يكتب عن قناعة شخصية وبالتالي يصعب عليك أن تحدد شخصا بعينه ينافق... المسألة ترتبط بالضمير والنوايا، وهي أمور لا يمكن الحسم فيها.
بعض الذين يهاجمون مبارك الآن، كانوا ينتظرون كلمة منه.. بعضهم كان يجري في الاحتفالات العامة لمجرد تحيته عند المغادرة. من يتهم مبارك بالفساد واستغلال النفوذ كان يتلقى أموالا من دول خارجية، وهذه معلومات مؤكدة لدى الجهات العليا.. آخرون كانوا ينافقون جمال مبارك، هم نفسهم يهاجمونه الآن ويدّعون البطولة، وشخصيا شاهدت إعلامية شهيرة تجري وراء جمال مبارك كالأطفال كي تتحدث اليه لثوان محدودة.
ما يعانيه مبارك من انقلاب إعلامي عليه، نتيجة لتهاوي الصحافة بشكل عام في عهده؟
من قال ذلك؟!!.. شهدت مصر في السنوات العشر الأخيرة حرية غير مسبوقة في الإعلام.. حرية لم تحدث حتى في العصر الليبرالي، فلأول مرة تهاجم الصحافة رأس الدولة ولأول مرة يتم تناول قضايا تخص أسرة الرئيس.
ولأول مرة أيضًا يتم تزوير صورة للرئيس السابق في أكبر صحيفة مصرية من أجل إيهام القراء بأن رئيسهم في صحة جيدة؟
لا أنفي أن هناك أخطاء، لكنها في كل حال جزء من صورة عامة كانت فيها ايجابيات لابد أن تذكر، مع التأكيد على أنها جزء من إرث يوليو..
إرث يوليو تضمن انحيازا للفقراء وسياسة خارجية مناهضة لأمريكا ومعادية لإسرائيل... فلماذا تم التخلي عن هذا الجانب، مع بقاء الجوانب الأخرى؟
أنا أتحدث عن الصحافة.. سؤالك كان عن الصحافة، غير ذلك يدخل في نطاق آخر للتحليل.
لكنك تقول إن سوء حال الصحافة كان جزءًا من صورة عامة وهذه الصورة تضم تلك الجوانب.
إرث يوليو الذي أقصده يتعلق بنمط مؤسسي، بمنهج في التعامل وليس في التوجهات والسياسات، فالأخيرة تغيرت بالفعل وكان لذلك دواعيه.
نعود للصحافة، فقد قيل إن جمال مبارك حاول بسط سيطرته على الصحف القومية من خلال مجموعة من مؤيديه، بعد إبعاد أباطرة هذه المؤسسات مثل إبراهيم نافع وسمير رجب وإبراهيم سعدة ومكرم محمد أحمد وغيرهم؟
ليس صحيحا أن جمال مبارك سعى لذلك، فقد كان التوجه وراء التغيرات التي تقصدها هو ضخ دماء جديدة في المواقع القيادية بتلك المؤسسات.
المفترض أن يكون اختيار هذه القيادات بناء على معايير كفاءة وليس معيار التأييد أو للحزب الوطني؟
كل من عينوا في هذه التغييرات جاءوا بمعيار اساسي هو أقدمية وجودهم في هذه المؤسسات، وبالتالي كان الأمر طبيعيا، ولا علاقة لجمال مبارك به..
وهل عبدالله كمال مثلا، كان الأقدم في مؤسسة روزاليوسف؟.
هو والآخرون كانوا الأقدم، ففي دار الهلال مثلا كان معروفا أن التالي مباشرة لمكرم محمد أحمد هو عبدالقادر شهيب وفي الأهرام كان التالي لإبراهيم نافع مرسي عطا الله وفي روزاليوسف كان كرم جبر وعبدالله كمال الأقدم..
لكن ذات المؤسسات كان بها كفاءت مهنية أفضل منهم وحرمت من حقها لمجرد أنها مناوئة أو على الأقل غير مؤيدة لجمال مبارك؟
ليس صحيحا، ولو راجعت سيرة كل من هؤلاء ستجد أنه كان الأفضل في تلك المرحلة.. ما حدث بعد ذلك أمر آخر.
وهل كان من باب المصادفة أن يكونوا جميعا من مؤيدي توريث السلطة لجمال مبارك؟
أي توريث... أؤكد لك لم يكن هناك أي خطة للتوريث، وما أعلمه يقينا أن هذا الأمر لم يطرح نهائيا في أي من الدوائر السياسية أو الحزبية التي اطلعت عليها..
لكن هؤلاء الصحفيين كانوا يميلون بشكل واضح لإظهار جمال مبارك وكأنه الحاكم الفعلي لمصر.. ولم يعترض عليهم أحد؟
هذا شأنهم.. أنا أحدثك عن أسباب اختيارهم، وليس عن أدائهم.
وماذا عن معيار الكفاءة ؟.
معظمهم كانوا من أكفأ الموجودين في مؤسساتهم..
