الإنتاج الحربي تعلن وظائف جديدة للمهندسين والمحامين 2025.. تعرف على الشروط وطريقة التقديم    بعد ساعات.. فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين للعودة إلى غزة    وزير التموين: لا مساس بسعر رغيف الخبز البلدي المدعم رغم تحريك أسعار السولار    عن وجود مشروعات بديلة لقناة السويس: أشعر بالاطمئنان في هذه الحالة    مؤتمر جامعة القاهرة الدولي للذكاء الاصطناعي يسعى لبناء منظومة فعالة للابتكار    وزير الخارجية الباكستاني يرحب باتفاق وقف إطلاق النار مع أفغانستان    مكتب نتنياهو يعلن تسلم رفات أسيرين إسرائيليين ليرتفع العدد إلى 13    الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة زاد العزة ال53 تحمل نحو 8500 طن مساعدات إغاثية شاملة إلى غزة    الكرملين: قمة بين بوتين وترامب قد تعقد في غضون أسبوعين أو بعد ذلك بقليل    ناشفيل ضد إنتر ميامي.. ميسي يتوج بلقب هداف الدوري الأمريكي    بعثة الأهلي تصل القاهرة بعد الفوز على إيجل نوار في دوري أبطال أفريقيا    اليوم.. ليفربول يواجه مانشستر يونايتد في كلاسيكو إنجلترا    عمرو الحديدي: الشيبي وماييلي لن يرفضا عرضًا من الأهلي    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية لتعزيز النظم الصحية    تحذير من حسام موافي: ظهور بقع زرقاء تحت الجلد قد ينذر بمرض خطير.. إليك الأسباب والتفسير الطبي    مصرع شابين في حادث تصادم مأساوي بطريق قليوب قرب مزلقان العادلي    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    أطول تلاتة في الجونة.. احمد مجدي يمازح أحمد السعدني وخالد سليم    شرطة نيويورك: متظاهرون كثيرون يشاركون في الاحتجاجات    نقيب الصحفيين: بلاغ لوزير الداخلية ووقائع التحقيق مع الزميل محمد طاهر «انتهاك صريح لقانون النقابة»    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    أحمد العوضي يدخل قلوب الجمهور بعد استجابته لحلم طفلة محاربة للسرطان: "أوامرك يا ليلى"    فتح فصل ثانوي مزدوج جديد لتخصص استخلاص وتصنيع الزيوت النباتية في مطروح    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    تفاصيل إصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بالفيوم    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    استعدوا لأشد نوات الشتاء 2026.. الإسكندرية على موعد مع نوة الصليب (أبرز 10 معلومات)    تحالف مصرفى يمول مشروع «Park St. Edition» باستثمارات 16 مليار جنيه    غضب ومشادات بسبب رفع «الأجرة» أعلى من النسب المقررة    ذات يوم مع زويل    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    ارتفاع يصل إلى 37 جنيهًا في الضاني والبتلو، أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    بعد هبوط الأخضر بالبنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19-10-2025    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذهب الأخضر
نشر في الأهرام المسائي يوم 15 - 03 - 2014

أذكر من حوالي خمسة وعشرين عامآ، تصريحآ لرجلين من أعظم رجال الخارجية المصرية أولهما كان الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية أيام الرئيس السادات، ثم أمين عام الأمم المتحدة بعد ذلك، والثاني كان الدكتور أسامة الباز وكيل أول وزارة الخارجية، والمستشار السياسي لرئيس الجمهورية، وكان التصريح أن الحروب القادمة في العالم، وخاصة في أفريقيا وآسيا ستكون بسبب التنازع على المياه، وما نراه هذه الأيام من تهديدات سدود إثيوبيا للحياة في مصر هو أكبر دليل على صحة توقعات الرجلين، ووضوح الرؤية المستقبلية عندهما.
وأعود بكم إلى موضوع المقال، فالمعروف أن الذهب من حيث التركيب الكيميائي هو أندر العناصر على سطح الأرض، وأصبح بالفعل أسطورة مليئة بالأسرار في كنز الإنسانية المجهول ، واستخدم "الذهب الأصفر"، في صناعة الحلى والمجوهرات وغيرها من المشغولات الذهبية الأخرى، كما استخدم كعملة عالمية لتسديد الديون حتى نهاية العقد الثالث من القرن العشرين.
