كانت هذه هفوة طريفة ضحك منها زملائى الذين استمعوا إليَّ وقالوا «بتحصل مع أحسن المذيعين» الابنة المتخيّلة! «يا حُبى الأخير.. إنى أكتبُ إليكِ لأعترف، لأكشف لكِ عن خُطة مدبرة أحاطت بكِ وأنا الذى دبَّرتُها، لقد تعودت والدتكِ كلما عُدت إلى البيت وبدأتُ أخلع ملابسى أن تأخذ فى تلاوة نشرة الأخبار، أخباركِ وأخبار أخويكِ محمد وأحمد. ومنذ عدة شهور جاء فى نشرة الأخبار أن حضرتكِ بدأت تهتمين بأحد الشبان تحادثينه فى التليفون ونعتقد أن هذا الشاب هو «مدحت». وانتفضت.. صدقينى أنى انتفضت فعلًا. لا لأن الخبر أزعجنى.. أبدًا بل لأنى تذكرتُ فجأة أنكِ الآن فى السادسة عشرة من عمركِ.. ونحن الآباء نتناسى دائمًا أعمار أولادنا حتى لا نتذكر أعمارنا. كان اهتمامى يخفى رعشة كتلك التى تنتابنى وأنا طالب مقبل على الامتحان. وأنتِ تعلمين أنى قضيت عمرى أكتبُ للناس عن نظرياتى فى الحُب والمجتمع وأطالب الآباء والأمهات بأن يسمعوا الكلام ويوجهوا بناتهم وأولادهم وفقًا له. وجاء دورى فى الامتحان، وانهلتُ على والدتكِ بالأسئلة: متى وكيف وأين وماذا ولماذا؟ ولم أكن أريد إلا أن أعرف شيئًا واحدًا وهو أن الوقت لم يفت وأن عاطفتك ما زالت وليدة أستطيع أن أُجرى عليها تجاربى. واطمأن قلبى.. وبدأتُ أرسم الخطة. طلبتُ من والدتكِ ألا تتدخل فى تصرفاتكِ ولا تحد من حريتكِ ولا تحاسبكِ على أحاديثكِ التليفونية ولا تستجوبكِ.. فى نفس الوقت الذى طلبت فيه أن نتعرف على عائلة مدحت وتدعو أفرادها إلى البيت وتُقدِّمه لأخويك ووعدتها من ناحيتى أن أحاول التعرف على والد مدحت وكسب صداقته. ماذا كنتُ أريد؟ كنتُ أريد أن أُثبتَ لنفسى أن الحرية هى الأمان الوحيد من أخطاء العاطفة. فإذا وُجدِت للحرية أخطاء فعلاجها هو مزيد من الحرية». كان إحسان عبد القدوس مربيًا من الطراز الأول كما كان خبيرًا بارعًا بالنفس البشرية وربما كان محور أعماله كلها هو تربية الناس عامة.. وفيما يتصل بشئون المرأة خاصة، ومن هنا كانت العواطف لا تهدأ من حوله إلا لتثور من جديد. لم يكن لإحسان ابنة، بل كان أبًا لولدين، لكنه حاول أن يخوض تجربة الأبوة لابنة على الورق. الرسالة المذكورة آنفًا تتضمن - حسب تعبيره - كشف حساب بنظرياته فى الحياة. والدرس الأهم فيها لابنته «المتخيلة»: الحرية هى الأمان من أخطاء العاطفة! يحدث فى أحسن العائلات! فى زمنٍ مضى، كان كل مذيع فى مصر يُمنى نفسه بأن يقدِّم حفلًا من حفلات كوكب الشرق أم كلثوم. ومع ذلك فإن هذه الأمنية كانت مسكونة بالخوف والرهبة ويحيطها الهلع من كل جانب، فما الذى يقوله الواحد منهم بعد تعليقات رواد تصدوا لتقديم هذا الحفل مثل محمد فتحى وعبد الوهاب يوسف وحافظ عبد الوهاب وأنور المشرى وحسنى الحديدى. فى مذكراته التى تحمل عنوان «نصف قرن مع الميكروفون» (دار المعارف، 2009)، يقول الإذاعى المرموق فهمى عمر: «عندما أبلغنى كبير المذيعين فى نهاية شهر فبراير عام 1954 بأننى سأكون مذيع حفل أم كلثوم ليلة الخميس الأول من شهر مارس من تلك السنة؛ كانت سعادتى غامرة وفى الوقت ذاته كان خوفى وفزعى كبيرين وظللت قرابة الأسبوعين قبل الحفل وأنا أعيش الحلم الممزوج بالخوف» (ص 43). وعن كواليس ليلة الحفل يقول: كان الحفل بمسرح الأزبكية بوسط القاهرة وتوجهتُ إلى خلف المسرح، حيث كانت كوكب الشرق تستعد لبدء الحفل وأتذكر عندما دخلت عليها أنها استقبلتنى بابتسامة عريضة، وقالت على الفور «أنا فاكرة المذيع الصعيدى» وضحكت ضحكة عالية. وربتت على كتفى مشجعة مما أدخل الطمأنينة إلى قلبى، كما أن جمهور الحفل الذى كان يسترق النظرات إليَّ وأنا أمام