نسخة سيد درويش، جامعة الفيوم تعلن نتيجة مهرجان الأغنية الأول"نغم 1"    شيخ الأزهر: القضاة ركيزة أساسية في إرساء العدالة وبسط الأمن والاستقرار في المجتمعات    وزير الإسكان يبحث مع سفير الجزائر فرص التعاون في البنية التحتية والمدن الذكية    تأهّل طلاب جامعة مطروح لجائزة مصر للتميز الحكومي 2026    أهم أخبار الكويت الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أشرف سنجر: قرار تكساس ضد الإخوان مؤشر على فهم عالمى لخطر الجماعة    منتخب مصر يتراجع في تصنيف فيفا ويحتل المركز 34    من يعود إلى المنزل بهذه الجوائز.. كاف يبرز كؤوس الأفضل في حفل الرباط    قراءة لحفل جوائز كاف 2025| حكيمي أفضل لاعب أفريقي    الأمن يوافق على حضور 46200 مشجع للقاء الزمالك وزيسكو بالكونفدرالية    زعلان عشان معاكسة بنته، الأمن يكشف تفاصيل فيديو التعدي على عامل بالبحيرة    محمد صبحي يعلن عن بث مباشر لجمهوره مساء غد الخميس    تعزيز الانتماء والولاء عبر أدب اليافعين في مناقشات المؤتمر السنوي العاشر    أيام قرطاج ال26 تعرض 15 عرضا بقسم مسرح العالم خارج المنافسة    جنازة المخرج خالد شبانة عقب صلاة العشاء بالمريوطية والدفن بمقابر العائلة بطريق الواحات    خالد الجندى: هذا التصرف يفعله البعض من أخطر أنواع الشرك بالله    خالد الجندى: علاج أى خلل أخلاقى أو سلوكى يبدأ من استحضار عظمة الله فى القلب    جامعة أسيوط تطلق قافلة طبية مجانية لعلاج أسنان الأطفال بكلية طب الأسنان    وجبات ذهبية للأطفال بعد التمرين حفاظا على صحتهم ونشاطهم    منتخب شباب الهوكي يتوجه للهند 23 نوفمبر للمشاركة في كأس العالم    إبراهيم صلاح: تعجبت من قرار إقالتي من تدريب جي.. وسأرد في الوقت المناسب    إزالة 296 حالة مخالفة ضمن «المشروع القومي لضبط النيل» بالمنوفية    النيابة الإدارية تبدأ التحقيق في واقعة تنمر واعتداء على تلميذة بالدقهلية    الأرصاد تكشف تفاصيل الطقس..ارتفاع درجات الحرارة مع فرص أمطار متفرقة    انهيار والدة وخطيبة صاحب ملجأ حيوانات ضحية صديقه أثناء جنازته.. صور    سكك حديد مصر توضح حقيقة فيديو «مسامير القضبان» وتؤكد معالجة الواقعة بالكامل    سارة خليفة متورطة في شبكة عائلية لتصنيع وترويج المخدرات    بعد اكتمال المشروع| ماذا تعرف عن الكابل البحري العملاق 2Africa ؟    استعدادا لاستضافة cop24.. البيئة تكثف أنشطة التوعوية بالمحافظات    رئيس جامعة المنيا يفتتح الملتقى التوظيفي الخامس لكلية السياحة والفنادق    المسلماني: برنامج دولة التلاوة يعزز القوة الناعمة المصرية    حمزة نمرة يساند تامر حسني في محنته الصحية    بيان مشترك بين وزارة الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج ووزارة التربية والتعليم والتعليم الفني    د.