تثير الطريقة التي يظهر بها تنظيم الدولة الإسلامية( داعش) نفسه في الفيديوهات الخاصة به وعبر حساباته علي موقعي فيس بوك وتويتر تساؤلات عديدة حول الإمكانات الإعلامية التي يمتلكها, خاصة في ظل اهتمامه بتقنيات وزوايا التصوير وجودة الصورة, بشكل يدل علي وجود متخصصين في هذا المجال بين عناصره. وعلي أن ثمة استراتيجية إعلامية يسعي القائمون علي التنظيم إلي تنفيذها, لا سيما بعد تأسيس مركز إعلامي أطلق عليه اسم مركز الحياة الإعلامي, وتشكيل وزارات في العراق, لم تخل من مسئول للإعلام, تم استهدافه وقتله بعد ذلك. غير أن التطور الأكبر والأبرز في هذا الإطار يتمثل في إعلان التنظيم, في الفترة الأخيرة, عن إصدار أول مجلة رسمية لالخلافة الإسلامية, أطلق عليها اسم دابقDabiq, التي تشير إلي منطقة دابق في ريف حلب بشمال سوريا, حيث يتم توزيعها حسب التنظيم- كمرحلة أولي في العراق, علي أن يتم في مرحلة تالية إطلاق بعض الصحف الأخري باللغة العربية ولغات أجنبية, بهدف تبليغ رسالة الخلافة, ونشرها في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سورياوالعراق. تناول جديد لوسائل تقليدية: يشير الشكل النهائي الذي خرجت به مجلة دابق للتوزيع إلي أن القائمين عليها حرصوا علي اختيار تصميم المجلة وانتقاء الألوان والعناوين والصور بدقة, مما جعلها جاذبة للمتلقي بشكل يفوق التوقع رغم أنها لا تتناول القضايا المختلفة بشكل مهني. وكمجلة دعائية سعي القائمون عليها إلي التركيز علي أهداف التنظيم والتعريف بها, والتمهيد لفكرة الخلافة, وتجميل صورتها, في الوقت الذي اختفت فيه آثار الدمار التي تسبب فيها التنظيم في المناطق التي سيطر عليها في العراقوسوريا, وحلت محلها صور لمقاتليه خلال بعض المواجهات. وعلي الرغم من أن تجربة إصدار مجلة خاصة بتنظيم جهادي ليست جديدة في حد ذاتها, حيث سبق لتنظيم القاعدة العمل علي إصدار مجلة إلكترونية باللغة الإنجليزية أطلق عليها اسم إنسباير خلال عام2010, واستمرت في الصدور لمدة عامين إلي أن تم استهداف القائمين عليها وتصفيتهم, فإن هذا التطور النوعي في نشاط داعش الإعلامي الذي يتمثل في إصدار دابق, يكتسب أهمية خاصة, لا سيما أنه يأتي وسط تطورات أخري مهمة مثل تغيير اسم التنظيم من الدولة الإسلامية في الشام والعراق إلي الدولة الإسلامية, والاعلان عن خريطة الخلافة الإسلامية, وإصدار جواز سفر داعش, وظهور أبو بكر البغدادي أمير التنظيم, في الوقت الذي تشغل فيه العمليات التي يقوم بها داعش علي الأرض مساحة واسعة من الإعلام العربي والعالمي, وتستحوذ علي اهتمام الرأي العام, بشكل بات يحقق ما يسعي إليه التنظيم, الذي يعتمد علي التأثير في الرأي العام من خلال حرب إعلامية يبث من خلالها الرعب في نفوس المواطنين, لحثهم علي الاستسلام لحكمه أو النزوح بعيدا عن المناطق التي يسيطر عليها. ومع أن استخدام التنظيمات الجهادية للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ليس جديدا, إلا أن متابعة نشاط التنظيم علي شبكات التواصل الاجتماعي, تشير إلي امتلاكه استراتيجية تسويق إلكتروني تتسم بدرجة عالية من التنسيق والتخطيط والدقة, ووجود فريق عمل إعلامي اجتماعي, وانطلاقا من تأكيد بعض الاتجاهات علي أن التأثير علي الرأي العام غالبا ما يكون أكثر أهمية بالنسبة للجماعات الجهادية من القتال, وليس أدل علي هذا من أن المكاسب التي حققتها القوات العراقية ضد التنظيم في بعض المناطق لم تلق اهتماما يذكر ولم يكن لها أي أصداء في مقابل نجاحات التنظيم. ويمكن القول إن استخدام داعش لمواقع التواصل الاجتماعي إنما يتم من خلال عدد من الآليات, أولها وأبرزها الحساب الإعلامي الرسمي للتنظيم, الذي يبث من خلاله التسجيلات الخاصة ببياناته, وثانيها, حسابات المناطق التي يسيطر عليها التنظيم, ويتم من خلالها نشر فيديوهات حية ومسجلة للأحداث التي تقع فيها, وثالثها, الحسابات الخاصة بمقاتلي التنظيم, ويبث هؤلاء من خلالها صورا لتجاربهم الشخصية في القتال. حدود التأثير: لا خلاف حول النجاحات التي حققها التنظيم علي صعيد استخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة, وترويع قطاع من المواطنين الذين سارعوا إما إلي النزوح أو الاستسلام لحكم التنظيم في العراق, وكذلك حشد بعض المؤيدين, وتثبيت العناصر المنتمية له, فضلا عن قدرته علي إثارة جدل واسع في الغرب, بعد نشر صور وفيديوهات لمجاهدين بريطانيين أيديهم ملطخة بالدماء ويرفعون شعارات مثل لا تموت سوي مرة واحدة.. لماذا لا تجعلها شهادة؟, في حين أن غياب تغطية إعلامية محايدة للأحداث التي تقع علي الأرض جعلت من إعلام داعش المؤثر الوحيد علي المتلقي سواء مؤيدا أو معارضا لما يمارسه التنظيم. ووفق العديد من الخبراء فإن عدم وجود جهة محايدة تنقل الأحداث بسبب صعوبة الوصول إلي المناطق التي تشهد صراعا بين التنظيم وبعض الأطراف الأخري في العراقوسوريا, وكذلك عدم وجود مراسلين للتغطية, فضلا عن عدم تعاون الجهات الرسمية, قد سهل علي التنظيم أن يكون مصدر بث المعلومة, وبالتالي غابت حقيقة رفض قطاع واسع من المواطنين للتنظيم, ووجود جهود فعلية لصد هجومه علي بعض المناطق ونجاحها في ذلك. ولذلك فإن نجاح التنظيم علي صعيد العمليات العسكرية يظل مرهونا بقدرته علي الصعيد الإعلامي, الذي يثبت تقدمه فيه بشكل كبير. وحدة الرأي العام