تسجل الأرقام وتحذر الدراسات من ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وشكاوي الخريجين من ندرة فرص العمل , إلا أن في بعض المصانع حقائق وأرقاما أخري عن فائض فرص العمل وشكوي رؤساء جمعيات المستثمرين بالمناطق الصناعية وأصحاب مصانع من عجز في نسبة العمالة, الأمر الذي يهدد كثيرا من المصانع بالغلق نتيجة إحجام الشباب عن الالتحاق للعمل بها. ففي مصانع6 أكتوبر يوجد فائض فرص عمل يقدر بنحو50% من حجم عمالتها, وفي مصانع بورسعيد25%, أما في مصانع العاشر من رمضان ومدينة السادات وبرج العرب فيتراوح احتياج كل مصنع من200 إلي3000 عامل.يؤكد الدكتور محمد المنوفي رئيس جمعية مستثمري6 أكتوبر السابق وصاحب أحد المصانع أن هناك توافرا في فرص العمل في مصانع6 أكتوبر التي تستوعب فرص عمل تتراوح بين30 و40 ألف فرصة عمل. وأن هناك عجزا في العمالة وأن فائض فرض العمل يبلغ50%, حيث تحتاج المصانع بين15 و20ألف عامل. ويقول ان أزمة نقص العمالة موجودة طوال العام, وتحدث انفراجة خلال موسم الأجازات الصيفية حيث يتم استقطاب الطلاب للعمل لسد العجز, لكن المشكلة تعود مع بدء الدراسة. ويوضح المنوفي ان تدريب الطلاب والعمالة الصيفية يتم بسرعة لسهولة المهام التي يقوم بها العمال, فهي أعمال لا تحتاج لمهارات وخبرات طويلة, ولا تتجاوز فترة تدريبهم شهرا, وتلجأ المصانع في فترة الدراسة بعد انصراف الطلاب إلي العمالة من محافظات قريبة مثل الفيوم والمنوفية والقليوبية. وبسؤاله عما إذا كان ضعف المرتبات والأجور سبب إحجام الشباب عن الالتحاق بالعمل في مصانع السادس من أكتوبر, أكد أن المرتبات تتراوح بين600 جنيه إلي1000 جنيه حسب استيعاب العامل للمهام الموكلة إليه علي الماكينات وإتمام الأعمال بسرعة. وأوضح أن المناطق الصناعية بمدينة السادس من أكتوبر تضم أكثر من600 مصنع ضخم إضافة إلي500 مصنع خدمي يقوم بتصنيع قطع غيار وأجزاء ومكونات تدخل في الصناعات الكبيرة مثل الزجاج والمساميروالصاج والكاوتش والسوست وغيرها, وجميع هذه المصانع تحتاج إلي العمالة وتقوم بتدريبها إذا لم يكن لدي المتقدم للالتحاق خبرة كافية. 1000 مصنع تحت الإنشاء ويقول صفوان ثابت رئيس جمعية مستثمري أكتوبر إلي ان المحافظة بها أكبر منطقة صناعية في مصر وهناك نحو1000 مصنع تحت الإنشاء, وبالتالي ستظل في احتياج للعمالة. ويرجع إحجام العمالة إلي ثقافة الشباب الرافضة للعمل في المصانع ورغبتهم في الأعمال الادارية, إضافة إلي معاناة الراغبين في العمل من عدم وجود وسائل النقل بين المحافظات القادمين منها مثل القليوبيةوالفيوم وعدم توافر مساكن قريبة ورخيصة بمدينة أكتوبر. بورسعيد تشكو أيضا ويشكو أصحاب مصانع بورسعيد أيضا من قلة العمالة, فيقول المهندس حسام جبر رئيس جمعية مستثمري بورسعيد ان المنطقة الصناعية ببورسعيد تضم22 مصنعا وتوفر حوالي35 ألف فرصة عمل, ومنذ سنوات تواجه المصانع أزمة عمالة تسعي الجمعية لحلها من خلال مراكز التدريب, حيث يحصل المتدربون في بداية التحاقهم بالتدريب والعمل علي مرتب شهري500 جنيه وكلما