تعرف على عقوبة جريمة التسول طبقا للقانون    تراجع سعر الدولار منتصف تعاملات اليوم فى البنوك المصرية    سعر جرام الذهب صباح اليوم في مصر    وزير الصحة: انخفاض معدلات الزيادة السكانية من 5385 إلى 5165 مولودًا يوميًّا    رقم تاريخي جديد.. الزراعة تعلن تجاوز تمويل مشروع "البتلو" 10 مليارات جنيه    الوزير يتابع تنفيذ أعمال القطار الكهربائي السريع ويشهد الانتهاء من «كوبري الخور» العملاق    ارتفاع عدد ضحايا المجاعة في غزة إلى 258 شهيدا بينهم 110 أطفال    أمواج بارتفاع 15 وانزلاقات أرضية ضخمة تضرب ألاسكا (فيديو)    الدوري الفرنسي، مصطفى محمد يقود نانت أمام باريس سان جيرمان الليلة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 17-8-2025 والقنوات الناقلة لها    القبض على المتهمين بسرقة هاتف مسن أمام الصراف الآلي بالإسكندرية    شهيد لقمة العيش .. وفاة شاب أقصري إثر تعرضه لحادث خلال عمله بالقاهرة    إصابة 3 سيدات في حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    انتظام لجان امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة بالدقهلية    أروى جودة تعلن عن وفاة ابن شقيقها    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    الصحة تقدم أكثر من 30 مليون خدمة طبية وعلاجية خلال النصف الأول من 2025    مجمع السويس الطبي ينجح في إجراء عملية دقيقة بالقلب    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة لاستقطاب الخبرات الطبية المصرية العالمية    العذراء في عيون الفن.. من الأيقونة القبطية إلى الشاشة واللحن    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض الحرارة والعظمى تسجل 31 درجة    تحويلات مرورية بشارع 26 يوليو بالجيزة بسبب أعمال المونوريل    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    الأردن يدين تجميد إسرائيل حسابات بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    فرح يتحوّل إلى جنازة.. مصرع 4 شباب وإصابة آخرين خلال زفة عروسين بالأقصر    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيًا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود إلي الهاوية‏...‏ التاريخ يعيد نفسه
بقلم‏:‏ عبد الرحيم علي

المراهقة السياسية تدفع عددا من القوي السياسية للارتماء في حضن الإخوان والشيخ محمد البرادعي يقود المشهد نحن نسرد فصولا من تاريخ صعود الجماعة نحو الهاوية
