يعد الدكتور ناجح إبراهيم بحق ¢ حكيم الحركة الإسلامية ¢ والناصح الأمين لها في كل مراحلها سواء في مرحلة السجون أو القصور . ولكن من المؤسف ان من تقلدوا زمام الأمور في البلاد من الإسلاميين لم يستمعوا لنصائحه وتحذيراته حين قال لهم ¢ اخشي ان يقول لكن الشعب بسبب كثرة أخطائكم .. عفوا لقد نفد رصيدكم¢ .. وقد قالتها غالبية الشعب مؤخرا .. وللأسف ما زال مسلسل أخطاء الإسلاميين مستمرا بعد أن دفعوا ضريبة عن صرفهم ل ¢روشتة الدكتور ناجح¢ والذي لو اخذوا ما فيها من علاج لنجحوا وأنقذوا البلاد والعباد من الفتن ولما نزع الله الملك منهم بصرف النظر عن توصيف ذلك بأنهم ¢ انقلاب أو ثورة ¢ من هنا تأتي أهمية الحوار معه حوار تداعيات وتحديات هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الوطن وليس تاريخ الإسلاميين فقط. ** سبق أن حذرت من وصول الإسلاميين - وخاصة من في الحكم - الي المرحلة الحالية بعد أن فقدوا عرش القلوب وتملكوا عروش القصور وقالت لهم غالبية الشعب ¢ عفوا لقد نفد رصيدكم .. فكيف تري المشهد حاليا؟ ** يجب أن نؤمن إننا ندور مع أقدار الله لأنه لا يتم في كون وملك الله إلا ما أراده الله القائل ¢ إِنَّا كُلَّ شَيْءي خَلَقْنَاهُ بِقَدَري ¢ . فلاشك أن الإخوان يتحملون مسئولية كبيرة فيما وصلت إليه الأحوال . بل إنني أري أن الإسلاميين - خصوصًا الإخوان- يعانون حاليًا صدمة شديدة من فقدان الحكم وخروج الملايين ضدهم غير أن مرور الوقت سيجعلهم يجنحون لامتصاص الصدمة بالبحث عن خيارات أفضل. الخيارات المطروحة ** ما هي الخيارات المطروحة حاليا أمام الحركة الإسلامية بما فيها الإخوان؟ ** ليس أمام الحركة الإسلامية بوجه عام في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي من السلطة إلا خيارين: الأول السيناريو الجزائري. والدخول في مواجهة مع الجيش بعد إلغائه الانتخابات بعد فوز الإسلاميين بها وتبني مواقف صدامية أدت إلي انهيار الحركة الإسلامية وخروجها من ساحة التأثير في الجزائر لعقود طويلة . أي أن نموذج الجزائر عندما حدث انقلاب وتلاها حدوث عنف ودماء حتي جاء الرئيس بوتفليقة ووحد البلاد وهذا النموذج لا أفضل حدوثه لأنه لو حدث فان الحركة الإسلامية ستحفر قبرها بيدها وتدمر كل مكاسبها . أما الخيار الثاني هو خيار أربكان أردوغان في تركيا وهو امتصاص الصدمة بخروج نجم الدين أربكان من الحكم بعد صدامه مع مؤسسات الدولة الرسمية ودخوله السجن وانهيار حزبه إلا أن أحدًا من تلامذته وهو رجب طيب أردوغان تعامل مع الأزمة بفكر الدولة وفكر الجماعة وقاد حركة إصلاحات داخلية أثرت بالإيجاب علي المواطن العادي ما أكسبه دعمًا شعبيًا غير مسبوق وجعله يحيد مؤسسات الدولة المعادية له. مصلحة الوطن ** هل الحركة الإسلامية في مصر قادرة علي تنفيذ الخيار التركي الذي يعد في مصلحة الوطن ومصلحتها؟ ** نعم قادرة علي الاستفادة منه وتنفيذه لأن الحركة الإسلامية في مصر عريقة وتتمتع بالخبرة وتدرك عواقب الصدام مع أجهزة الدولة لذلك أعتقد أنها ستفكر كثيرًا قبل الدخول في الصدام وستغلب النموذج التركي في التعامل مع الأزمة. ** يراهن البعض علي انسحاب الإخوان من المشهد السياسي المصري فهل تعتقد إمكانية حدوث ذلك ؟ ** اعتقد أن الإخوان المسلمون لن ينسحبوا من المشهد حاليًا أو يخرجوا منه خالي الوفاض فرغم أنهم حاليًا يعانون من الصدمة إلا أنهم سيحاولون استعادة جزء من أرضيتهم غير أن هذا الأمر قد يستمر طويلاً وخاصة إذا اختاروا المواجهة مع الجيش وهي مواجهة غير محمودة العواقب عليهم وعلي الحركة الإسلامية عامة بل وعلي الوطن كله. ** ما هي البدائل المطروحة أمام جماعة الإخوان حاليا ونصيحتك لها ؟ ** الجماعة لديها بدائل لمواجهة مثل هذه السيناريوهات لأنه من المؤسف أن تجربة الإخوان في الحكم بأنها كانت مريرة وشهدت حالة من الاستحواذ والهيمنة علي المشهد بل إن الإخوان كانوا يجيدون صناعة الأعداء وليس جذب الأصدقاء وهو أمر يجب أن تتم دراسته جيدًا والبحث عن آليات جديدة للتعامل مع مشاكل الوطن وامتصاص الصدمة والاستفادة من النموذج التركي الذي أدرك أن الدولة أبلغ من التنظيم ويقوم بالتحالف مع الجميع ولم يستأثر بالسلطة أو يبكي علي اللبن المسكوب وهذا النموذج هو الأفضل للحركة الإسلامية بما فيها الإخوان. ** ما هو المطلوب من المؤسسة العسكرية حاليا حتي لا يدخل الوطن في نفق مظلم ؟ ** مطلوب عدم الإقصاء أو الاستعداء أو الإبعاد لأي فصيل مصري بما فيهم الإخوان لهذا أطالب الفريق أول عبد الفتاح السيسي. اتخاذ خطوات تشجع الإخوان علي الاستماع للغة العقل وإخلاء سبيل قادة الجماعة لأنه من غير المقبول اعتقال رجل مسن مثل المرشد السابق مهدي عاكف ونوابه ورموز الجماعة رغم أن الاعتقال أمر طبيعي داخل الجماعة ولكن الصدمة التي تعرضت لها الجماعة وحالة الغضب الشعبي ضدها ستؤثر عليها وتدفعها لاتخاذ خطوات غير مقبولة وبعيدة عن المنطق. ** ما هي النصيحة التي تقدمها للفريق أول عبد الفتاح السيسي ؟ ** أطالبه أن يقوم بالإفراج عن المعتقلين الذين تم القبض عليهم وإعادة القنوات الدينية التي أغلقت للبث مرة أخري لأنه هذا الأمر سيؤدي الي تهدئة الأوضاع في الشارع المصري. ** تحذر الإسلاميين - خاصة الإخوان - من ضياع الفرصة وصناعة الأعداء في المرحلة الحالية والمستقبلية فما الذي دفعكم إلي القول بذلك ؟ ** تكاد الفرصة أن تضيع وتفلت من بين يدي الإسلاميين بعد أن ظفروا بها وتمكنوا منها. وأزعم أن أهم الأسباب في ضياع هذه الفرصة هو الفشل في كسب الأصدقاء والنجاح في صنع الأعداء بل وتجميعهم في بوتقة واحدة ولم يكن ليجتمعوا فيها لولا خطاب الاستعلاء والاستعداء الذي تحدث به البعض وازدادت نبرته في الفترة الأخيرة. تصحيح الأخطاء ** ما هي أخطاء المرحلة السابقة التي وقع فيها الإسلاميين للاستفادة منها في المرحلة القادمة؟ ** من المؤسف أننا نجحنا في استعداء وتجميع المعارضين رغم أنهم من تيارات متباينة لم تتجمع أو تتوحد أبدا وكان معظمهم يؤيدوننا ويتوحدون مع الإسلاميون في بداية الثورة وكذلك نجحنا في استعداء القضاة حينما وصفنا القضاء جميعا بالفاسد والفساد مع أن القرآن حينما تحدث عن خصومه من أهل الكتاب قال ¢ ليسوا سواءً¢ حتي الشرفاء منهم بالغنا في إحراجهم والضغط عليهم وإهانتهم بمليونية تطهير القضاء وتهديد بعضنا بمحاصرة بيوت القضاة حتي بكي أحد شرفائهم من أجل هذه الكلمة ونسينا أن القضاة كان يمكن كسبهم بأيسر سبيل كما قال لي أحد نواب رئيس محكمة النقض: لو جاء الرئيس إلي مجلس القضاء الأعلي وجلس معهم في بيتهم لوضعوا جميعا يدهم في يده¢. ** الإسلاميون والإعلام أحد أركان المعادلة الصعبة التي أوصلتنا إلي ما نحن فيه ؟ ** من المؤسف أننا نجحنا في استعداء الإعلاميين حتي الذين كانوا مع الرئيس وأيدوه في حملته الانتخابية ونسينا مقولة كلينتون ¢ لا تعادي صحفيا لأنه سيشتمك ولن تستطيع أن تفعل له شيئا¢.. وقد حول كلينتون خصومه الإعلاميين إلي أصدقاء . ** الأزهر والإسلاميون وخاصة الإخوان كيف تري العلاقة ؟ ** نجحنا في استعداء الأزهر وشيخه وعلمائه فضلا عن دعوات تغيير المناهج الأزهرية إلي مناهج أخري تناسب الحركة الإسلامية الصاعدة مع أن الأولي أن يبقي الأزهر دوما بعيدا عن السلطة لا تابعا لها ولا معاديا لها وألا يتدخل في أي صراع سياسي يدمره تدميرا ويحجزه عن الكثير من مواقع تأثيره وكان يمكننا كسب شيخ الأزهر وعلمائه باحترامهم وتقديرهم وليس إقصائهم وتهميشهم لصالح دعاة الحركة الإسلامية الذين هم أقل منهم علما وفقها فضلا عن تحيزهم لجماعاتهم وهذه سلبية في الداعية والعالم وليس إيجابية. أزمة المثقفين ** غالبية المثقفين البارزين في مصر تضرروا من وصول الإسلاميين للحكم هل هذا صحيح ؟ ** رغم اعترافي بوجود أخطاء كثيرة علي الساحة الثقافية إلا انه كانت هناك حالة استعداء جماعية للمثقفين المصريين رغم اتفاق الجميع علي حاجة وزارة الثقافة بالذات إلي إصلاح وتطهير وهذا الإصلاح يحتاج إلي رجل من القوم طاهر اليد نقي الفؤاد يستطيع بالسياسة والتدرج الإبقاء علي الصالحين وعزل الفاسدين تدريجيا في إطار مشروع جيد يقنع الجميع أننا نريد الإصلاح وليس إلغاء الآخر أو الحجر عليه . ولا داعي لتخوين كل الناس لأن الأصل في الإنسان براءة الذمة كما يقول الفقه الإسلامي والأصل فيه الأمانة حتي تثبت العكس وقد استعان بمسيحي في أخطر رحلة في حياته وهي الهجرة .والمصري مخلص بطبعه لمن يستعمله إذا شعر فيه الإخلاص والحنكة والدراية. ** بعد حالة الاستعداء الحالية ضد الإسلاميين كيف نحول الأعداء أو المختلفين معنا إلي أصدقاء مرة أخري كما كان الوضع أثناء ثورة 52 يناير. ** يمكن أن نكسب الجميع بخطاب التواضع والتسامح الذي يكسر العداوات ويخلق المودات وقد أثبتت التجربة أن خطاب الاستعداء والاستعلاء أفقدنا معظم الأصدقاء وخاصة أننا لم نستطع أن نقدم للشعب المصري شيئا علي الأرض فكان من الممكن أن نقدم له الكلمة الطيبة لعله يسامحنا علي تقصيرنا في الاقتصاد والأمن والسياحة والصناعة .