زادت خبرتهم زاد المرتب, فضلا عن التأمينات الاجتماعية وبدل الوجبات ووسائل النقل. وأضاف أن المقابل المادي ليس السبب في إحجام العمالة عن الالتحاق بالعمل ولكن ثقافة المجتمع هي السبب. فالعامل يفضل العمل الحكومي علي الخاص, ومعروف ان العمل الخاص له مميزات وهناك التزامات في استغلال الوقت في العمل وعدم إهداره ومن يعمل أكثر يحصل علي مزيد من الأجر, وهؤلاء لايريدون الالتزام بأوقات العمل أو وضع أنفسهم تحت ضغوط والتزامات. ويؤكد ان مصانع بورسعيد مستعدة لاستقبال أكثر من خمس آلاف عامل فورا لأن هناك أزمة بالفعل,وأن لديهم خطوط انتاج توقفت بسبب نقص العمالة في بعض المصانع. مرتبات مغرية ويقول مجدي كمال مدير عام جمعية مستثمري بورسعيد ان مصانع بورسعيد تواجه الآن عجزا في العمالة وتحتاج حوالي8 آلاف عامل, وأنهم ينتظرون سنويا خريجي مشروع مبارك كول لتوظيفهم بمرتبات مغرية وسد عجز العمالة مضيفا أن هذا المشروع من أنجح المشروعات لأن الطالب يقوم بالتدريب أربعة أيام في الأسبوع بالمصانع تؤهله لمعرفة قيمة العمل بالمصنع ومزاياه المادية والترقيات, لكن أعدادالخريجين لا تزال محدودة مقارنة بفرص العمل الكبيرة. ويبدي استغرابه من إحجام الشباب عن العمل بالمصانع رغم أنها حسب تأكيداته تقوم بعمل التأمينات الاجتماعية فور التحاق العامل بالمصنع واجتيازه فترة التدريب في الشهر الأول, ولا يقف أمر العناية بهم إلي هذا الحد بل يتمتعون أيضا بخدمة التأمين الصحي ولا يتجاوز عدد ساعات العمل8 ساعات تتخللها ساعة راحة, وعند زيادة عدد ساعات العمل يحصل العامل علي حوافز تشجيعا لاستمرارهم في زيادة الانتاج الذي يعود بالفائدة علي المصنع والعامل أيضا. أزمة في مصانع العاشر ويقول المهندس أحمد عبد الستار المدير التنفيذي للاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين ان المناطق الصناعية في توسع مستمر ولكنها تواجه أزمة بسبب ندرة العمالة, حيث يحتاج كل مصنع نحو200 عامل ويصل احتياج بعضها إلي3 آلاف عامل وأن المناطق الصناعية بمدينة السادات وبرج العرب توفر نحو20 ألف فرصة عمل لا تجد من يشغلها. علي الرغم من أن الحد الأدني لرواتب العمال المبتدئين لايقل عن500 جنيه بالاضافة إلي توافر فرص التدريب بإشراف اتحاد جمعيات المستثمرين. وعن ضمانات التأمينات الاجتماعية للعمال يقول إن إدارات المصانع تختلف في تحديد فترة التأمين علي العمال, فإذا كان العامل لديه خبرة في مجال العمل يؤمن عليه مباشرة, أما إذا كان غير مدرب فيتم التأمين عليه فور اجتيازه فترة الاختبار وتدريب لا تتجاوز6 أشهر أما تأخر بعض المصانع في التأمين علي بعض العمالة فيتعلق بالعمال غير المدربين نظرا لتكرار تركهم العمل بعد فترة قصيرة وبالتالي يواجه المصنع مشكلة في شطب العامل من قوائم المؤمن عليهم, ولذا تنتظر المصانع اجتيازهم فترة التدريب للتأكد من جديتهم في الاستمرار في العمل. الخريجون يتكلمون فماذا يقول الشباب والخريجون؟ وكيف يردون علي هذه الاتهامات؟ يقول أسامة مطر حاصل علي مؤهل متوسط ان العمل في المصانع شاق والوصول إليها يستغرق ساعات طويلة, وهو يبحث عن عمل قريب من بيته. أما محمود سيد( بكالوريوس تجارة) فقد بحث عن فرصة عمل بمؤهله لكنه فشل, فاتجه للعمل موظف أمن بأحد مصانع أكتوبر لكنه كان طول الوقت يسعي للحصول علي فرصة عمل أخري بسبب بعد المسافة بين محل إقامته بالقاهرة والمصنع حتي انتقل لمكان اخر بوسط القاهرة. ويقول سمير سميح انه يسعي منذ عشر سنوات للحصول علي فرصة عمل ثابتة ومستقرة, ويفكر في السفر ويري ان فرصة عمل في أي مهنة بالخارج أفضل من العمل في مصر, فهناك يحترمون أي مهنة, حتي لو كان سباكا أو عامل نظافة. ويؤمن محمد رمضان بالوظيفة الميري ويسعي للعمل في المكتب بدون بهدلة, وقد حصل علي وظيفة حكومية ويعمل بعد الظهر سائق تاكسي لتوفير متطلبات بيته, ويري أن هذا أفضل من العمل في المصانع من حيث العائد المادي وحريته في العمل في الوقت الذي يريد. أما عيد عبدالعزيز خريج معهد فني صناعي فقد فضل العمل بائعا بإحدي الصيدليات علي العمل بتخصصه في أحد المصانع, معتبرا العمل في المصنع تعبا, وأن عدد ساعات العمل لا يتناسب مع المرتبات. ويعتبر أمجد محروس( فني تبريد وتكييف) العمل في تخصصه سر نجاحه, إذ عمل في مصانع الصاج وهو طالب بالدبلوم ثم عمل في ورشة صيانة اجهزة التبريد وبعد حصوله علي مؤهل فوق متوسط من المعهد في تخصصه التحق بإحدي شركات صيانة التكييف وحصل علي شهادات من مراكز تدريب أجنبية من خلال دورات دفعته الشركة للالتحاق بها ثم أهلته بعد ذلك للعمل بالسعودية في تخصصه. ويري أن عمله كفني أفضل من العمل المكتبي لأنه يفضل العمل بيديه ويستطيع أن يبدع فيه. تغيير ثقافة ويقول عبدالعزيز مصطفي وكيل مجلس الشعب عمال ان المشكلة الرئيسية تكمن في ثقافة الشباب بعد التخرج وانتظار وظائف المكاتب, فلا يسعون للعمل بالمصانع والحرف المهنية اعتقادا أنها قلة قيمة. ويتساءل: هل شبابنا طموح يستطيع أن يغير مستقبله؟ مجيبا علي سؤاله بضرورة حصول الشباب علي أي فرصة عمل متوافرة لينتقلوا بعدها إلي فرصة أخري توفر لهم دخلا أكبر, حتي يصلوا في نهاية المطاف إلي الوظيفة التي ترضي طموحهم. ويضيف أن الشباب يرفضون المغامرة ولا يريدون حتي خوض التجربة, لتعديل مسار حياتهم الي الافضل, فيظلون في حالة انتظار, وللأسف هؤلاء ينتظرون السراب, فلن تأتي إليهم فرصة العمل دون تحرك جاد منهم. ويؤكد أن المسئولية تقع علي عاتق المجتمع الذي رسخ لفكرة العمل الميري ثم العمل المكتبي رغم أن الأديان تحض علي قيمة العمل, أي عمل حتي لو كان حرفة أو جمع قمامة, وعلي وسائل الإعلام القيام بدورها في التوعية بهذه المشكلة ليتحرك الشباب من المقاهي ونواصي الطرق إلي فرص العمل المتوافرة. ويوضح المهندس عمرو عسل رئيس هيئة التنمية الصناعية أن شكاوي المستثمرين من قلة العمالة تعود لرفض الشباب العمل في المصانع وتراجع دور التعليم المهني, وقلة الأجور في بعض المصانع مضيفا ان مركز تحديث الصناعة التابع لوزارة الصناعة يقوم بتدريب العمالة وتأهيلها بالتعاون مع المصانع لتوفير عمالة مدربة علي أعلي