منذ حوالي عامين تقريبا, لم يعد كثيرون يهتمون بالأخبار الخارجية, فبعد عقود طويلة كانت أخبار العالم تمثل فيها جزءا من الاهتمام العام في مصر وكانت أخبار المنطقة تمثل خلالها هما وطنيا تحول الرأي العام في مصر, نحو الداخل وتشير كل الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الأخيرة, إستعدادا لصياغة البرامج الحزبية للانتخابات القادمة, إلي أن قضايا الأسعار والدخول والعمل والتعليم والصحة, تأتي في مراتب متقدمة عن فلسطين والعراق, وحتي في الأحوال التي يتم الاهتمام فيها بالداخل, يرتبط ذلك عادة بمصالح قومية مباشرة, تتعلق بحياة الناس, فالقضية الخارجية الاولي التي تشغل المصريين حاليا, هي' مياه النيل' ومايرتبط بها, سواء تعلق الامر بدول الحوض أو السودان أو إفريقيا. إن هناك من يري أن كل ذلك يمثل ظاهرة صحية, فكل شعوب العالم, بعيدا عن أجهزة الحكم في العواصم, تهتم بشئونها الداخلية, لكن هناك من يحاول طرح أسئلة هامة حول كل ذلك, فتحولنا في إتجاه الإغراق في المحلية بتلك الصورة, قد يؤدي إلي ضمور جزء من' أدمغتنا', خاصة وأن واحدة من الحكم التقليدية المتعلقة بمصر, هي أنها إذا لم تهتم بالعالم فإن العالم سوف يهتم بها, لكن علي أي حال, هذا مايحدث, وربما تعود تلك الاهتمامات مرة أخري, بعد أن تنتهي موجة الانتخابات القادمة, ويستقر الوضع الاقتصادي نسبيا. إن كل هذه العبارات هي مجرد تداع لأفكار إرتبطت بخبر يتعلق بواقعة جرت منذ أيام في مكان بعيد عن مصر, وهو جرينلند, التي هي قارة صغيرة ثلجية, غير مأهولة بالسكان, عدا بؤر صغيرة, توجد في سقف العالم أعلي الخريطة, بالقرب من القطب الشمالي, إلي جوار كندا, رغم أنها أرض دانماركية, ففي تلك المنطقة, إنفصلت جزيرة هائلة من الثلوج, تبلغ مساحتها260 كيلو مترا, أي أقل قليلا من مساحة قطاع غزة, بفعل الحرارة التي تجتاح العالم, والتي مارست تأثيرات حادة, حتي في موسكو, وحسب التقارير التي علقت علي الخبر, فإن ذلك يعد من الأحداث المناخية الهامة, التي لم تشهدها تلك المنطقة منذ50 عاما, فما هي علاقتنا بتلك القصة؟ الفكرة انه يمكن ان توجد علاقة لنا, حتي ولو تافهة, وغير مباشرة, وبعيدة, بأي شيء, حتي لو كان يجري في جرينلند, فنحن مثلا واحدة من الدول التي يمكن أن تتعرض مساحات واسعة من شمال أراضيها المنخفضة في الدلتا للتراجع إذا ماإستمرت مثل تلك الظواهر, ولو فرض واتجهت تلك الكتلة الجليدية جنوبا, وهو مالم يحدث, مقتربة من المياه الدافئة, فإنها ستذوب ليرتفع منسوب المياه في البحر المتوسط, بنسبة ما من المليمتر, وهي ليست مشكلة, لكن الأمور ستتفاقم إذا تكرر ذلك عدة مرات, وليس المطلوب بالطبع أن ينشغل الرأي العام بثلوج جرينلند, أو نضع سياسة للحفاظ علي جرينلند, في برامج الإنتخابات القادمة, لكن علي الأقل علينا أن نفكر في إعادة الاهتمام بالاخبار الخارجية, وإن كنا عادة لن نحب مثل تلك الأخبار الباردة. [email protected]