الميكروفون فضلًا عن الملايين التى تستمع إليّ عبر الراديو، كل ذلك هدَّأ من توترى حتى جاء موعد الحفل وانتقل الميكروفون من الاستوديو إلى مكان الحفل بمسرح الأزبكية وأخذت أقول ما حلا لى من القول على مدى خمس دقائق قبل أن يرفع الستار عن أم كلثوم. وعندما بدأت دقات المسرح التقليدية الثلاث التى تسبق رفع الستار انطلق صوتى يقول «والآن أيها الستارة ترفع السادة عن أم كلثوم وفرقتها الموسيقية لتغنى لنا» وكانت هذه هفوة طريفة ضحك منها زملائى الذين استمعوا إليَّ وقالوا «بتحصل مع أحسن المذيعين» (ص 44). تاريخ السيارات شغل اهتمامى لفترة سؤال: من كان أول من امتلك سيارة فى مصر؟ بعد بحثٍ، وجدتُ أنه من العائلة المالكة، ففى عام 1888سافر الأمير عزيز حسن (1873-1925) حفيد الخديو إسماعيل، إلى مدينة بوتسدام الألمانية للدراسة والبيزنس فى نفس الوقت. وفى أثناء الرحلة، شاهد الاختراع الذى كان فى هذا الوقت حديثًا فى العالم، وهى وسيلة تنقل لا تحتاج للدواب لكى تتحرك. قرر الأمير عزيز شراء واحدةٍ وشحنها إلى مصر، وفعلًا اشترى سيارة فرنسية الصنع ماركة «دو ديون - بوتون» De Dion Bouton، وجاء بها إلى مصر عام 1890 فكان أول عهد للمصريين بالسيارات. كان الأمير يقود السيارة أولًا داخل الحدائق الملكية حتى قرر عام 1904 القيام برفقة صديقين برحلة طولها 210 كيلومترات بين القاهرةوالإسكندرية، قطعتها السيارة فى وقت يربو قليلًا على الساعات العشر برغم مئات المصاعب التى لقيها السائق بسبب انعدام الطرق المُعبَّدة والجسور، فكان يضطر إلى اختراق أراضٍ زراعية فى أثناء الرحلة، مما عرَّضه هو ومن معه لمحاولات قتل من أصحاب الأراضى، لكنه نجا فى الأخير ووصل للإسكندرية بعد 10 ساعات من القيادة بسرعة السيارة القصوى وهى 20 كيلومترًا فى الساعة. وكان للرحلة كلفة إضافية تكبَّدها الأمير، هى تعويضات دفعها للفلاحين بسبب الأضرار التى لحقت بزراعتهم ومواشيهم. بعدها اشترى بعض الأمراء والنبلاء فى مصر سيارات، وأشهرهم الأمير محمد على توفيق، وبسبب تهوره فى القيادة، حيث كان يقود السيارة على سرعة 30 كيلومترًا فى الساعة، تسبب فى أول حادثة سيارة فى مصر عام 1904 واصطدم بعربة كارو محملة بأخشاب. ولا شك فى أن الأمير عزيز حسن شجَّع الأثرياء على اقتناء السيارات، حتى وصل عددها عام 1905 إلى 110 سيارات فى القاهرة، و56 سيارة فى الإسكندرية. اقتنى الخديو وقليلٌ من أمراء الأسرة المالكة سيارات، كانت عادةً من ماركة رينو الفرنسية. أما من خارج الأسرة المالكة، فكان أول من اقتناها هو المدعو محمد خورشيد بك، معاون البوليس فى نظارة الداخلية، وقد اشتراها حينما كان فى رحلة فى أوروبا فى أواخر القرن التاسع عشر، وعاد بها على ظهر باخرة إلى مصر، حيث إنها لم تكن تُباع داخل مصر آنذاك. وبدا طبيعيًا، أن يصبح الأمير عزيز حسن أول رئيس للنادى المصرى للسيارات، والذى تأسس تحت رعاية الخديو عباس حلمى، وكان مقره المبنى رقم 25 بشارع المدابغ (لاحقًا شارع شريف فى القاهرة)، وبرسم اشتراك سنوى يبلغ خمسة جنيهات مصرية، ورسم دخول قدره ستة جنيهات. تجسَّدت مهمة النادى فى جمع مُحبى السيارات من المصريين والأجانب، وتركزت أنشطته فى تنظيم السباقات، ومنها سباق السيارات بشبرا عام 1905، وسباق عند سفح الهرم وآخر فى هليوبوليس عام 1908، وبعد فشل سباق هليوبوليس عام 1911 أغلق النادى أبوابه. بحلول عام 1927، أشارت إحصائية إلى أن فى مصر 8 آلاف سائق مرخص لهم، و21 ألفًا من أصحاب السيارات، من بينهم 700 سيدة بين مصرية وأجنبية. وفى عام 1933، ارتفع عدد السيارات فى مصر إلى 50 ألف سيارة .