سراج العرايشي مرشح «حماة الوطن» يشيد بموقف الرئيس السيسي لحماية الانتخابات البرلمانية ويؤكد أعمل في الميدان تحت شعار «الناس أولاً»    وزارة الأوقاف تنفى إصدار صكوك لتمويل تطوير العقارات بقيمة 30 مليار جنيه    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    وزير الري يلتقي نائب مدير الوكالة الفرنسية للتنمية    مدرب تونس: تفاصيل صغيرة حرمتنا من الفوز على البرازيل    وزير الصحة يلتقى مدير عام الصحة بتركيا لبحث تعزيز التعاون الثنائي    في يومه العالمى.. تجمع علمى تحت شعار "كل نفًس مهم" لمرض الانسداد الرئوي المزمن    محامى سارة خليفة يطالب بضم التقارير الطبية للمتهمين بقضية المخدرات الكبرى    وفاة المخرج خالد شبانة رئيس قطاع قنوات النيل المتخصصة وشقيق الإعلامي الرياضي محمد شبانة    محمد حفظي: العالمية تبدأ من الجمهور المحلي.. والمهرجانات وسيلة وليست هدفا    الإسماعيلي ينفي شائعات طلب فتح القيد الاستثنائي مع الفيفا    خبر في الجول - ناد أوروبي يطلب قضاء نور عبد الواحد السيد فترة معايشة تمهيدا للتعاقد معها    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    معرض رمسيس وذهب الفراعنة في طوكيو.. الأعلى للثقافة: دليل على تقدير اليابان لحضارتنا    شقيق إبستين: كان لدى جيفري معلومات قذرة عن ترامب    روسيا: أوكرانيا تستخدم صواريخ أتاكمز الأمريكية طويلة المدى مجددا    الأهلي يحصل على موافقة أمنية لحضور 30 ألف مشجع في مواجهة شبيبة القبائل    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    الإحصاء: معدل الزيادة الطبيعية في قارة إفريقيا بلغ 2.3% عام 2024    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول الإسعافات الأولية لتعزيز التوعية المجتمعية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‮دراسة علمية: دولة الإسلام علمانية‮
نشر في الوفد يوم 27 - 05 - 2011


عرض وتعليق‮:‬مصطفي‮ عبيد-محمد عبداللطيف
كان الفيلسوف الشهير نيتشه‮ يدعو الناس إلي طرح أفكارهم مهما تصادمت مع من حولهم ومهما لاقت تلك الافكار نقدا،‮ ومهما أحدثت جدلا‮. ومن مأثوراته في هذا الشأن عبارة مازال البعض‮ يرددها ويعمل بها وهي‮ "‬قل كلمتك‮.. وانفجر‮".‬
ويبدو ان ذلك كان في ذهن الدكتور عبد الله النعيم استاذ القانون الدولي بجامعة أموري باطلانطا عندما قدم لنا دراسته الخطيرة‮ "‬الاسلام وعلمانية الدولة‮" في كتاب صادم صدر مؤخرا عن دار ميريت للنشر‮. يقدم القانوني الدولي من خلال دراسات سياسية وتاريخية عميقة فكرة جديدة مجملها أن دولة الاسلام دولة علمانية منذ وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام عام‮ 10‮ هجرية وحتي الآن‮ ،‮ وأن المسلمين لم‮ يعرفوا في تاريخهم كله‮ "‬الدولة الدينية‮" مما‮ يعني أن طرح ذلك المفهوم في السنوات الاخيرة جاء لاعتبارات سياسية دون وجود أي سند‮.
الكتاب‮ يقع في‮ 470‮ صفحة من القطع المتوسط ويضم‮ 7‮ فصول تتناول مفهوم الدولة الدينية والمدنية والاسلام والسياسة وعرض لاربعة نماذج للدول في الهند وتركيا واندونيسيا والسودان‮. إن المؤلف الذي ولد في السودان وحصل علي الماجيستير في القانون العام من جامعة كمبريدج والدكتوراه من جامعة ادنبره وعمل استاذا زائرا في كاليفورنيا ومديرا لمنظمة افريكا ووتش لحقوق الإنسان‮ يري أن العلمانية بمفهومها الشائع هي حقيقة ما كان عليه حال المسلمين منذ انتقال النبي عليه السلام الي الرفيق الاعلي،‮ وأن فكرة الدولة الدينية هي بدعة ظهرت في مرحلة ما بعد الاستعمار منذ اواسط القرن العشرين‮..
علمانية الدولة‮
والكتاب بتلك المقولة‮ يكرر ما طرحه مفكرون عديدون من قبل مثل علي عبد الرازق في كتابه الشهير‮ "‬الاسلام ونظام الحكم‮"‬،‮ وخالد محمد خالد في كتابه‮ "‬من هنا نبدأ‮"‬،‮ وكتابات محمد الجابري،‮ ومحمد اركون ومحمد سعيد العشماوي فيما بعد،‮ إلا أن الملاحظ أن هذه الدراسة تحديدا تكاد تتميز عن الاشارات السابقة في استعراضها لحوادث موثقة في التاريخ الاسلامي تؤكد أن المسلمين تعاملوا مع كافة الخلفاء حتي الراشدين منهم باعتبارهم حكاماً‮ مدنيين‮ يجوز الاعتراض عليهم ولا‮ يمثلون سلطة دينية علي المحكومين‮.‬
إن مصطلح العلمانية مصطلح سلبي في المحيط العربي رغم ان أصل الكلمة لا تعني الالحاد أو اللادينية وإنما تؤكد فكرة الفعل البشري تمييزا له عن الفعل المقدس‮.. لذلك فإن معظم الافعال التي صدرت عن الحكام في مختلف الدول داخل محيط المسلمين كانت افعالا بشرية باستثناء فترة الرسول عليه الصلاة والسلام‮.
ويستشهد المؤلف باعتراض بعض الصحابة مثل عمر بن الخطاب علي حروب الردة في عهد الخليفة ابي بكر الصديق ثم اعتراضهم علي واقعة قتل مالك بن نويرة وهو ما‮ يؤكدا أنهم كانوا‮ يتعاملون مع الخليفة ابي بكر باعتباره ممثلاً‮ للسلطة السياسية فقط وليس ممثلا للسلطة الدينية‮. ومن ثم فإن الاختلاف معه في الرأي لا‮ يمثل خروجا أو مخالفة للدين وهو ما‮ يعني بالضرورة علمانية الحكم الاسلامي أي مدنيته‮.
فيما بعد الخلفاء الراشدين وبداية من خلفاء بني أمية بدأ تمييز الحكام ومحاولة إضفاء رداء ديني علي تصرفاتهم وتصويرهم باعتبارهم امتدادا للنبي عليه السلام وقد ظهر ذلك جليا في استخدام ألقاب مثل خليفة الله،‮ وأمين الله‮. وقد تنامت ظاهرة الخلط بين السلطة السياسية والفكر الديني في الدولة العباسية خاصة فيما‮ يعرف بمحنة‮ "‬خلق القرآن‮" عندما تبني الخلفاء فكرة معينة تقول إن القرآن مخلوق ومن‮ يعارضها‮ يتعرض للتعذيب والتصفية مثلما حدث مع الامام احمد بن حنبل‮. كما ظهر ذلك الخلط أيضا عندما تبني أمراء المماليك في مصر والشام أراء تخالف الفقيه الشهير ابن تيمية وحبسوه عدة مرات عقابا لذلك الخلاف‮.
مفاهيم‮ ينبغي تطويرها‮
ويشير المؤلف الي أن هناك اتفاقاً‮ بين كثير من الإسلاميين علي أن نموذج دولة النبي عليه السلام والخلفاء الراشدين هو افضل نموذج تطبيقي لنظرية الحكم الاسلامي الدستوري‮. ومن هنا فإنه‮ يري أنه‮ يمكن استلهام مبادئ تلك المرحلة وتطبيقها بروح العصر وعلي سبيل المثال فإن الشوري‮ يمكن تطبيقها عصريا عن طريق الديمقراطية النيابية‮ . وبنفس المنطق هناك كثير من المفاهيم الفقهية تحتاج الي تحديث واعادة فهم بما‮ يحقق تطبيقا صحيحا للاسلام‮.
ويتناول الكاتب تعاملات المسلمين الاوائل مع‮ غير المسلمين وكيف كان‮ يتم تسميتهم بأهل الذمة وهو ما‮ يشير الي ميثاق بين الدولة المحكومة من قبل المسلمين،‮ ومجتمع أهل الكتاب بحيث تهب الدولة أهل ذلك المجتمع أمان ممتلكاتهم الشخصية وحرية ممارسة الشعائر الدينية علي أن‮ يتعهد أهل الكتاب بدفع الجزية‮.. ويتصور الكاتب أن نظام أهل الذمة اصبح‮ غير عملي في ظل وجود مفهوم المواطنة‮.
ويستعين المؤلف بالمفكر السوداني محمود محمد طه والذي أعدمه نظام جعفر نميري في السودان بسبب اطروحاته ليقدم لنا منهج اصلاح اسلامي عن طريق الانتقال من احكام الآيات المدنية في القرآن الي أحكام الايات المكية‮. ويري أن نسخ الآيات المكية في القرآن الداعية الي التعايش السلمي والدعوة السلمية بالايات المدنية لم‮ يكن الغاء نهائيا لأحكامها وإنما كان ارجاء لتلك الاحكام لاحتمال استخدامها في المستقبل‮. ولاشك أن هذه الفكرة تمثل‮ دعوة‮ غريبة لم‮ يقبل بها أحد من علماء المسلمين الثقاة في العصر الحديث‮..
الاتاتوركية وقمع الدين‮
الغريب أن الكاتب‮ يتناول بالنقد والتحليل تجربة اتاتورك العلمانية‮ في تركيا والتي نفذت بمجموعة من القوانين والتشريعات التي صدرت خلال الفترة من‮ 1922‮ الي‮ 1935‮ وتضمنت إلغاء الخلافة ومنع ارتداء النقاب والحجاب وإطلاق حرية الزواج المدني واستبدال اللغة التركية بحروف لاتينية ونشر حركة التغريب في المجتمع‮. وفي رأي المؤلف أن السلطة الأتاتوركية سعت الي قمع دور الإسلام والسيطرة عليه بدلا من تنظيمه في إطار ديمقراطي دستوري‮. ثم‮ يتناول المؤلف تغيرات الواقع السياسي في تركيا بعد اتاتورك وظهور أحزاب ذات خلفية إسلامية مما أتاح صورة مثالية لنظام حكم علماني‮ يتيح للاصوات الإسلامية بالظهور وهو ما‮ يدفعه إلي القول انه إذا استطاعت تركيا اثبات انه من الممكن سماع الصوت السياسي الإسلامي مع المحافظة علي علمانية الدولة والحقوق الدستورية للجميع فإنها ستكون اثبتت أن الدولة العلمانية أفضل واكثر اتساقا مع الخطاب الإسلامي‮.
نموذج السودان‮
أما النموذج السوداني فيراه المؤلف دليلا واضحا علي بطلان مفهوم الدولة الدينية في الاسلام‮ . إن المؤلف‮ يستقطع تصريحات للدكتور حسن الترابي بعد انقلاب‮ 1990‮ يقول فيه‮ "‬لقد دخلنا الخرطوم كما دخل الرسول المدينة‮" وقد اعلنت الحركة الجديدة اسلاميتها لكنه طبقت ممارسات لا إنسانية سجلتها تقارير حقوق الانسان الدولية منها تعذيب السياسيين عن طريق التعليق من اليدين وحرق الجلد والصدمات الكهربائية والاغتصاب للرجال ونزع الأظافر‮. ويعتبر المؤلف تجربة السودان دليلاً‮ واضحاً‮ علي الخلل في مفهوم الدولة الدينية لان تلك الدولة‮ غير موجودة لأن الحكام الفعليين بشر وليسوا آلهة ومن هنا فهم مجبولون علي الخطأ والهوي والاختلاف‮. ويقول صراحة‮ "‬والزعم بالدولة الدينية إدعاء باحاطة البشر بعلم وحكمة الله سبحانه وتعالي وهو زعم باطل دينا وعقلا،‮ فكل ما هو في علم الإنسان في هذه الدنيا فهو بشري وناقص وعاجز وقد خرج بذلك عن قدسية الدين الخالص ودخل في مجال احتمال الخطأ ونسبية الصواب‮".
وينتهي الكاتب الي التأكيد علي عدة استخلاصات علمية فيما‮ يخص الاسلام والسياسة تتضمن‮ :
1‮- إن الدولة المدنية أكثر اتساقا مع الطبيعة الموروثة للشريعة الإسلامية‮. وأيا كان شكل الدولة الذي سيأخذ به المسلمون فهو شكل بشري ومادي وعلماني ولا‮ يمكن تحويله الي مقدس‮ .
2‮- اذا كان من الضروري الفصل بين الدين الإسلامي والدولة فإنه لا‮ يمكن الفصل بين الدين والسياسة ويلزم تنظيم العلاقة بينهما،‮ إذ ليس من الممكن ان‮ يحتفظ الناس في أي مجتمع بعقائدهم وهمومهم الدينية بعيدا عن خياراتهم وقراراتهم السياسية‮.
3‮- لم تكن هناك دولة إسلامية أبدا منذ خلافة ابي بكر وحتي دولتي السعودية وإيران‮. فالدولة كانت دائما بشرية أي علمانية وينبغي التفرقة بين تطبيق الشريعة ودينية الدولة‮.
4‮- الدولة الإسلامية لم تكن موجودة إلا في عهد النبي محمد عليه السلام باعتباره سلطة سياسية ودينية في آن واحد وذلك لن‮ يتكرر لأنه ليس هناك نبي آخر‮.
السلفيون‮: الديمقراطية والليبرالية كفر
ليس هناك وصف دقيق وملائم لتفاصيل المشهد العام في مصر،‮ سوي أنه عبثي ومحرض علي الفزع،‮ فقبل أن نفيق من صدمة كارثية كريهة،‮ تلقي بها الجماعات السلفية في وجوهنا‮.. تداهمنا أخري أكثر فجاجة،‮ إلي الحد الذي يصعب معه متابعة سيل الصدمات المخيفة‮.. لأن ما يجري علي أرض الواقع من ممارسات وأفعال‮.. يقوم بها ويحرض عليها أفراد بارزون في الجماعات السلفية ينذر بمخاطر تمثل تهديدًا لمستقبل هذا البلد‮.‬
فمن إهدار هيبة الدولة،‮ ودهس القانون جهارًا نهارًا،‮ بادعاء تطبيق الحدود الشرعية‮.. إلي إثارة الأزمات والفتن،‮ بالاستيلاء علي المساجد،‮ وطرد الأئمة لاعتلاء منابرها بالقوة،‮ مرورًا بالاحتجاج من أجل فرض النقاب،‮ أصبح كل شيء مباح‮.. وصارت قراءة الأحداث المفتعلة شبيهة،‮ بتفسير لوحة سريالية في الأصل هي معقدة وعصية علي الفهم‮.‬
آخر قنبلة انفجرت،‮ وتطايرت شظاياها لتنال من جميع فئات المجتمع،‮ علي مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية هي تلك التي ألقت بها أيضا الجماعات السلفية‮ ،‮ وتدعو فيها إلي محاربة جميع المذاهب السياسية في مصر،‮ باعتبارها في نظرهم‮.. مذاهب ضالة وتدعو فيها إلي تغيير الهوية الإسلامية،‮ ووجهوا الدعوة لمحاربتها‮.‬
أما المذاهب والمصطلحات التي تتعرض حاليا لحرب شرسة،‮ من الجماعات السلفية هي‮» العلمانية‮ - الليبرالية‮ - الديمقراطية‮ - الدولة المدنية‮«.‬
ولم يعد‮ غريبًا علي مثل هذه الجماعات أن تروج لأفكارها بين الشرائح الاجتماعية،‮ الأقل وعيا وإدراكًا لأهدافها سواء عن طريق الدروس في الزوايا والمساجد،‮ أو التجمعات الشبابية في المناطق العشوائية،‮ لكن الحرب علي التيارات السياسية،‮ والأفكار المرتبطة بها‮.. جاءت هذه المرة من خلال التوزيع السري،‮ لكتيب صغير الحجم،‮ أصدرته جمعية‮ »‬الترتيل‮« للخدمات الثقافية والدينية،‮ وحمل عنوانًا بارزًا‮ »‬العلمانية‮ - الليبرالية‮ الديمقراطية‮ - الدولة المدنية‮« في ميزان الإسلام،‮ تحت اشراف الشيخ محمد عبدالعزيز أبوالنجا،‮ الخبير بمجمع فقهاء الشريعة‮.‬
الكتيب الذي يحتوي علي‮ 48‮ صفحة من القطع الصغير وصف العلمانيين بأنهم فئة ضالة تطعن في الدين وتستهزئ بالسنة والقرآن‮.. وأنها تقليد أعمي للغرب،‮ أما الليبرالية فهي في نظرهم الوجه الآخر للعلمانية وأنها تعني الحرية بأن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما شاء،‮ ويقول ما شاء،‮ والإنسان في الليبرالية عابد لهواه‮ غير محكوم بالشريعة،‮ وامتد الحديث عن الليبرالية إلي ما هو أبعد من الأوصاف،‮ التي سردوها‮.. فهم يقولون‮: الليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس‮.. ولا يقيم الليبراليون أي وزن لشريعة الله،‮ إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله،‮ ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط،‮ حتي لو كان الحكم النهائي الناتج عن التصويت هو عدم تجريم الزنا،‮ أو عدم تجريم شرب الخمر،‮ أو كان تحليلاً‮ للربا،‮ أو السماح بتبرج النساء،‮ أو التعري والشذوذ الجنسي،‮ والاجهاض أو نشر الالحاد تحت ذريعة حرية الرأي،‮ وكل شيء في المذهب الليبرالي متغير وقابل للجدل،‮ ويواصل الكتاب الحديث عن الليبرالية بالقول‮: إذن الليبرالية الحاكم علي كل شيء بالصواب والخطأ،‮ حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره،‮ وحكم الأغلبية من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة،‮ سواء عارض الشريعة أو وافقها،‮ وهي في نظرهم تدعو إلي الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر،‮ وتكفر بثوابت القرآن،‮ كما جاء في صفحة‮ »‬17‮«.‬
أما في الحديث عن الديمقراطية،‮ فيصفون النظام الديمقراطي بأنه يكفل حق الردة،‮ والانتقال بين الأديان كيف شاء الإنسان،‮ والسب واللعن في القرآن،‮ تحت مظلة القانون الديمقراطي،‮ وفي هذا النظام كما يرون لا دين ولا رجولة ولا أنوثة ولا مسلم ولا كافر الكل سواسية،‮ وأن الديمقراطية هي حكم الشعب،‮ وليس الاحتكام للشريعة لأنها تطبق ما وافق عليه الأغلبية،‮ وهي في نظرهم مخالفة صريحة لما أمر بها الله،‮ ولذلك فالسلفيون ليسوا في حاجة للديمقراطية،‮ كما يقولون في الكتاب الذي يتم ترويجه،‮ أما الدولة المدنية في نظرهم،‮ فهي تتعصب للوطن وأبنائه دون‮ غيرهم،‮ وهي تدعو للقومية العربية وهي الغاية التي تبرر الوسيلة،‮ والدولة المدنية تدعو للأنانية‮.‬
الغريب أن الترويج لمثل هذه الأفكار المعادية للدولة المدنية،‮ يأتي في الوقت الذي يحاول فيه كبار قادة السلفية،‮ خداع الرأي العام بأنهم يوافقون علي المواطنة،‮ والدولة المدنية،‮ ويأتي هذا التراجع عن الأطروحات العلنية في وقت تدعو فيه جميع القوي السياسية،‮ بمشاركة الأطياف الأخري،‮ وخاصة التي عانت كثيرًا من اضطهاد وقمع النظام البائد،‮ وعلي رأسها السلفيون وهو الأمر الذي يثير المخاوف من تنامي هذا التيار الذي يحاول إلغاء الدولة ومؤسساتها،‮ ليتمكن من فرض سطوته وسيطرته‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.