وكانت غالبية دول العالم تتعامل مع ما يسمى "قاعدة الذهب"، لضمان إستقرارها ، وهذا يعني من الناحية الاقتصادية إمكانية الحصول على أي كمية من الذهب مقابل العملات الورقية التي تصدر عن مصرف أو خزانة قومية ، ثم تم التخلي عن هذه القاعدة في الوقت الراهن ، وإستخدم الذهب الأصفر كوسيلة لقياس العملة ، أو كإحتياطي نقدي.
ثم شهد عصر الاستعمار التقليدي من بداية القرن السابع عشر ظهور القطن " الذهب الأبيض " كعامل مؤثر في الاقتصاد العالمي وكمنافس للذهب الأصفر كعملة عالمية في السوق الدولية ، ويحدثنا التاريخ كيف تم جلب آلاف العاملين من إفريقيا لزراعة القطن في المزارع العملاقة في الولايات الجنوبية من القارة الجديدة التي تم استكشافها "أمريكا"، وكيف قامت الدول الاستعمارية خاصة بريطانيا العظمى، بتكثيف زراعة القطن في مستعمراتها في آسيا "الهند وباكستان" وإفريقيا "مصر والسودان" من أجل تشغيل مصانعها في يوركشاير، وغيرها لإنتاج المصنوعات القطنية الممتازة وتصديرها إلى أنحاء العالم كافة ، ولعل الفيلم الأمريكي الذي حصل على العديد من جوائز الأوسكار هذا العام وهو فيلم " 12 عامآ عبدآ" ومنها جائزة أحسن فيلم هو خير معبر عن هذه المرحلة.
وفي مرحلة لاحقة ومع نهاية القرن التاسع عشر، كانت بداية النهاية لعصر الذهب الأبيض بعد ظهور النفط وإنفجاره من باطن الأرض في العديد من الدول في قارات العالم ، وفقد الذهب الأبيض تدريجياً أهميته كمنتج طبيعي بعد التوسع في إنتاج الألياف الصناعية، حتى إن الإنتاج العالمي الحالي من المشغولات القطنية لا يزيد على 100 مليون بالة أي أقل من 22 مليون طن.
ولا شك أننا نعيش حالياً في عصر النفط " الذهب الأسود " وهو أحد أهم مصادر الطاقة اللازمة للبشرية ويتم إستخدام المنتوجات البتروكيماوية في كل شيء ، بدءا من الملبس إلى الدواء إلى توليد الكهرباء إلى إنتاج المياه المحلاة إلى الاستخدامات المنزلية إلى الأثاث، ناهيك عن استخداماته المتعددة في كافة الصناعات والتجهيزات الأساسية الأخرى، ويكفي للدلالة على ذلك أن نعلم أن إجمالي الطلب العالمي على النفط - وطبقاً لتقرير من إدارة معلومات الطاقة الدولية الصادر في (نوفمبر) 2005 وبعض التقارير الدولية الأخرى - قد بلغ نحو 83 مليون برميل يومياً من النفط الخام وما يزيد على 95 تريليون قدم مكعب سنويا من الغاز الطبيعي.
ويأتي هذا في الوقت الذي ارتفع فيه الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط الخام إلى ما يزيد على 1270 مليار برميل ومن الغاز الطبيعي إلى 6.1 مليون تريليون قدم مكعب، وهذا الاحتياطي يكفي لتغطية الطلب العالمي، وحسب معدلات الطلب الحالي وبفرض عدم وجود استكشافات جديدة لزيادة حجم الاحتياطي إلى مدة لا تزيد على 34 عاماً لنضوب النفط، و 55 عاماً لنضوب الغاز الطبيعي من باطن الأرض.
وفي سنة 1970 قام الرئيس ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة بزيارة السعودية وقابل الملك فيصل بن عبد العزيز، وإتفقا على ما يسمى البترو دولار، وتم إستخدامه كعملة، وليس سرآ أن أحد أسباب الحرب الأمريكية على العراق هو أن الرئيس صدام حسين إستبدل الدولار باليورو كعملة متحدة لشراء البترول، فغضبت آمريكا غضبآ كبيرآ، وشنت عليها حربين.
وهنا يأتي السؤال ماذا بعد أن إنتهى دور الذهب الأصفر والذهب الأبيض ، والتوقع المرتقب لانتهاء دور الذهب الأسود في هذا القرن الحالي كعملات عالمية قابلة للتداول، يرى كثير من المراقبين والعلماء والاقتصاديين أن العصر القادم هو عصر المياه "الذهب الأخضر"، خاصة مع ظهور مصطلح جديد على الساحة الاقتصادية عما يسمى تجارة المياه الافتراضية.
وهي تلك المياه المتضمنة أو المنطمرة في السلع الغذائية والمنتجات الحيوانية والصناعية وغيرها والتي يتم تصديرها من منتجات الدول الغنية مائياً إلى دول أخرى تفتقر إلى الموارد المائية.
ومن نافلة القول أن نقرر أن جميع الدول دون استثناء تتعامل بدرجة ما مع تجارة المياه الافتراضية سواء بالتصدير أو الاستيراد، ولكن القضية تكمن في التوازن بين حجم المياه الافتراضية المصدرة مقارنة بحجم المياه الافتراضية المستوردة بما يحقق فائضاً أو عجزاً في الميزان المائي والذي يحكمه توافر المياه ونوع المنتج المصدر أو المستورد.
ولقد تمت مناقشة هذا الموضوع في المنتدى العالمي الثالث للمياه الذي انعقد في دلفت - هولندا - عام 2003، وأكد وجود دول يتجاوز حجم المياه الافتراضية المصدرة حجم المياه الافتراضية المستوردة بدرجة كبيرة ، مثل الولايات المتحدة الأمريكية 169 مليار متر مكعب، والبرازيل 57 مليار متر مكعب، والأرجنتين 66 مليار متر مكعب، وفرنسا 48 مليار متر مكعب ، فيما تعاني دول أخرى من تجاوز حجم المياه الافتراضية المستوردة، حجم المياه الافتراضية المصدرة، مثل الصين 58 مليار متر مكعب، المكسيك 49 مليار متر مكعب، وروسيا 45 مليار متر مكعب، مصر 22 مليار متر مكعب.
ولمزيد من التوضيح عن مصطلح المياه الإفتراضية فإنها تعرف بأنها كمية المياه المستخدمة لإنتاج محصول زراعي أو منتج صناعي، فعلى سبيل المثال تدل المتوسطات العالمية على أن إنتاج كيلو جرام واحد من الحبوب يحتاج 1.5 متر مكعب من الماء ( أو بمعنى آخر لإنتاج طن من الحبوب نحتاج 1500 طن من المياه)، كما يحتاج إنتاج لتر واحد من الحليب حوالي متر مكعب من المياه ولكيلو غرام من الجبنة أكثر من خمسة أمتار مكعبة مياه.
ولذلك فإن الدول التي تصدر المحاصيل التي تحتاج في إنتاجها المياه بكثافة فإنها فعلياً تصدر المياه التي استخدمت في إنتاج هذه المحاصيل، أي أن هذه الدول تساند بشكل غير مباشر الدول المستوردة لهذه المحاصيل في احتياجاتها المائية؛ إذ أنه من شبه المستحيل الإتجار في المياه نفسها بين الدول بشكل مباشر بسبب الظروف السياسية والكلفة الاقتصادية المصاحبة لنقل المياه.
إلا أن الاتجار بالمحاصيل والمنتجات كثيفة الإستخدام للمياه ممكن وعملي، وهذا الاتجار في السلع الغذائية شائع بين مناطق العالم المختلفة منذ آلاف السنين. ولذلك فإنه بإمكان الدول شحيحة الموارد المائية أن ترشد مياهها المستخدمة في القطاع الزراعي وأن توفر كميات كبيرة منها من خلال استيراد المحاصيل ذات الاستهلاك العالي للمياه بدلاً من إنتاجها محلياً، وذلك تماشياً مع نظرية التجارة الدولية" على الدول أن تصدر المنتجات التي تمتلك فيها الميزة النسبية أو المقارنة في عملية إنتاجها، وأن تستورد المنتجات التي لا تمتلك هذه الميزة في إنتاجها".
والخلاصة أن استخدام المياه "الذهب الأخضر" كعملة عالمية قابلة للتداول وارد قبل انتهاء هذا القرن، وأن استخدامها كورقة ضغط سياسي واقتصادي مرجح كما هو في حالة سدود إثيوبيا، خاصة في ظل نقص الموارد المائية المتاحة، ومقابل تزايد الطلب عليها، لتلبية جميع الأغراض الحياتية المختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.