اكتب هذا المقال ليلة الخميس27 نوفمبر- أي قبل انطلاق التظاهرات التي دعا إليها الإخوان والجبهة السلفية بيوم واحد- والتي قال بعض الداعين إليها إنها مسلحة. اكتب هذا المقال.. ولا أدري عن أي شيء سيتمخض هذا اليوم العصيب.. وبأي طريقة ستدور الأحداث في الكر والفر والمكر والكيد بين الطرفين. ولكن المؤكد أنه سيمر كأي يوم عصيب علي مصر وسينتهي كأي يوم شاق مر علي المصريين.. سيمضي بمكاسبه وخسائره.. بحسناته وسيئاته.. ولا أظن أن فيه مكسبا لأحد أو حسنة تفيد أحد.. وأعتقد أن مزيدا من الدماء والجراحات والقتلي والسجناء سيكونون هم حصيلة هذه الدعوة المشئومة.. وستنتصر في هذه الجولة الدولة لا محالة.. ولن تتعلم الحركة الإسلامية قريبا من معاركها الخاسرة المتوالية.. والتي تزج فيها بأبنائها إلي أتون حروب وصراعات دموية لا أول لها ولا آخر.. دون أن تربح شيئا سوي المزيد من القتلي والجرحي والسجناء وتطفيش الأصدقاء وصناعة المزيد من الأعداء دون أدني مبرر أو فائدة.. فضلا عن وقف أو تعطل عجلة الاقتصاد والبناء.. وسوف تعفي هذه المعركة العبثية مع مثيلاتها الحكومة المصرية من مسئوليتها- إذا سألها البعض- عن تقصيرها في العدالة الاجتماعية أو السياسية أو الاجتماعية أو تقصيرها في أي عمل من أعمالها فهي مشغولة دوما بمثل هذه الثورات أو التفجيرات أو المظاهرات. لا أدري كيف لا تدري الحركة الإسلامية المصرية وفي قلبها الإخوان أنها تضر نفسها ووطنها ولا تفيدهما.. ولا أدري متي تتوقف عن الدخول في المعارك الخاسرة.. أو متي تتوقف عن إعلان الحرب تلو الحرب.. أو الثورة تلو الثورة في كل مناسبة.. ومتي تدعو للسلام والتصالح لتجبر خصومها وتحرجهم وتمنعهم علي الأقل عن التمادي في البطش بها. إنها تعطيهم المبرر تلو الآخر للبطش بها وحرمانها من دعوتها ورسالتها.. إنها تعطي خصومها دوما الحبل الذي يشنقونها به ويشنقون معه أشياء أخري جميلة في الوطن. متي تتعلم الحركة الإسلامية أن فقه الحياة للناس جميعا ومنهم أبناؤها وخصومها علي السواء أعظم من فقه الموت بعد صراع وكدر وشقاء وتعاسة. إن الأديان كلها جاءت للعمران والبناء ومساعدة كل من يفعل ذلك حتي لو كان خصما سياسيا لها. إن حقن الدماء هو واجب الوقت وإراقة الدماء من أي أحد هو جريمة الوقت وكل الوقت. إن التصالح والتغافر والتسامح هو واجب الوقت إن فلسفة الأحياء لا الموت هو فضيلة هذا العصر وكل عصر. إن حقن دماء المصريين والوصول إلي صيغة للتعايش السلمي بين الأطياف السياسية المصرية ومشاركة الجميع في الحكم دون إقصاء لأحد هو واجب الوقت الآن. فحقن الدماء هو الذي أوصل سيدنا الحسن إلي درجة السيادة في الدنيا والآخرة إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين والأصل في كل الدماء العصمة ولا يزول هذا الأصل العظيم إلا بدليل أوضح من نور الشمس. وقد جعل الفقهاء العظام أن حفظ النفس من أهم الضرورات الخمس.. لأن إراقة الدماء هي كالمتوالية الهندسية.. فالنقطة الأولي تتحول إلي2 ثم إلي4 ف8 ف16 وهكذا.. ولعل هذا يفسر قول النبي صلي الله عليه وسلم ما من قتيل يقتل علي الأرض ظلما إلا وكان علي ابن آدم الأول كفل منه( أي نصيب منه) لأنه أول من سن القتل ولعل هذا يفسر أيضا قوله تعالي: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا فالإسلام وكل الأديان جاءت لحقن الدماء.. وجعلت من يقتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا.. وجاءت بفلسفة الإحياء.. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.. فكل من حقن دما معصوما فكأنما أحيا الناس جميعا. ويؤسفني أنه أريق من الدماء في مصر بعد ثورة25 يناير أكثر مما أريق منها في كل حروبها الخارجية في العصر الحديث.. وكل هذه الدماء أريقت هدرا وفي غير ميدان وبغير ضرورة وفي حروب وصراعات عبثية.. وذلك من أجل مناصب زائلة وكراسي فانية وصراعات سياسية تافهة لا وزن لها عند الله. فإلي كل من يشرع في إراقة دم أخيه أن يتوقف لحظة ويقرأ الحديث الصحيح عن ابن عمر ما يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما. وعلي كل من يشرع في قتل أخيه بأي حجة أن يتذكر ابنه الصغير أو شقيقه فيحجم عن فعلته.. تعبدوا ربكم بحقن الدماء.. وتذكروا أنها عبادة الوقت.. وواجب هذا الزمان.. وأكبر الطاعات في هذه الأيام في بلاد لم تكن تعرف سفك الدماء وكانت تعرف بالصفح والتسامح.. فأصبحت الدماء تراق فيها كل يوم ومن أجل أتفه الأسباب. حقن الدماء مسئولية الجميع بلا استثناء ولكن المسئولية الأكبر دوما تقع علي من بيده زمام الأمور وقيادتها من الطرفين.. وكنت أتمني ألا تخرج هذه الدعوة للثورة المسلحة من الإسلاميين بحجة حماية الهوية الإسلامية.. لأنها قد تضيع بعض الموجود من الشريعة ولن تأتي بالمفقود منه.. كما أن الدعوة الإسلامية لا تنمو ولا تترعرع في مستنقع الكراهية والصراعات.. ولكنها تنتعش في أزمان الحب والود لأنها دعوة للحب أولا وأخيرا.. ولا تعرف الكراهية ولا الأحقاد حتي للمنافسين سياسيا.. وهذا زين العابدين بن الحسين الذي شهد بنفسه مأساة كربلاء لا يدعو علي أحد ولا يكره أحدا ولكنه يقول: وددت لو استغفرت نيابة عن كل عبد أخطأ ولم يستغفر الله حقن الدماء في مصر أولي من قيام الليل وصيام النوافل أو طلب العلم وبذله.. لأنه ببساطة فرض الوقت. فمن سيضحي بجاهه من أجل حقن الدماء ويتحمل الأذي الذي سيلحق به من السفهاء الذين سيشتمونه زورا وبهتانا ؟ أين من يبذل جاهه لكي تمر الأزمة بسلام.. أم أنه لا بد لنا من وسطاء أجانب كي يحلوا لنا مشكلاتنا ويضعوا للجميع الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء.