عبادة الله هى الغاية العظمى «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ».. ولكل وقت عبادته التى يسميها الفقهاء «واجب الوقت».. ويختلف من وقت وشخص لآخر. فالعبادة فى العيد هى الفرحة وصلة الرحم والتواصل الإنسانى مع الآخرين وبث الألفة. وواجب الوقت فى ليالى العشر الأواخر من رمضان الاعتكاف وقيام الليل. وواجب الوقت أثناء الحج هو كثرة ذكر الله مع المناسك، ولذلك لا يسن للحاج كثرة الصلاة ولا الصيام. وواجب الوقت أثناء العدوان الخارجى هو الاصطفاف للدفاع عن الوطن.. فمن انشغل وقتها بعلم أو عبادة مسنونة فقد قصر فى عبودية زمانه. وواجب الوقت يوم عرفة لغير الحاج هو الصيام والذكر. وواجب الوقت عند حضور الضيف هو مؤانسته ومجالسته وإكرامه. والسؤال المطروح الآن بقوة أمام الجميع: ما هو واجب الوقت؟ وأنا أراه حقن دماء المصريين والوصول إلى صيغة للتعايش السلمى بين الأطياف السياسية المصرية ومشاركة الجميع فى الحكم دون إقصاء لأحد. فحقن الدماء هو الذى أوصل سيدنا الحسن إلى درجة السيادة فى الدنيا والآخرة «إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين». والأصل فى كل الدماء العصمة، ولا يزول هذا الأصل العظيم إلا بدليل أوضح من نور الشمس. وقد جعل الفقهاء العظام حفظ النفس من أهم الضرورات الخمس.. لأن إراقة الدماء هى كالمتوالية الهندسية.. فالنقطة الأولى تتحول إلى 2 ثم إلى 4 ف 8 ف 16 وهكذا.. ولعل هذا يفسر قول النبى، صلى الله عليه وسلم: «ما من قتيل يقتل على الأرض ظلماً إلا وكان على ابن آدم الأول كفل منه (أى نصيب منه) لأنه أول من سن القتل». ولعل هذا يفسر أيضاً قوله تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً». فالإسلام وكل الأديان جاءت لحقن الدماء.. وجعلت من يقتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً.. وجاءت بفلسفة «الإحياء».. «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».. فكل من حقن دما معصوما فكأنما أحيا الناس جميعاً. ويؤسفنى أنه أريق من الدماء فى شهر رمضان أكثر مما أريق فى غيره من الشهور، وذلك من أجل مناصب زائلة وكراسى فانية وصراعات سياسية تافهة لا وزن لها عند الله. فإلى كل من يشرع فى إراقة دم أخيه أن يتوقف لحظة ويقرأ الحديث الصحيح عن ابن عمر: «لايزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما». وعلى كل من يشرع فى قتل أخيه بأى حجة أن يتذكر ابنه الصغير أو شقيقه فيحجم عن فعلته.. «تعبدوا ربكم بحقن الدماء».. وتذكروا «أنها عبادة الوقت.. وواجب هذا الزمان».. وأكبر الطاعات فى هذه الأيام فى بلاد لم تكن تعرف سفك الدماء، وكانت تعرف بالصفح والتسامح.. فأصبحت الدماء تراق فيها كل يوم ومن أجل أتفه الأسباب. حقن الدماء مسؤولية الجميع بلا استثناء ولكن المسؤولية الأكبر دوما تقع على من بيده زمام الأمور وقيادة البلاد والعباد. حقن الدماء اليوم أولى من قيام الليل وصيام النوافل أو طلب العلم وبذله.. لأنه ببساطة « فرض الوقت». فمن سيضحى بجاهه من أجل حقن الدماء ويتحمل الأذى الذى سيلحق به من السفهاء الذين سيشتمونه زورا وبهتانا؟ أين من يبذل جاهه لكى تمر الأزمة بسلام.. أم أنه لابد لنا من وسطاء أجانب كى يحلوا لنا مشاكلنا ويضعوا للجميع الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء؟ نقلا عن المصرى اليوم