يتساءل الجميع فى دهشة: كيف يعانى شباب المحافظة من البطالة وهى تحتضن حوالى 40% من المشروعات الصناعية فى مصر، ونحو 60% من صناعة وتكرير البترول، وبها ما لا يقل عن 8 مدن ومناطق صناعية؟ يبدو الأمر لغزاً يستعصى على الفهم قبل الحل، فالبطالة تزداد بمرور الوقت، وأعداد أكبر من الشباب يتخذون من المقاهى مكانا للتجمع وقضاء أوقاتهم، بينما يحيط شبح الإغلاق بالمصانع. «إسكندرية اليوم» بحثت الأسباب التى أدت إلى تفاقم مشكلة البطالة بهذه الدرجة فى ظل معاناة المصانع وحاجتها إلى العمال، الأمر الذى أدى إلى قيام عدد منها باستقدام عمالة أجنبية. قال محمد أيوب، الحاصل على بكالوريوس هندسة قسم ميكانيكا، إنه تخرج منذ 3 سنوات، وعمل بأحد مصانع المنسوجات فى مدينة برج العرب الصناعية، براتب شهرى قدره 400 جنيه فقط، إلا أنه يقطن بمنطقة سيدى بشر، ويحتاج ما يتراوح بين 8 و 10 جنيهات يوميا كمصاريف مواصلات، ذهابا وإيابا، بما يعنى تخصيص حوالى 300 جنيه شهريا للمواصلات فقط، ولا يتبقى من الراتب سوى 100 جنيه لا تكفى لاحتياجاته اليومية ونفقاته الشخصية. وأضاف أنه توقف عن الذهاب إلى العمل بعد حوالى 3 شهور فقط، وبحث عن عمل آخر يوفر فيه قيمة المواصلات، فعمل محاسباً (كاشير) بأحد المطاعم، بنفس قيمة الراتب الذى كان يتقاضاه فى المصنع، مشيرا إلى أن مهنة المطعم لا تتناسب مع مؤهله الجامعى، ولكنه لا يجد بديلا آخر، لأن جميع المناطق التى تحتضن المصانع والشركات الصناعية تبعد عن المحافظة مسافة تحتاج إلى ساعات للوصول إليها، وهو ما يتسبب فى تعجيز الشباب عن التوجه إليها، فى ظل عدم اهتمام المحافظة إلا بمواصلات الطرق الرئيسة فقط. وقال على إبراهيم، مهندس كهرباء بأحد مصانع منطقة ميرغم الصناعية، إن المشكلة التى تواجه الشباب، خاصة خريجى المعاهد الفنية، هى عدم وجود أى نوع من الخبرة التى تمكنهم من التعامل مع الماكينات الخاصة بالمصنع، ويحتاج العامل إلى مدة كبيرة للتأقلم على استخدام الماكينة. وأوضح أن خريجى الجامعات لا يدركون الفروق المهنية البسيطة بين الماكينات المختلفة، بسبب افتقادهم الخبرات، بما يؤدى إلى معاملة هؤلاء الخريجين معاملة العمال العاديين فى الرواتب، حيث يتساوى فى النهاية والجامعات المتخصصة مع العمال خريجى المدارس الفنية، لاشتراكهم فى صفة عدم الخبرة والتدريب أثناء الدراسة، واصفا ذلك ب«الغلطة المشتركة»، التى يقع فيها كل من الشباب والحكومة، حيث يقصر الشاب تعلمه على المناهج النظرية التى تمكنه من النجاح فى المواد فقط. من جانبه، أرجع الدكتور محمد محرم، عضو مجلس إدارة جمعية مستثمرى منطقة ميرغم الصناعية، انتشار البطالة فى المحافظة إلى عدم استيعاب العمال كيفية العمل فى المناطق والمدن الصناعية، حيث يقتصر التعلم طول مدة الدراسة على الجوانب النظرية فقط، وتبعد كثيرا على الواقع العملى، الذى تحتاجة المصانع، وهو ما يؤدى إلى استمرار زيادة أعداد الشباب العاطل عن العمل، رغم احتياج المصانع لهم. وأضاف محرم أن جميع المناطق الصناعية تقع فى أطراف المحافظة، وتحتاج إلى اكثر من وسيلة مواصلات للوصول إليها، مما يكلف العامل الكثير من المبالغ المالية، ما يؤدى فى النهاية إلى عزوف الشباب عن البحث عن فرصة عمل بهذه المناطق، مؤكداً أن الرواتب التى يتقاضاها العمال فى عدد كبير من المصانع لا تتناسب مع طبيعة العمل فى مناطق بعيدة، مطالبا برفع الرواتب بمبادرة من أصحاب المصانع، لأن ذلك سيمثل نوعا من التشجيع للعمال على العمل بالمناطق البعيدة. وأكد أن قلة عدد المدارس الفنية وغياب ثقافة التدريب لدى هذه المدارس من أهم العوامل التى تتسبب فى أزمة غياب العمال الماهرين، التى تعانى منها جميع المصانع، والتى أدت إلى الاعتماد على عمال الضواحى، والعمال الأجانب، مشيراً إلى أن الاعتماد على العمال الأجانب يخلق مشكلة توفير أماكن إقامة لهم، لافتا إلى وجود ضرورة لتوفير أماكن لإقامة العمال المصريين والأجانب، حتى يتمكنوا من العمل، مشيراً إلى أن ذلك سيوفر على العامل وصاحب المصنع الكثير، وسيساهم فى تسليم الإنتاج فى وقته مما سيؤثر على منظومة التجارة والاقتصاد بشكل إيجابى يساهم فى زيادة معدل التنمية. وقال الدكتور على عبدالمنعم، الخبير الاقتصادى، إن عدداً كبيراً من الشباب يعتمدون على الأعمال الموسمية فقط خلال فترة الصيف، مشيرا إلى أنها الأكثر ربحية والأقل جهداً، حيث ينتشر عمال الكافيتريات والشواطئ، والمسارح، ودور السينما نظرا لطبيعة المحافظة، مؤكدا ضرورة تغيير ثقافة العمل لدى الشباب التى جعلتهم يبحثون عن الربح السريع والراحة. وأكد أن فصل الجامعات عن المنظومة الاقتصادية، التى تتمثل فى المصانع والشركات، من أهم أسباب تفاقم مشكلة تخريج عدد كبير من الشباب لا يربطهم باحتياجات المصانع سوى شهادة جامعية فقط، حيث يفتقرون للخبرة والمعلومات التى تؤهلهم للعمل بهذه المصانع. وأكد المهندس نبيل أبوحمدة، رئيس جمعية مستثمرى منطقة ميرغم الصناعية، أن مصانع المنطقة تحتاج إلى حوالى 15 ألف عامل، ويوجد عجز فى العمالة تصل نسبته إلى 20%، وهو ما يهدد هذه المصانع بتوقف إنتاجها، ثم إغلاقها، مشيراً إلى أن الجمعية تعلن عن تنظيم دورات تدريبية بالتعاون مع جهات مانحة لتدريب العمال، وتتراوح تكلفة العامل الواحد من 10 إلى 12 ألف جنيه خلال 3 شهور، هى مدة التدريب.