في اندفاع غير محسوب‏,‏ من قبل عدد من القوي السياسية‏,‏ الشرعية وغير الشرعية في مصر‏,‏ وفيما بدا وكأنه رد فعل أخرق ومتسرع‏,‏ علي نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة‏,‏ راحت تلك القوي ترمي بكل ثقلها في حضن تنظيم الإخوان غير الشرعي‏,‏ ووصل الأمر بحزب كبير مثل حزب الوفد الي ترديد مقولات الجماعة حول العصيان المدني‏,‏ في حالة أقرب ما يكون الي الانتحار السياسي‏,‏ منه الي عمل سياسي شرعي منظم‏,‏ يهدف الي التغيير الفعلي لسياسات يختلف معها البعض وهو حق شرعي لهم‏-‏ تذكرنا بما فعله الحزب في أربعينيات القرن الماضي عندما أتي الي الحكم علي أسنة رماح الدبابات البريطانية‏.‏ لم يقف الأمر عند الحزب الكبير وإنما تعداه لعدد من اصحاب الأحلام الكبري في الزعامة‏,‏ فقد عاد الدكتور الشيخ محمد البرادعي لصدارة المشهد من جديد‏,‏ ليعلن وبلا تحرز أنه مستعد لوضع يده في يد التنظيم الإخواني غير الشرعي من أجل تحقيق الإصلاح‏.‏
وبعيدا عن سؤال‏:‏ عن أي إصلاح يتحدث الدكتور‏,‏ فإننا أمام فصل جديد من فصول الطفولية السياسية‏,‏ مع الاعتذار لصاحب مقولة الطفولية اليسارية‏,‏ لذا كان من الواجب علينا أن نسرد جزءا من تاريخ تلك الجماعة‏,‏ كيف تعاملت مع القوي السياسية المختلفة منذ نشأتها وحتي الآن‏,‏ مرورا بعصور‏:‏ الملكية والثورة وعصري السادات ومبارك‏,‏ كيف تعاملت مع أحزاب الأغلبية ورجال الثورة وتفاهمات مرحلة الرئيس الراحل أنور السادات‏.‏ ليمضي الشيخ محمد البرادعي ومن أراد في طريقه عن بينة‏,‏ ويقف ليتأمل من أراد عن تبصر‏.‏ نبراسنا في كل ذلك حب جارف لهذا البلد الأمين‏,‏ الذي لا تضعه النظرية الإخوانية العالمية في بؤرة اهتمامها قط‏,‏ اللهم إلا إذا كان يمثل نقطة انطلاق لتحقيق حلمها الأبدي‏,‏ لما تسميه بأستاذية العالم‏.‏ والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل‏.‏
الخطاب الإسلامي في التجربة الحزبية الأولي‏:‏
عرفت مصر تجربتها الحزبية الأولي‏,‏ بالمعني العصري الحديث للكلمة‏,‏ في سنة‏1907,‏ حيث ظهرت مجموعة من الأحزاب التي تعبر عن توجهات وآراء مختلفة‏,‏ علي الأصعدة السياسية والفكرية والاجتماعية‏,‏ وكانت القوي الحزبية الأكثر بروزا وتأثيرا تتمثل في ثلاثة أحزاب‏:‏ الحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل‏,‏ وحزب الأمة بقيادة فكرية لأحمد لطفي السيد وزعامة سياسية لمحمود باشا سليمان‏,‏ وحزب الإصلاح علي المبادئ الدستورية‏,‏ وثيق الصلة بمؤسسه الشيخ علي يوسف‏,‏ صاحب ورئيس تحرير جريدة المؤيد‏.(‏ للمزيد من التفاصيل عن نشأة وتطور الأحزاب السياسية في مصر‏,‏ راجع‏:‏ د‏.‏ يونان لبيب رزق‏:‏ الأحزاب السياسية في مصر‏,‏ دار الهلال‏,‏ كتاب الهلال‏,‏ القاهرة‏,1984-‏ د‏.‏علي الدين هلال‏:‏ تطور نظم الحكم في مصر‏,‏ القاهرة‏1977).‏
ولما كان حزب الإصلاح هامشيا يدين بالولاء المطلق للخديو عباس حلمي الثاني‏,‏ ولما كانت الأحزاب الأخري قليلة الأهمية وعديمة النفوذ‏,‏ فإن الاستقطاب الحقيقي كان بين الوطني والأمة‏.‏ والسؤال الذي نطرحه هنا‏:‏ أي موقع احتله الخطاب الإسلامي في برامج وممارسات الحزبيين؟‏.‏