أشك؟
هذا هو الواقع، والسبب في تقديري أن طول بقاء القيادات القديمة في هذه المؤسسات أوجد حالة من التيبس والجمود المهني.. وفي ذات الوقت، تسبب غياب الحراك داخل هذه المؤسسات في هجرة الأجيال التالية إلي خارجها.. حدث ذلك في الأهرام وروزاليوسف والجمهورية، وبالتالي لم يكن أمام السلطة أكفأ من هؤلاء.
إذن طول البقاء يؤدي للتيبس، ومعنى ذلك أن بقاء مبارك 30 عاما كان امرا سلبيا وتسبب في جمود الحياة، ومع ذلك كنتم – كحكومة وحزب – تعتبرونه استقرارا محمودا.
طول البقاء أمر سلبي بلا شك، لكن في مسألة الرئاسة الأمر مختلف. هذا جزء من إرث يوليو، فقد اعتدنا أن يبقى الرئيس حتى موته؛ حدث ذلك مع عبدالناصر ومع السادات وكذلك الأمر مع مبارك.. هذه هي منهجية النظام السياسي.
لكن عبدالناصر كان صاحب شعبية حقيقية.. كان زعيما؟
لا اناقش مسألة الزعامة، وحبي لعبدالناصر وانحيازي له لا يمنعني من تحليل نظامه الذي ورثناه بشكل علمي.. أنا اتحدث عن طول بقائه في السلطة، هو وغيره من حكام مصر بقوا بشكل أبدي والفارق بينهم كان في سنين البقاء لا أكثر.
لكن بقاء مبارك طال لدرجة أنه خرج من منصبه بثورة؟
أعلم ذلك، لكنني أقصد أن نظام يوليو رسخ فكرة الأبدية في الحكم، وقد قلت إن عبدالناصر كان صاحب شعبية، لكن بقاءه للنهاية أسس لهذا النمط.. وأظنك تعرف أن تراجع عبدالناصر عن تنحيه في 9 يوليو، قوبل بفرحة عارمة من قبل نواب مجلس الأمة، رغم أن المفترض وقتها كان محاسبته على النكسة التي ما زلنا ندفع ثمنها.
عبدالناصر اختار السادات دون الرجوع للشعب، فلما مات قام الثاني بذات العمل واختار مبارك، فلما مات تولى الأخير.. هذا نمط أسسته يوليو وليس من اختراع مبارك.
لكن إعلام النظام كان يتحدث عن تطور ديمقراطي في عهد مبارك والديمقراطية تعني تداولا للسلطة.. أليس كذلك؟
قلت "تحول"، وهذا صحيح.. مصر شهدت كثيرا من مظاهر التحول الديمقراطي في مجالات عديدة، من بينها حرية الاعلام التي تحدثت عنها، وظهور العديد من الأحزاب، والسماح بالاعتصامات الفئوية، والاحتجاجات التي وصلت قمتها في 25 يناير.. وأظن انه لولا مناخ التحول الديمقراطي ما شهدنا أحداث يناير.
ما حدث في يناير ثورة وليس مجرد احتجاج، ومعناها أن النظام فشل في قيادة هذا التحول ليستوعب القوى المناوئة له داخل مؤسساته.. أليس ذلك صحيحًا؟
أنا أتحدث عن مسار معين في التحول وهو مساحة الحريات التي أتيحت للمصريين، وهي بكل تأكيد غير مسبوقة في تاريخ مصر، وفي ظني أنه لولا هذا المناخ ما وصلنا لإزاحة نظام الحكم من خلال احتجاج كبير..
و هل من الحريات أن تزور انتخابات مجلس الشعب بالشكل الفج الذي جرى في انتخابات 2010؟
الانتخابات مسار آخر من مسارات التحول الديمقراطي، وأعتقد أن النظام كان يسير بشكل جيد في هذا المجال، فقد كانت انتخابات 2000، ثم 2005 معبرة بشكل جيد عن نقلة جديدة في الحياة السياسية بمصر، بدليل أن الإخوان دخلوا للبرلمان ب 88 مقعدا، وفي تقديري أن عصر مبارك شهد تجربتين جيدتين في البداية هما انتخابات 1984، ثم انتخابات 1987، ففي كلتيهما تمكنت المعارضة من التواجد بقوة داخل مجلس الشعب.. ولولا فضيحة 2010، لمضت الأمور للأمام وبشكل جيد.
ذات المعارضة قاطعت انتخابات 1990، نظرا لعدم وجود ضمانات نزاهة كافية، ثم شهدت انتخابات 1995 تزويرًا فاضحًا؟
هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن الإشراف القضائي وفر النزاهة المطلوبة في انتخابات 2000، وانتخابات 2005، وكان ذلك تطورا حقيقيا.
في 2005، تم تقييد الإشراف القضائي، كما شهدت تزويرا فجا في العديد من الدوائر؟
لا أنفي ذلك، لكنها على أي حال كانت خطوة للأمام.. كان هناك تقدم ديمقراطي حقيقي، عززته التعديلات الدستورية التي فتحت الباب لأول انتخابات رئاسية في تاريخ مصر.