أخشي الفتنة ** ماذا تخشاه علي المصريين في المرحلة الحالية؟ ** أخشي ما أخشاه أن يتحول المصريون إلي قابيل أو هابيل وندخل في الفتنة ¢ فلا يدري القاتل فيم قَتَل.. ولا يدري المقتول فيم قُتُل ¢ كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم .ويجب ان نعي ان نزيف الدماء كالمتوالية العددية والخطر يكمن في أول نقطة دم تنزف في هذا الصراع السياسي المدمر إذ تتحول فجأة إلي نقطتين ثم أربعة فثمانية وهكذا ولعل هذا يفسر قوله تعالي ¢ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسي أَوْ فَسَادي فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ¢.. ويفسر المعني الآخر ¢ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ¢ ذلك لأن قتل نفس يحض علي قتل الناس جميعا وإحياء نفس يحض علي إحياء الناس جميعا .فلنحذر البداية حتي لا نصل إلي النهاية وما أسوأ البداية في مصر إذ بدأت قبل 30 يونيه بسقوط قتلي ومازال المسلسل الدموي مستمرا. ** ماذا تقول لدعاة الدموية ؟ ** اتقوا الله في الدماء وأحسنوا قراءة التاريخ فلقد سقط في الصراع بين الأمويين والعلويين قرابة 100 ألف قتيل ناهيك عن الجرحي والآلام والآهات والأحزان وتمزق الأمة وبكاء الثكالي وهموم اليتامي .. دون أن يجني الفريقان شيئا .وأناشد كل المصريين وليس الدعاة فقط أن يتوقفوا طويلا أمام ذلك الحديث النبوي ¢ لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل نفس بغير حق ¢ و قوله ¢ ما يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ¢ . ومن المؤسف أن الكل ينادي بالسلمية ثم تري الدماء كل يوم. سياسة الحرق ** ماذا تقول لمن تبنوا سياسة الحرق سواء لمقرات الإخوان أو مؤسسات الدولة أو الكنائس ؟ ** تبني سياسة الحرائق كارثة لأن الحرق عقوبة اختص الله بها نفسه دون سواه وجعلها في الآخرة ولم يجعلها في الدنيا ولهذا فإن الذين قاموا بحرق مقرات الإخوان المسلمين وغيرها الأماكن ارتكبوا أعظم الجرائم ومن المؤسف ان الحرق أكبر سلبية من سلبيات ثقافة ثورة 25 يناير وقد بدأت بحرق أقسام الشرطة . وقد سعدت القوي السياسية الانتهازية بذلك وعندما تم حرق الحزب الوطني سعدت أيضا بذلك ثم دارت الدورة عليها لتعلم أن الذين أقررناهم وشجعناهم علي الحرق لن يتوقفوا عند نقطة محدودة بل إن أسوأ ما شاهدته في مصر أن تري الشاب يحرق المجمع العلمي أو سيارات الشرطة أو أتوبيسات الإخوان ثم يرفع يديه بعلامة النصر ولا أدري انتصر علي من ؟ . ان القائم بالحرق إنما يحرق كل القيم والمبادئ والمثل التي جاءت بها الشرائع السماوية ويعتدي علي كل القيم الإنسانية وكل القوانين الأرضية.