لقد كان طبيعيا أن يؤيد مصطفي كامل حركة الجامعة الإسلامية تحت لواء السلطان العثماني‏.‏ وذلك لأنه كان يعتمد في مطالبته بالجلاء وتمتع مصر باستقلالها الذاتي علي ما لتركيا من حقوق دولية في مصر تكفلها معاهدات واجبة الاحترام‏;‏ ولهذا كان يدعو الشعوب الإسلامية إلي الالتفاف حول الدولة العثمانية وشد أزرها‏,‏ كما دعا في برنامج حزبه إلي بذل الجهد لتقوية علائق المحبة والارتباط والتعلق التام بين مصر والدولة العلية‏,‏ وكان يؤمن بأن انقطاع هذه العلائق يؤدي إلي سقوط مصر في يد الإنجليز‏,‏ ماذا يكون مصير البلاد المصرية لو تنازلت تركيا عن حقوقها لإنجلترا‏,‏ أو تعاهدت معها علي ذلك بمعاهدة شبيهة بالمعاهدة الفرنسية الإنجليزية؟ ألا تصير ولاية إنجليزية؟ د‏.‏ عبد العظيم رمضان‏:‏ تطور الحركة الوطنية‏,‏ ص‏34.‏
وفي المقابل‏,‏ يطرح حزب الأمة تصورا مغايرا‏,‏ ففي سنة‏1912‏ ذهب أحمد لطفي السيد إلي رشدي باشا‏,‏ وزير الحقانية‏,‏ يطلب إليه أن تعلن مصر استقلالها عن الدولة العثمانية‏,‏ وأن تنصب الخديو ملكا عليها‏,‏ ويعترف لها الإنجليز بهذا الاستقلال‏,‏ ورجاه أن يعرض هذا باسم حزب الأمةعلي الخديو عباس واللورد كتشنر‏.‏
كان الحزب الوطني‏,‏ علي نحو ما‏,‏ امتدادا لسياسة جريدة العروة الوثقي‏,‏ التي أسسها السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده في باريس عام‏1884,‏ وقد قامت سياسة الجريدة علي تأكيد الوجه الإسلامي لمصر‏,‏ وكان جمال الدين ومحمد عبده يأملان أن يتمكنا من الذهاب خفية إلي السودان‏,‏ لتنظيم قوة المهدي توسلا إلي إنقاذ مصر بها‏,‏ وتأسيس دولة قوية يعتز بها الإسلام والشرق‏.(‏ محمد رشيد رضا‏:‏ تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده‏,‏ ج‏1,‏ ص‏274).‏
أما حزب الأمة‏,‏ المعبر عن أصحاب المصلحة الحقيقية في حكم مصر‏,‏ فقد اعتمد في حركته الفكرية علي أمرين‏:‏ أولهما المطالبة بالدستور‏,‏ وثانيهما الدعوة إلي الاستقلال عن كل من تركيا وإنجلترا‏.‏ وبذلك‏,‏ يمكن القول إنه حزب القومية المصرية‏,‏ في مفارقة صريحة للتوجه الإسلامي الذي ينتمي إليه الحزب الوطني‏.‏
كان الخطاب الإسلامي في حركة الحزب الوطني‏,‏ دون برنامجه‏,‏ سلاحا سياسيا لمحاربة الاحتلال الإنجليزي والتشكيك في شرعيته‏,‏ وكان غياب الخطاب نفسه في برنامج وسلوك حزب الأمة معبرا عن التوجه القومي المختلف‏.‏
وسرعان ما تهاوت أركان الخريطة الحزبية‏,‏ فقد كان اشتعال الحرب العالمية الأولي‏,‏ التي مهدت لسقوط الخلافة العثمانية والشرعية التركية‏,‏ محطة جديدة ذات تأثير مختلف علي الحياة السياسية في مصر من ناحية‏,‏ والموقع الذي يحتله الخطاب الإسلامي في هذه الحياة من ناحية أخري‏.‏
الحرب العالمية وسقوط الخلافة‏:‏
يرجع بعض الكتاب والباحثين سبب ظهور الحركات الأصولية الإسلامية المعاصرة‏,‏ في العالم العربي‏,‏ إلي سقوط الخلافة العثمانية‏,‏ الذي أدي إلي فقدان المرجعية الكبري للمسلمين‏,‏ علي المستويين الفكري والسياسي‏,‏ مما فتح الباب علي مصراعيه أمام الاجتهادات الشخصية والجماعية‏,‏ وأفرز ظهور كثير من الحركات الإسلامية‏,‏ التي تستهدف استعادة المكانة المندثرة‏.(‏ د‏.‏ رضوان أحمد الشيباني‏:‏ الحركات الأصولية الإسلامية في العالم العربي‏,‏ ص‏29).‏