وهل كانت انتخابات بالمعنى الحقيقي للكلمة، على نحو ما تعلمه لتلاميذك في كلية الاقتصاد؟
كان بها الكثير من شروط الانتخابات.. نعم غابت عنها شروط التنافسية بالمعنى الكامل، لكنها بالتأكيد لم تشهد أي تزوير، وفوز مبارك كان مستحقا في مواجهة خصوم حقيقيين.
أظنك تعرف أنه تم التنكيل بأهم اثنين نافسا مبارك في هذه الانتخابات.. طبعا تعرف ما تعرض له أيمن نور (وصيف مبارك في هذه الانتخابات)، ثم ما جرى لنعمان جمعة داخل حزب الوفد؟
ماذا جرى لهما ؟.
الأول تم تلفيق قضية تزوير له ودخل السجن على إثرها، والثاني تم إقصاؤه عن رئاسة حزب الوفد واختفى من الحياة السياسية..ألم يحدث ذلك؟!
دعني أذكر لك شيئا مهما؛ في انتخابات الرئاسة الأولى في مصر تم التواصل مع قادة الأحزاب المصرية الرئيسية، وطلب منهم جميعا أن يخوضوا هذه الانتخابات وتم تقديم ضمانات لهم بنزاهة كاملة، وبالفعل كانت هناك رغبة جادة في ذلك، لكن رئيسي الحزبين الناصري والتجمع رفضا المشاركة، ليصبح الدكتور نعمان جمعة وأيمن نور المنافسين الحقيقيين، وفي تقديري أنهما حصلا على فرصة المنافسة الكاملة.
لكنها كانت منافسة محسومة سلفا؟
محسومة سلفا بأصوات المواطنين، فمبارك نجح في انتخابات نزيهة بالفعل، بل إنه تجاوز كل التوقعات داخل الحزب، فقد كنا نظن أنه سيفوز ب 60 %، فإذا به يحصل على 87 %.. ولو كان هناك تزوير أو رغبة في إظهار الوضع على غير حقيقته لتم رفع نسبة المشاركة لتجاوز الرقم الهزيل الذي تم إعلانه وقتها ( 22%).
أما قصة التنكيل بهما بسبب خوضهما الانتخابات، فأمر مبالغ فيه.. وما سمعته من مبارك شخصيا أن الدكتور نعمان جمعة اتصل به قبل إعلان النتيجة وطالبه بالتدخل كي يأتي هو، وليس أيمن نور، في المركز الثاني، فهل يعقل أن ينكل برجل هذا طلبه؟
أما الدكتور أيمن نور فقصته مختلفة تماما، وما أعلمه شخصيا أن أمن الدولة هو الذي أسس له الحزب وباتفاق معه نكاية في الوفد، وما أعلمه أيضا أن أمن الدولة هو الذي جمع التوكيلات للحزب، ونظرا للخوف من تقلباته السياسية وشطحاته، تم تلغيم تلك التوكيلات بعدد مزور حتى يظل تحت السيطرة.. وهذا ما حدث فعلا، فقد سعى نور للخروج عن خط متفق عليه مع الأمن، فتم استغلال تلك التوكيلات المزورة، لتتم ملاحقته قضائيا، ومن ثم إدانته... لعل هذا ما يفسر أن القضاء أدانه مجددا بعد سقوط نظام مبارك، وأظن أن تلك الحقيقة تسيء للدكتور أيمن نور، ولذلك لا يذكرها.
أيا كان سبب ما تعرض له الرجلان ، ستجد من يرد عليك بأن مبارك كان في السلطة وبالتالي ذهبت الأصوات لصالحه؟
اتفق معك، وهذا أيضا يعتبر إرثا ليوليو التي عودت الناس على انتخاب من بيده السلطة.. تخيل عبدالناصر مثلا كان مهزوما في يونيو، وبدلا من تأمل ما جرى ومحاسبة المسؤولين عن الكارثة التي ندفع ثمنها حتى الآن، خرجت المظاهرات لتطالبه بالبقاء، ثم خرجت لتحتفل بتراجعه عن تنحيه.. هكذا الأمر مع مبارك، وأجزم أن مبارك لو استمر في منصبه حتى انتخابات 2011 لفاز بأغلبية كاسحة..هذا أمر يتعلق بطبيعة المصريين وليس بشخص مبارك أو بالتزوير.
ما كل هذه الثقة؟
ليست ثقة، وإنما فهم لطبائع الأمور.. المعارضة في مصر كانت قابلة للاحتواء، بل مستعدة له مقابل أثمان معينة.. وأقول لك معلومات؛ الإخوان أبدوا، خلال مفاوضات مع قيادات النظام السابق، موافقة على تولي جمال مبارك الرئاسة مقابل مجموعة من المطالب من بينها الاعتراف بهم بشكل رسمي، والسماح لهم بدخول البرلمان بعدد معقول. ولو تتذكر؛ خرج تصريح من مرشد الجماعة محمد بديع قبل الثورة يقول بالنص: نحن في انتظار جمال مبارك في مكتب الإرشاد.
(العدد الأول 22 يناير 2012)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.