مستوي. مواءمة نفسية ويقترح الدكتور محمد عبد الفتاح العزب رئيس الجمعية المصرية للتنمية التكنولوجية والبشرية فكرة المواءمة الفنية لتأهيل الشباب وتدريبهم فنيا للالتحاق بفرص العمل المتاحة فالمواءمة النفسية للشباب, تهدف إلي أن تكون مواصفات العمل مناسبة للحالة النفسية للخريج. فهناك شباب يتركون العمل في وظائف مرموقة لأنها لا تناسبه ظروفهم النفسية. وهنا يقع العبء علي عاتق مراكز التدريب ووسائل الاعلام والجمعيات الأهلية لتوعية الشباب وتدريبهم علي العمل, أي عمل طالما أنه عمل مربح وشريف, ولكن هناك خطأ يسري في ثقافة شبابنا نحو العمل, والمشكلة تحتاج إلي الدراسة ووضع الحلول بعد أن تحولت إلي مشكلة عامة بين الشباب من جميع الفئات الاجتماعية. ويقول فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية: ان المشكلة الرئيسية هي رفض الشباب ثقافة العمل المهني ورغبتهم في الحصول علي فرصة العمل المكتبي, ويطالب تغيير ثقافة الشباب عبر استراتيجية طويلة المدي وأخري قصيرة المدي اذ يقع علي عاتق الدولة توجيه التعليم الفني المتوسط نحو المهن التي يحتاجها سوق العمل, فمصانع بورسعيد تحتاج26 ألف عامل في مجالات الخياطة والقص والتطريز, ومازالت تعمل فقط بنسبة75% من طاقتها لعدم توافر العمالة. ويري أن منظومة التعليم تحتاج إصلاحا ليستوعب سوق العمل الخريجين, فلا يعقل أن يتخرج من المعاهد12 ألف خريج خدمة اجتماعية سنويا والسوق لا يحتاج هذا العدد, بخلاف خريجي الآداب والتجارة والعلوم وغيرهم ممن لا تتوافر لهم فرص عمل لتشبع السوق بالخريجين, مشددا علي ضرورة ان تعيد الدولة النظر في الصناعات الحرفية وتأهيل الخريجين للالتحاق بهذه المجالات. ويقول ان هناك نماذج مشرفة لشباب مصري سعي للتدريب علي الحرف والمهن التي يحتاجها سوق العمل وحققوا نجاحات مادية وأدبية كبيرة حتي إن فرنسا تطلب عمالة مصرية من فنيي اللحام المتخصصين وكذلك إيران تلجأ للعمالة المصرية المتخصصة في إصلاح المراكب, ويتقاضي هؤلاء المصريون أجورا مرتفعة نظير سفرهم وقيامهم بالأعمال المطلوبة منهم, مع العلم بأنهم فنيون وليسوا مهندسين, فالعمالة الفنية المصرية مطلوبة في داخل مصر وخارجها, والعاملون في مجال لحام الألومنيوم يتقاضون في فرنسا ما يساوي250 جنيها في الساعة, وهذه واحدة من المهن التي تميز فيها المصريون في الخارج, ويشدد علي ضرورة اعتماد مراكز تدريب عالمية متخصصة لتأهيل العمالة المصرية لسوق العمل الخارجية أيضا, أن كثيرين يسافرون لأوروبا بمؤهلات جامعية ويحصلون علي شهادات في مراكز تدريب مهنية ويعملون في الحرف المختلفة دون خجل, فلماذا يخجلون ويرفضون العمل المهني في بلدهم. ويطالب بهيئة مصرية متفرغة لتدريب الشباب وتأهيلهم للحرف المختلفة متهما المجلس الأعلي للموارد والتنمية البشرية بالتقصير في دوره, إذ لم يجتمع منذ عشر سنوات, كذلك يوجد بكل محافظة مجلس أعلي للتنمية البشرية للأسف لم يجتمع أيضا منذ عشر سنوات, وبالتالي لا توجد متابعة لمراكز التدريب وتوفير العمالة المطلوبة في المصانع وغيرها.