لقد كان إجهاز تركيا الكمالية علي مؤسسة الخلافة في‏13‏ مارس‏1924‏ وشروعها بعلمنة راديكالية حاسمة للدولة‏,‏ مفتاح تفسير نشأة الحركة الإسلامية المعاصرة‏,‏ ورهانها علي بناء عالمية إسلامية ثانية جديدة‏,‏ تستعيد ولكن في شروط مختلفة النسق الشرعية للخلافة الإسلامية‏.‏ وترتبط نشأة تلك الحركة بنشأة جماعة الإخوان‏,‏ الجماعة الأم لمعظم التيارات والاتجاهات الإسلامية الحركية الراهنة‏.‏ وقد تشكلت هذه الجماعة أول ما تشكلت في مارس‏1928‏ كرد مباشر علي اسقاط الخلافة وتقدم العلمانية‏.‏ وهو ما يفسر أن صياغتها لما يمكن تسميته بالنموذج الإخواني لتطبيق الشريعة قد ارتبطت إلي حد بعيد بمواجهة النموذج القومي العلماني الكمالي‏,‏ وتطويق امتداداته إلي العالم الإسلامي ومحاصرتها‏.‏ من هنا لا يمكن فهم نشأة هذه الجماعة بمعزل عن فهم السياق الذي تم فيه الفصل ما بين الخلافة والسلطنة‏,‏ وتحويل الخلافة إلي خلافة روحية ثم إلغاء هذه الخلافة الروحية‏(‏ د‏.‏ فيصل دراج‏,‏ جمال بارود‏:‏ موسوعة الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية‏,‏ ج‏1,‏ ص‏14).‏
لقد استعرض الدكتور عبد الرازق السنهوري تاريخ دولة الخلافة‏,‏ واستخلص منه أن الفقهاء المسلمين قد اعتبروا مبدأ وحدة الأمة يعني وحدة الدولة الإسلامية‏,‏ وأنهم لم يفرقوا بين المبدءين‏;‏ لأن الواقع نفسه فرض عليهم هذه الفكرة‏,‏ وزاد اقتناعهم بذلك أن عهد الخلفاء الراشدين الذي يعتبر المصدر التاريخي لأحكام الخلافة قام علي أساس وحدة الدولة الإسلامية‏,‏ ولم تفعل دول الخلافة الناقصة بعد ذلك إلا التمسك بهذا المبدأ‏.(‏ د‏.‏عبد الرزاق أحمد السنهوري‏:‏ فقه الخلافة وتطورها‏,‏ ص‏10).‏
وفي هذا السياق‏,‏ يمثل سقوط دولة الخلافة‏,‏ بحكم التداعيات التي لحقت بتركيا عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولي‏,‏ هزيمة مزدوجة‏:‏ لفكرة الدولة الإسلامية الواحدة من ناحية‏,‏ ولحركات التحرر الوطني التي تدور في فلك التشبث في الدولة الأم من ناحية أخري‏.‏
لقد شجع قرار إلغاء الخلافة علي تزايد الاتجاهات العقلانية في مصر‏,‏ وظهرت أفكار ومؤلفات تنهج نهجا علميا مثل كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق سنة‏1925,‏ وكتاب الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين‏.1926.‏
ونشأ عن ذلك اشتعال معارك فكرية وصراعات محمومة بين أنصار المعسكرين‏,‏ السلفي والتجديدي‏.‏ السيد يوسف‏:‏ الإخوان المسلمون‏,‏ ج‏1,‏ ص‏38.‏
كان منطقيا أن يظهر في مرحلة الانتقال هذه‏,‏ وكنتيجة مباشرة لانفعال النموذج الليبرالي المصري بالكمالية دعوات حادة لاستنساخ النموذج الكمالي التركي مصريا‏,‏ فانتشرت الدعوية لكتابة العربية بالحروف اللاتينية‏,‏ والمطالبة بإلغاء الوقف ومنصب المفتي‏,‏ واتخذ البرلمان قرارا بإلحاق مدرسة القضاء الشرعي ومدرسة المعلمين الأولية وكلية دار العلوم بوزارة المعارف العمومية بدلا من الأزهر‏,‏ ووصل الأمر إلي حد طرح إعادة النظر بقانون الأحوال الشخصية‏,‏ الأمر الذي تولدت عنه مظاهرات صاخبة لطلاب الأزهر طالبوا خلالها بسقوط البرلمان‏.‏
وبرزت القاهرة في تلك الفترة في عين الشاب حسن البنا كمدينة منقسمة إلي معسكرين علي حد تعبيره معسكر الإباحية ومعسكر الإسلامية‏.‏ ويعبر استخدام البنا هنا لكلمة المعسكرين عن حدة الصراع وقطبيته‏,‏ وهو ما سيستمر كمحدد أساسي يحكم رؤية البنا للعالم وللأشياء بشكل عام حتي وفاته‏.(‏ عبد الرحيم علي‏:‏ الإخوان المسلمون‏-‏ أزمة تيار التجديد‏,‏ ص‏23).‏
كان المناخ مهيأ لظهور تيارات إسلامية بديلة‏,‏ وإذا كانت الحرب العالمية قد مثلت حائلا‏,‏ بما تفرضه من قيود علي الحركة‏,‏ الفكرية والسياسية‏,‏ فقد مثلت ثورة‏1919‏ قيدا آخر‏,‏ ذلك أنها‏,‏ وقبل الإعلان الرسمي عن سقوط الخلافة‏,‏ قد انحازت موضوعيا لشعارات ومبادئ التوجه الوطني المستقل‏,‏ وطرحت أفكارا تبدو مغايرة للسائد والمألوف في الخطاب الإسلامي‏.‏ ومن هنا‏,‏ مثلت الثورة الشعبية‏,‏ التي قادها وحدد شعاراتها الزعيم سعد زغلول‏,‏ أحد المحسوبين علي أفكار حزب الأمة‏,‏ عامل تكبيل نسبيا لازدهار الأفكار الإسلامية‏,‏ لكنه تقييد لم يطل ولم يستمر‏.‏
ثورة‏1919:‏ التوجه الوطني وإحباطات الانكسار‏:‏
أفضت الحرب العالمية الأولي إلي انقلابين خطيرين هز كلاهما العصر الاستعماري التقليدي‏:‏ الانقلاب الأول هو قيام الثورة البلشفية في روسيا القيصرية‏,‏ والانقلاب الثاني هو إطلاق الرئيس الأمريكي‏,‏ الدكتور ولسن‏,‏ مبادئ نظريته المشهورة عن سلم بلا نصر وحق تقرير المصير وتأليف عصبة الأمم‏.‏ فإن هذه المبادئ كانت تمثل أقوي تحد لمعتقدات العالم الاستعماري التي كانت تقوم حتي ذلك الحين علي سيادة القوة‏,‏ وتحكيمها بشكل مطلق في كل نزاع‏.‏ فكان من حق هذه المبادئ الجديدة أن تثير آمالا جديدة في صدور الناس في عصر جديد ينزع إلي السلام والعدل‏,‏ ويخلو من دواعي الحرب‏.‏
وقد كان من الطبيعي أن تتقبل الأمة المصرية ككل أمة مشرئبة إلي الحرية هذه المبادئ السامية في فرحة بالغة‏,‏ وتصدقها وتؤمن بها‏,‏ وتثق في أنها سوف تحصل عن طريقها‏,‏ وبفضل ما تمنحه لها من الحرية والحق في تقرير مصيرها بنفسها‏,‏ علي الاستقلال السياسي كاملا‏.‏
لقد أثرت المبادئ التي جاهر بها الرئيس ولسن تأثيرا قاطعا سريعا في الرأي العام المصري‏.‏ فإن الذين كانوا ينتظرون في مصر نصرا ألمانيا عثمانيا‏,‏ ويرحبون به فيما مضي وجدوا في المبادئ الجديدة طوق النجاة‏,‏ سواء أكانت نهاية الحرب لصالح الحلفاء أم لصالح أعدائهم‏.(‏ د‏.‏ عبد العظيم رمضان‏:‏ تطور الحركة الوطنية‏,‏ ص‏64).‏
ولم تكد تنتهي الحرب‏,‏ حتي نظمت في مصر حركة قومية للمطالبة بحقوق البلاد علي أساس المبادئ الجديدة‏.‏ وكان بطل هذه الحركة الجديدة هو الوفد المصري الذي قام علي أساس فريد في التاريخ المصري الحديث‏,‏ هو التوكيل الشعبي‏.(‏ المرجع السابق‏:‏ ص‏65).‏
لا يتسع المجال هنا لحديث مفصل عن ثورة‏1919,‏ مقدماتها وأحداثها وأفكارها ونتائجها‏,‏ ولكن ما يعنينا هو التأكيد علي أن الوفد‏,‏ حزب الثورة‏,‏ يعتبر امتدادا أيديولوجيا لحزب الأمة‏,‏ وقد تشكل في بداية أمره من أعضاء معظمهم كانوا قادة في حزب الأمة‏.‏
وهذا الحزب‏,‏ كما أشرنا من قبل‏,‏ يمثل الدعوة الصريحة الخالصة للفكرة الوطنية القومية‏,‏ المنقطعة الصلة بالجامعة الإسلامية ودولة الخلافة‏.‏
لم تكد تنشب ثورة‏1919‏ حتي تغيرت معالم وجه المسألة المصرية تغييرا كليا عميقا‏,‏ فبعد أن كان استقلال مصر أمرا أوروبيا محضا‏,‏ أصبح أمرا مصريا بحتا‏,‏ وبعد أن كانت قصاري مطمع الحزب الوطني استقلال مصر تحت الولاية العثمانية‏,‏ أصبح استقلال مصر التام عن تركيا وبريطانيا عقيدة يعتنقها أصغر الفلاحين البسطاء في أنأي بقعة من مصر‏,‏ وبعد أن كان العمل في السياسة مقصورا علي الطبقة المثقفة في المدن‏,‏ أصبح كل لسان في مصر يدور حول مستقبل القضية المصرية‏,‏ وعن الحماية والسيادة والاستقلال‏.‏
‏(‏ نفسه‏,‏ ص‏46).‏
لم تكن ثورة‏1919‏ ذات توجه إسلامي‏,‏ وقد شاركت فيها جميع طوائف الأمة بغية التحرر والاستقلال‏,‏ تحت شعارات الوحدة الوطنيةوالاستقلال التاموالديمقراطية‏.‏ وكان الشاب حسن البنا واحدا ممن شاركوا في أحداث الثورة‏,‏ ففي العام الأخير للبنا في المدرسة الابتدائية اندلعت ثورة‏.1919‏ واشترك البنا كطالب في المظاهرات التي انفجرت داخل وخارج المدرسة‏,‏ وفي تأليف وإلقاء الأشعار الوطنية‏.‏ ريتشارد ميتشل‏:‏ الإخوان المسلمون‏,‏ ج‏1,‏ ص‏18.‏
ولكن ثورة‏1919,‏ بشعاراتها الليبرالية العصرية‏,‏ لم تحقق كل أهدافها المأمولة‏,‏ وبعد دستور‏23‏ اشتعل الصراع الحزبي‏,‏ وانقسمت الأمة بين أغلبية تؤيد الوفد‏,‏ وأقلية تنتمي إلي أحزاب أخري‏,‏ وازداد توتر وقلق أصحاب الأفكار والتوجهات الإسلامية بعد سقوط دولة الخلافة في تركيا‏,‏ وانتشار الأفكار الليبرالية والعلمانية‏.‏
وقد توافق وصول البنا إلي القاهرة مع فترة الغليان الفكري والسياسي التي ميزت العشرينيات‏.‏
وباستعراضه للموقف بعيني ريفي متدين استطاع البنا أن يميز المشكلات الأكثر خطورة من وجهه نظره‏:‏ الصراع المحتدم بين الوفد وحزب الأحرار الدستوريين علي حكم مصر‏,‏ والمجادلات السياسية الصاخبة التي أسفرت عن الانقسام عقب ثورة‏01919‏
كان المناخ الجديد‏,‏ يهيئ موضوعيا لبعث الأفكار الإسلامية في أشكال شتي‏,‏ ولم تكن جماعة الإخوان إلا أحد هذه الأشكال‏.‏ والي لقاء‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.